عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب: كنت اتمنى ان لا تصل الأمة إلى مرحلة استعمال العكاز حين قال يوسف بن علوي واصفاً مصر “أنها عكاز الأمة العربية” ولكن العكاز هنا هو السند وهو الذي يحفظ الوقوف والقدرة على المشي حين يكون الجسم متعباً أو مريضاً، أو غير قادر على الخطو بدونه ..
ولكنه على كل حال تعبير جميل يؤكد أن مصر سنداً للأمة وجداراً تستند إليه وهو يراها كذلك، فقد ظلت عُمان في سياستها العربية والخارجية تعظم الإيجابيات وتتغاضى عن السلبيات وتحفظ الإمكانيات وتنميها وظلت تسخر فائض وعيها ورؤيتها التوافقية من أجل الأمة وفي سبيل الخروج من العثرات والوهن .. وهذا ليس جديداً في السياسة الخارجية العُمانية أو على السياسة الخارجية العُمانية، فقد تحركت سلطنة عُمان ومعها الأردن ومن خلال قيادتين تاريخيتين هما قيادة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان وقيادة الراحل الملك الحسين حين إلتقت الشخصيتان قبل حوالي أربعين عاماً في العقبة في الأردن ليتوجها بعد إعلان موقفهما أنهما إلى جانب إخراج مصر من عزلتها العربية التي سببتها تعاقدات مصر في معاهدة كامب ديفيد ..
كانت البصيرة العُمانية ترى أبعد مما يراه البصر وأعمق مما استعجل الآخرون من العرب على إظهاره في قمة بغداد لعزل مصر وسواها من جهد لاحق قسم العرب إلى عربين، قسم إلى جانب مصر تمثل في جرأة السلطنة والأردن وقسم ضد الموقف المصري تمثل في دول عربية أخرى ..
الرئيس المصري الآن في سلطنة عُمان وقد حطت الزيارة على مسجد السلطان قابوس لإعطاء بُعد إسلامي معماري نهضوي للزيارة وتأكيد إهتمام السلطنة بقيم الاعتدال والتوازن وبالقيم الفنية التي تعنونها دار الاوبرا السلطانية، هذا الإنجاز الإبداعي المميز الذي ظل السلطان حريصاً عليه لعكس الوجه العُماني الإنساني الضارب الجذور.
مصر التي لن تستطيع المحاور المشكّلة والضيقة في المنطقة احتوائها، رأت أن الموقف العُماني الذي يمتد خارج القوسين المغلقين في (الإستغلاق العربي لصالح القوى الدولية)، هو موقف إيجابي عبّرت فيه السلطنة عن عدم ركونها لسياسات الغرب أو الشرق وأنها تحتفظ بسياسات متوازنة تنبع من مصالحها وتاريخها وما تريد لمستقبلها، وهذا ما استهوى مصر التي ما زالت المحاولات عاجزة عن إحتوائها.
وفي هذا السياق ستلعب السياسة العُمانية وفي العلن نفس الدور الإيجابي الذي ظلت تنتجه باستمرار وهو فتح النوافذ ما إستطاعت لكل الأطراف العربية والإقليمية لتطل على بعضها وتتبادل الحوار، وتبني بعيداً عن التوترات التي أصبحت سمة بارزة في المنطقة ..
من قبل كان لسلطنة عُمان تجارب مقدرة عالمياً فيها ما جرى من جهد للسلطنة في اتصالات أمريكية – إيرانية، وخليجية – خليجية، ومن أجل المشكلة اليمنية .. ومن أجل إنقاذ محتجزين أو موقوفين في أكثر من موقع في الإقليم.
