عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب/ الزيارة غيث عربي يصيب أرض فلسطين ويبشر بالمزيد، وهذه اليد العُمانية الممتدة إلى شعب عربي تحت الإحتلال هي يد عليا وهي فوق الأيدي الجاحدة والراجفة والمترددة والمبتزة التي تكاثرت في تزاحم التجنيد الأمريكي للمصالح العربية.
بن علوي يتحدث عن دور عُماني ليس جديداً ولا طارئاً فللسلطنة دائماً دور يستطيع المراقب إعراب جملته، ولها مبادرات وتوظيف لسياساتها الخارجية والإقليمية بصورة فُضلى، إذ أن فائض هذه السياسة ظل دائماً يستثمر لصالح القضايا العربية ولصالح الأمن والإستقرار ولم يكن يستثمر لتوسيع نفوذ أو هيمنة أو إبتزاز أو كدور وكيل لأي جهة، عُمان ذات السياسة الخارجية المعتدلة، ظل حيادها في كثير من القضايا إيجابياً، وظلت تنأى بالنفس حين كان كانت العرب تطعن بعضها أو تستهين بالدم العربي أو تستعدي عليه.
لم أعرف المقصود بقول بن علوي ان صداقته أو صداقة سلطنة عُمان بالرئيس عباس قديمة وقد أسعى الى معرفة طبيعة هذه العلاقة إن استطعت، لأدرك أن العلاقات الجيدة القديمة قد يبنى عليها بصورة أسرع وأكثر ثقة.
أعلم بشكل خاص أنه حين كانت السلطة الفلسطينية تواجه الجحود وقلة المساعدات أو توظيف لهذه المساعدات، كانت سلطنة عُمان تجود بما تستطيع رغم قلة الموارد العُمانية وعدم مقارنتها مع دول النفط والغاز والأرصدة الكبيرة، وأن عُمان في السنوات الصعبة الماضية وحين كان العدوان على غزة وبعد عام 2000 تحديداً خاصة عندما قامت إسرائيل بضرب البنية التحتية الفلسطينية في أبرز المدن الفلسطينية من خلال عدوانها المستمر، صانت سلطنة عُمان مستشفى المقاصد وأعادت الحيوية إليه وبنت مدارس وساعدت العديد من العائلات وظل خطها الداعم سالكاً باتجاه السلطنة، وظل السلطان قابوس يوجه حكومته باتجاه دعم وتمكين الشعب الفلسطيني في حدود الإستطاعة، كما ظلت عُمان منبراً سياسياً مسانداً وظلت توظف خبرتها السياسية وعلاقاتها الدولية وحكمة قيادتها باتجاه خدمة عملية السلام التي حرص الفلسطينيون أن تستمر وأن تؤتي ثمارها، ولقد لعب سفير عُمان السابق في المملكة الأردنية الهاشمية الشيخ مسلم بن بخيت البرعمي دوراً ملموساً في تعزيز العلاقات بين السلطة الفلسطينية والسلطنة.
بن علوي يشق طريقه باتجاه الأراضي المحتلة باتجاه رام الله، حيث قياة السلطة الفلسطينية، وقد أثمرت جهود أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب في التمهيد لهذه الزيارة وإنجاحها من خلال زيارته للسلطنة، وباتجاه أن تضع السلطنة كتفاً إلى جوار كتف السلطة الفلسطينية، وأن تشد على اليد الفلسطينية وأن تترجم مقولة الرئيس عباس في أن الأسير يزار ولم يتذرع بن علوي كبعض المتذرعين والمزايدين بعقدة الطهارة أو شبهة التطبيع أو تبرير الحرد العربي الذي يمارس أصحابه إستمرار وضع الرؤوس في الرمال.
الفتوى السياسية التي قال بها بن علوي تقوم من وعي وإدراك وبصيرة عُمانية من ضرورة إستلهام دروس التاريخ والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعمه سياسياً وإقتصادياً ومعنوياً ومشاركته ما أمكن في فهم المعاناة، وعدم القفز أمام القيادة الفلسطينية أو المزايدة عليها، فأهل فلسطين أدرى بشعابها والذي يريد أن يساعدهم عليه التأكيد على قرارهم ودعم قيادتهم وليس طرح البدائل لها أو التدخل في شؤونها بإسم البعد القومي العربي الذي لم يدرك منه من يرفعون شعاراته شيئاً، ولم يثبت أنهم عمدوه ولو بمواقف سياسية.
نعم قالها بن علوي باسم عُمان وباسم السلطان قابوس بن سعيد، ومن رام الله حيث الإحتلال والحصار والمعاناة، “نعم للدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية”، إذ لا حل بدون ذلك ولا إستقرار بدون ذلك، وأنه يجب العمل من أجل ذلك في المحافل الدولية والإقليمية.
أراد بن علوي أن يسمع بأذنيه وأن يرى بعينيه، وأن يدرك بوجدانه معاناة هذا الشعب الصامد المثابر وأن يرى كيف تحاصر القدس بالأسوار وتنتزع مساحاتها بالإستيطان والتهويد، ويزيف تاريخها بالأسرلة وقف بن علوي أمام أسوار العزل العنصري ليرى العنصرية الإسرائيلية في أشد صورها وضوحاً ويرى كيف تقسم العائلة الفلسطينية الواحدة في القرية الواحدة خلف هذه الأسوار وأمامها، وكيف يعجز الكثير من طلاب المدارس الوصول إلى مدارسهم وكثير من الأحيان من خلال فتحات في الأسوار أو الإلتفاف في طرق بعيدة ووعرة ومعقدة يستغرق المشي فيها ساعة وساعتين بدل عدة دقائق لو لم تكن الأسوار قائمة.
