البالونات الإسرائيلية.. والقضية الفلسطينية/ الدكتور ابراهيم بدران

تتوالى التصريحات المتشائمة حول القضية الفلسطينية، وكان آخرها قول صائب عريقات “افيغذور ليبرمان هو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وبولي مردخاي هو رئيس وزرائها” . وان السلطة ستتلاشى خلال فترة وجيزة. وقول الكثيرين أن حل الدولتين قد انتهى و أصبح مستحيلا، وحل الدولة الواحدة غير ممكن، وان القضية الفلسطينية قد خسرت كل إمكاناتها، ونجح المشروع الصهيوني.. وغير ذلك الكثير .

ولكن يتجاهل هؤلاء أن هناك شعب فلسطيني موجود وبقوة يضم أكثر من 5 مليون نسمة في فلسطين 48 والضفة والقطاع والقدس بل وكامل الأراضي الفلسطينية. إن صمود الفلسطينيين واصرارهم على البقاء في ديارهم وبلادهم لم يتزعزع مهما كلف الأمر من مشقة وتضحيات وهي لدى الاجيال الصاعدة والشباب ربما أكبر واقوى من ما حمله الجيل الثاني والجيل الاول, و هذا هو مفتاح القضية .
إن القضية الفلسطينية بكل موضوعية ليست بهذه الصورة المتشائمة. ذلك أن نضال الشعوب يمتد لسنوات وعقود، ولكنه في النهاية يصل إلى الغاية العادلة .هكذا كانت الهند والجزائر وجنوب أفريقيا وغيرها العشرات.
ما نسمعه يتردد في وسائط الاعلام العربية ،وعلى السنة بعض المسؤولين هو ما تطلقه الدعاية الاسرائيلية في حربها النفسية ضد الفلسطينيين وضد العرب بشكل عام. تريد اسرائيل أن يصل الفلسطينيون إلى نقطة اليأس فذلك ما كان ينادي به جابوتنسكي منذ 80 عاما. وتريدهم أن يخنقهم الشعور بالاحباط فيتخلوا عن واقعهم و دورهم كشعب يكافح من أجل حريته و تقرير مصيره، فتطلق الشعارات وتنشر التصريحات، والجزء الاكبر منها “بالونات اختبار” و” كبسولات تيئيس”. واسرئيل تعتقد أن العربي قصير النفس، سريع الملل. ولذلك تعمد إلى تضخيم الارقام التي في صالحها، وتقزيم الارقام و الحقائق التي في صالح الفلسطينيين. فالمستوطنات رغم انتشارها إلا أنها ليست الضفة الغربية، ولا يتعدى وجودها في 15% من مساحة الضفة، ومجموعات المستوطنين يمكن أن يغادروا هذه المستوطنات بأسرع مما يبدو على السطح ،لأنهم يدركون أنها ليست ديارهم، بل إن الحكومة الاسرائيلية تدفع له العلاوات لكي يستمروا حيث هم. وبالمقابل فإن الفلسطينيين يزدادون تمسكاً تماما بترابهم الوطني يوما بعد يوم.
الاشكالية المزمنة في العقل السياسي العربي، انه يعتبر الفشل في مرحلة ما، هو نهاية المطاف، وما عليه إلا الاستسلام، ولا يميز بين فشل الإجراءات في مرحلة، وفشل المشروع بكامله.هذا في حين أن قضايا الشعوب ما هي إلا مشاريع طويلة الأمد تماما، وتراكمات للنجاحات البسيطة سنة وراء سنة وصعود وهبوط وتقدم وتراجع.
حين تصوت 128 دولة في الامم المتحدة لصالح فلسطين ورفضا لقرار ترامب، و حين تصبح صورة عهد التميمي و موقفها تتناقلها كل وسائط الإعلام، و حيت يصف جيمي كارتر الإحتلال الإسرائيلي بالتمييز العنصري، إلا يعني ذلك أن العالم ينظر بتعاطف كبير وتفهم سياسي وانساني متزايد للحقوق الفلسطينية؟ وحين تنجح حركة مقاطعة اسرائيل BDS في أوروبا، أليس هذا رفضا للممارسات الإسرائيلية؟ هو أمر لم يكن كذلك قبل 20 سنة. قد تفشل السياسة، وهنا ينبغي تغيير السياسة و من يديرها وليس التخلي عن المشروع بكامله و الاستسلام. وقد يفشل السياسي، وهنا عليه برضاه و قناعته أن يفسح المجال لآخرين جدد، للصف الثاني أو للجيل الجديد بالمفهوم السياسي والفكري.و هذا الإفساح يسجل له و ليس عليه. وقد تفشل الادارة وهنا عليها أن تفتح الباب لإدارات جديدة . هكذا تتجدد همم الشعوب وتشتد عزائمها رغم التعثرات التي تصيب السياسة والسياسيين..
و قد آن الأوان للفلسطينيين أن يتحدوا عقلا و قلبا و عملا و نوايا. و أن يتوقفوا و العرب عن ترداد وتكرار ما تطلقه اسرائيل من بالونات تدعو إلى اليأس. وهم سيجددون قياداتهم(مع الإحترام و التقدير للجميع)، ويطورون مؤسساتهم و تنظيماتهم، ويبدعون في اساليبهم سنة وراء سنة، وعقداَ بعد عقد، حتى لو امتد الأمر 100 عام. و سيدرك المحتل انه أمام شعب لا يقهر وارادة لا تلين. لتصدر اسرائيل ما تصدره من قوانين وتعليمات وتعلن ما تريد، ولكن الفلسطينيين لن يفقدوا تماسكهم. من كان يعتقد أن الدولة الفلسطينية ستسكتمل استقلالها وعاصمتها القدس في عهده وعلى يديه، فليتواضع قليلا.. ربما يتم ذلك بعد جيل كامل، وفي عهود جديدة، وادارات جديدة. والشعوب لا يصيبها القحط إلا اذا سيطر اليأس والاحباط عليها. وهذا ما تحاول اسرائيل الوصول اليه . والامثلة في التاريخ كثيرة. و لا شك بأن الفلسطينيين سيتعلمون من أخطائهم،و يجددون في أساليبهم و مقارباتهم و ثقتهم بالمستقبل راسخة. هناك جرائم يومية ترتكبها إسرائيل في كامل الأراضي الفلسطينية إبتداء من القتل و الإعتقال الذي لم تسلم منه النساء و الأطفال، و انتهاء بمعسكر الإعتقال النازي الصهيوني في غزة . و لا بد للعالم أن يرفض تلك الجرائم و الإنتهاكات.إن الجوانب القانونية و الإنسانية و الثقافية و الحضارية للشعب الفلسطيني آخذة بالتجلي و الظهور أمام أعين العالم و المؤسسات الدولية و الأهلية. و لعل وجود مرصد للأحداث الفلسطينية يتابعها يوما بيوم و يبثها على العالم بعدة لغات سوف يدفع بالحقوق إلى الأمام حتى تتحقق للشعب الفلسطيني تطلعاته الوطنية العادلة.

Related posts

لميا أم دراكولا* د. سوسن الأبطح

هل تتراجع ألمانيا عن موقفها تجاه الحرب في أوكرانيا؟* د. سنية الحسيني

السمهوري: قرارالجمعية العامة بتحديد سنة لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي ملزم