نشر ستيف أوستن، يوم 20/2/2017، مقالاً متميزاً في النشرة الإلكترونية (Oil-price.wet) تنبأ فيه بمستقبل النفط خلال 2018، وفيه يظهر أن التأثير على أسعار النفط في العالم سوف ينتقل من “أوبك”، وخصوصا المملكة العربية السعودية إلى روسيا، وأن الريادة الفكرية المتعلقة بالنفط ستتحول إلى النرويج، وأن أسعار النفط سوف ترتفع إلى 70 دولاراً، سعرا مرجعيا، تتذبذب فيه الأسعار فوق هذا السعر وتحته.
ولتوضيح الأمور، لا بد من وضع بعض الحقائق الأساسية:
أولاً: وفق الإحصائيات المتاحة عالمياً، بشأن الطلب على النفط حسب القطاعات الاقتصادية، يرى أن 50.2% (نصف الطلب) موجه للطرق والنقل عليها، و14% للصناعات البتروكيميائية، و9% للاستخدامات المنزلية، 7.5% للطيران، و3.4% للاستخدامات البحرية، 2.5% للكهرباء، و1.8% لسكك الحديد، و11.5% للاستعمالات الصناعية الأخرى.
وبمعنى آخر، فإن 61% تقريباً موجه عالمياً لقطاع النقل البري والبحري والجوي، وخصوصا البري، وأن مستقبل النفط إلى حد كبير مركّز على النقل البري.
ثانياً: تشير الإحصاءات عن إنتاج النفط في العالم للعام 2016 إلى أن منتج النفط الأكبر كانت روسيا (10.6 ملايين برميل في اليوم)، ثم المملكة العربية السعودية (10.5 ملايين برميل) ثم الولايات المتحدة (8.9)، ثم العراق (4.5)، ثم إيران (3.9)، ثم الصين (3.9)، ثم كندا (3.7)، ثم الإمارات العربية المتحدة (3.1)، فالكويت (2.9). ولو حسبنا إنتاج دول مجلس التعاون إلى الإنتاج العالمي، لبلغ حوالي 23.8%. أما إنتاج “أوبك”، فقد بلغ 52% من الإنتاج العالمي في العام 2016.
ثالثاً: إن إنتاج الدول الأخرى خارج “أوبك” مثل الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وبعض الدول صغيرة الإنتاج غير الأعضاء في “أوبك” حوالي 48% عام 2016، ويقدر بحوالي نصف إنتاج العالم في نهاية 2017.
في ضوء هذه الحقائق والأرقام، يقدم الخبير النفطي ستيف أوستن خمسة توقعات، سنشهد حدوثها خلال عام 2018، وهي:
أولاً: بدء دخول روسيا لاعبا رئيسيا في أسواق النفط. ويبلغ إنتاج روسيا اليومي حوالي 10 ملايين برميل، وبدأت تصدّره وتصدّر معه الغاز إلى دول وسط آسيا وشمال أوروبا. وكذلك نرى أن دول “أوبك” ترغب في التنسيق الحثيث مع روسيا، من أجل تحييد التحكم الأميركي في أسعار النفط. وإذا استمر هذا التنسيق، سوف تتحول روسيا تدريجياً من دولة تهدّدها الولايات المتحدة إلى دولةٍ تنافس الولايات المتحدة في النفط، كتفاً بكتف، وسوف يحصر تأثير الولايات المتحدة على المناطق المجاورة لها.
ثانياً: تنبأ أوستن بتراجع نفوذ المملكة العربية السعودية داخل سوق النفط. فمنظمة أوبك بدأت تخسر تدريجياً من نفوذها. وقد كانت مساعيها السابقة لتقليل إنتاجها من أجل رفع أسعار النفط تقابل بزيادة الدول خارج “أوبك” إنتاجها، ما كان يؤدي إلى تحييد أهمية تقليل كميات النفط على سعر النفط، ودخول دول جديدة مكان السعودية في أسواقها التقليدية.
ونظراً إلى حاجة السعودية إلى دخل نفطي يومي من الخارج بحوالي 480 مليون دولار، فإن قدرتها على المناورة تراجعت. واضطرت السعودية إلى مهادنة إيران التي تنتج حوالي أربعة ملايين برميل، والعراق الذي ينتج حوالي 4.5 ملايين برميل يومياً. ولكن الأهم هو التنسيق مع روسيا من خارج “أوبك”.
ثالثاً: حيث أن النقل البري يشكل أكثر من نصف الطلب على المشتقات النفطية، فإن نجاح إنتاج السيارات الكهربائية، وتوسعه، سوف يطيحان تدريجياً الشق الأكبر من الطلب.
وحيث أن كثيراً من شركات تصنيع السيارات بدأت تزيد من إنتاجها السيارات الكهربائية، وفي ضوء زيادة الطلب عليها، وإعفاء مستوردات هذه السيارات من الرسوم الجمركية، فإن البنوك صارت جاهزة الآن لتمويل هذا الإنتاج مددا أطول، وبشروط أسهل وكذلك تمويل البحوث التي تؤدي إلى تحسين أداء هذه السيارات، وتمكينها من السفيرات فترات طويلة ببطارية كهربائية.
وسوف تقوم البنوك كذلك بتمويل الاستثمار في محطات الشحن الكهربائي للسيارات على الطرقات، ما يجعل الاعتمادية على هذا النوع من النقل أكبر.
وبالطبع، سوف يزيد التحول إلى الكهرباء بدلاً من البنزين أو المازوت الطلب على الكهرباء التي تستخدم حالياً على المستوى الدولي ما نسبته 2.5%، فإن زيادة الطلب عليها سوف تكون تلبيته من كهرباء مولدة، إما بالغاز أو بالطاقة البديلة والمتجددة.
رابعاً: سيشتد الخلاف بين شركات الكهرباء وشركات الاتصالات الإلكترونية على من يسيطر على الشبكات القومية، خصوصا داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وقد بدأت البنوك والمستثمرون يمولون شركات تسعى إلى توسيع آفاقها وقدراتها، أو لتمويل عمليات الدمج والاستيلاء من شركات توزيع الكهرباء على بعضها بعضا.
وتستثمر بعض دول الخليج في هذا الاتجاه، خصوصا المملكة العربية السعودية كجزء من تمويل برنامج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في تعزيز كفاءة البنى التحتية الأميركية ورفعها.
خامساً: في ظل التحولات الكبيرة في عرض الطاقة ومكوناته، والتغير في هيكل الطلب، فإن كثيراً من الدراسات والأفكار المستقبلية، وحل النزاعات الدولية، قد يتحول إلى دولةٍ أبدت درجة عالية من الحكمة في إنتاج مختلف أنواع الطاقة، وفي حسن إدارتها موارد الطاقة، وهي النرويج. ويعتقد أوستن أن النرويج سوف تصبح المركز الفكري والبحثي العالمي في هذه المجالات.
إذا صحت هذه التنبؤات، يبقى أمامنا السؤال الكبير: وماذا نحن صانعون، لكي نواجه احتمالات المستقبل، خصوصا وأن كل هذه التنبؤات سوف تحدث عام 2018، أي العام الذي نحن فيه.
إذا كنا سنعتمد على النفط الذي سيتحول الطلب المهم عليه إلى الصين والهند، فهل نحن مستعدون للنتائج السياسية والاقتصادية والاستثمارية الناشئة عن هذه الحالة؟
* د. جواد العناني خبير اقتصادي، وزير الصناعة نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني سابقا.