رأى بن علوي المعاناة ورأى إصرار الشعب الفلسطيني على إستكمال طريقه باتجاه الحرية من خلال بناء الإنسان الفلسطيني المتعلم والواعي ومن خلال بناء المؤسسات التي زار بعضها ورأى بعضها كيف تعمل بكفاءة وسلاسة وكيف يحمي الشعب الفلسطيني نفسه بقواته الأمنية وحرصه على عدم إعطاء إسرائيل أي مبررات إضافية أو ذرائع لانتزاعه من أرضه وتبديده، ولأن الكلام ليس كالمشاهدة فقد أدرك وزير الدولة للشؤون الخارجية العُماني معنى الصمود الفلسطيني والإصرار على التشبث بالأرض والبقاء فوقها، كما أدرك حاجة الشعب الفلسطيني للمؤازرة والمعاضدة وأن تنفتح عليه أمته وأن تزوره، فالزيارة ليست تطبيعياً مهما تذرع “الحردانون” والذرائعيون، والذين جعلوا مقت الله عليهم شديداً لأنهم يقولون ما لا يفعلون ويجاهرون بما لا يبطنون ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويخذلون القدس وأهلها، بل ويخدمون أعداء القدس أحياناً حينما يستهدفون قيادة الشعب الفلسطيني بالتآمر ومحاولة الإستبدال وإستغراس قيادات جديدة في تربة هجينة لن تصل بهم إلى ثمرّ!!
ولأنه خبير في سياسات بلاده وفي المنطقة والأقليم، فإنه أجاب للقيادة الفلسطينية على كثر من الأسئلة المتعلقة بالمنطقة والأقليم وكيف يمكن فتح بعض النوافذ وإغلاق أخرى، وكيف يمكن إضافة جهد أصدقاء عُمان إلى الرصيد المؤيد للشعب الفلسطيني بشكل عملي بإصطفاف هذا الفائض الإيجابي إلى جانب القيادة الفلسطينية وليس أمامها.
زيارة بن علوي مهمة، وهو أول من قيّمها، وما زال المراقبون ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية ترقبها وتقيمها وترى فيها خطوة جديدة إضافية ودعماً ملموساً للشعب الفلسطيني وقيادته، ولعل حفل العشاء الذي يقيمه الرئيس عباس لضيفه المهم في رام الله يحمل من الدلالات ما يمكن تفسيره لاحقاً، فقد خبرت السياسة العُمانية بناء الجسور وصيانتها والقدرة على الوصل بين من تعتقد أن وصلهم سيكون مفيداً لها وللإستقرا والسلام العالمي والدولي، ولا نريد ها أن نورد الجهود العُمانية المتنوعة والمثمرة في هذا السياق إذ أنجزت السلطنة الكثير من المبادرات في المصالحة وتصفية الخلافات وفي تقريب وجهات النظر بين العديد من دول الاقليم والمنطقة، ومع الولايات المتحدة، وكذلك مع إيران، ومع الدول العربية نفسها، وفي الصراع الخليجي-الخليجي المحتدم، والذي لسطلنة عُمان موقفاً مختلفاً منه وكذلك في المبادرات العديدة لوقف الحرب على اليمن وفي اليمن.
إستمع بن علوي من قيادات مركزية في فتح والسلطة ومن قيادات مستقلة عن رؤية الشعب الفلسطيني لحل الدولتين وللسلام وللتعاون العربي والدولي وإلى تقيم العلاقات، واستفاد مضيفو الوزير بن علوي من رؤيته وأفكاره والتعليقات والحواشي التي قدمها وخاصة المتعلقة بالآليات التي يجب إستعمالها والمداخل الأساسية التي يجب النفاذ منها وتغليب الممكن على غير الممكن واعتماد النهج الهادئ والتوافق الدولي على بعض القضايا، لجعلها أكثر مرونة أو تداولاً وأقل عقبات مما هي عليه، وهو يعتقد كما قال لي في جلسة خاصة أن المواقف الأمريكية المتسرعة والمعلنة ليست قرآناً وأنها قابلة للحركة والزحزحة إذا كان هناك من يعمل على ذلك بمثابرة ووعي.
إن الصوت العُماني الذي جهر به بن علوي باسم سلطنة عُمان وقيادتها واضح وواثق، حين دعى العرب إلى زيارة فلسطين وتقديم العون لها، وحين شكل في الزيارة نموذجاً عربياً يجب أن يحتذى به.
تأكيد سلطنة عُمان على موقفها المعلن في إجتماعات رام الله مع القيادة الفلسطينية يشكل نموذجاً عربياً جديداً يستلهم معطيات الواقع ويتعامل معها ويفتح المجال لتحرك عربي فاعل بالمعايير العُمانية عشية البدء في التحضير للقمة العربية في الرياض، والتي ستعقد في نهاية شهر مارس/ آذار من هذا العام 2018، إذ من الممكن لهذه القمة أن تعيد تأكيد المبادرة العربية للسلام والتي بدأت كفكرة سعودية قبل أن يتبناها العرب في قمة بيروت عام 2002، لتصبح مبادرة عربية ثم دولية بمباركة دول عديدة في العالم لها.
بن علوي الذي اقتصرت زيارته فقط إلى مناطق السلطة الفلسطينية وإلى القيادة الفلسطينية يعود محملاً بالأمل أن هذا الشعب الصامد وسط الحصار والأسوار سوف ينتصر لأن إرادته قوية ولأنه يطلب السلام وحقوقه المشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية، والتي على دول العالم كافة أن تؤكدها وأن تساند الشعب الفلسطيني في تأكيدها كما تفعل سلطنة عُمان الآن، وكما الحال الذي تؤكده زيارة الوزير يوسف بن علوي الهامة.