عُمان تسند الرغبة المصرية في الخروج من بين قوسي التنصيص، حيث رغبت مصر دائماً أن تكون خارج الإحتواء والسلطنة التي لم تتوقف عن إعراب الجملة الخليجية، ظلت ترى أن الجمل المعترضة أو الممنوعة من الإعراب تحت زعم عدم القدرة، كل ذلك يعيق العمل العربي ويزرع فيه السوس الذي ينخر في القدرات .. ولعل مواظبة السلطنة على إعراب الجملة العربية داخل مجلس التعاون وخارجه قد جرّ عليها حالتين، الرضى والإنصاف من الأطراف المتطلعة للإستقرار والتعاون بين الدول .. والغضب أو التوتر حتى وإن لم يطفو على السطح من جانب الدول أو القوى التي ما زالت تؤمن بالتبعية أو إرضاء الآخر، أو وضع البيض كله في سلة واحدة، أو الإعتماد على الآخرين وليس على النفس..
نهج السياسة الخارجية العُمانية الذي هندسه السلطان قابوس منذ تولى سلطاته عام 1970 وحتى اليوم، ظل نهجاً مقروءاً وأصبح مرجعية لأولئك الذين يريدون الإستفادة ..
ما زالت سلطنة عُمان بعيدة عن التطرف ومقاومة له وما زالت ترى فيه مرضاً ليس على مستوى النظام السياسي، وإنما على مستوى الشارع العُماني الذي تكمن فيه طاقات الإعتدال الملموسة المؤسسة من الوعي والثقافة والتراث الديني والفكري والإجتماعي ..
وترى عُمان أن سياسة التراكم أنجح من سياسة حرق المراحل وأن ما قدمته مصر وما تقدمه للقضايا العربية وخاصة للقضية الفلسطينية مقدر ومحمول على الثناء بإسم الأمة كلها .. وأن الفهم المصري والعُماني متقاربان ويلتقيان على دعم الإستقرار وتحقيق السلام في المنطقة والعالم ..
وترى السلطنة في رصيد مصر في القضية الفلسطينية ما يدعو إلى الرضى والتقدير، والسلطنة مسرورة على حد تعبير وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي باللقاء التاريخي بين الزعيمين قابوس والسيسي، ويراهن الوزير العُماني على إتساع حجم التعاون المشترك بين البلدين لتجسير ما في الواقع العربي من ثغرات، ومحاولة بناء جسور موصلة له .. فالعلاقات العُمانية المصرية يمكن تسخيرها لرأب صدوع عربية عديدة تؤثر على البلدين وعلى الأمة، وهي صدوع النزيف العربي في أكثر من ساحة ودولة ومنطقة .. وهذا ما دعا الوزير العُماني إلى ضرورة البحث عن منصة جديدة للتعامل مع بقايا المشكلات القائمة في المنطقة.
التوزين العماني للثقل المصري، يرى فيه العُمانيون قدرة كبيرة في إعادة بناء التضامن العربي ويرون أيضاً إمكانية بعث علاقات عربية دولية جديدة على أسس مقروءة من المصالح والتفاهمات الجديدة لقضايا أصبحت متغيرة أو أصابها الكثير من المتغيرات، ولذا أصبحت الأطراف العربية بحاجة إلى تجديد نظرتها وقدراتها في مسار التضامن والمصالح المشتركة مع العالم وهو ما أدركته عُمان منذ فترة طويلة، ومنذ حذرت من سياسات الإنغلاق وسياسات الصراع الخليجي – الخليجي بدل الحوار، وأيضاً ترك الموقد العُماني يشتعل لمزيد من الحرائق، خاصة وأن هذه الحرائق تصيب اليمنيين ودول جوار اليمن وأيضاً الملاحة الدولية ومصالح العالم، كما تصيب الوجدان الإنساني الذي يتألم من أجل أطفال اليمن ..
إن تحريك مصر وثقلها لتبريد الصراع العربي – العربي في اليمن كفيل أن ينتج شيئاً إيجابياً خاصة وأن مثل هذا الثقل المصري كان قد أنتج من قبل في حرب تحرير الكويت وفي سياقات عديدة أخرى ظلت مصر تلعب فيها دور القادر، وهنا تأتي الحاجة أكثر لدعم الرؤية العُمانية البصيرة في ضرورة إطفاء حريق اليمن بسرعة أكثر خاصة لما لمصر من دور وتجربة وتحالفات وإطلالة على الموضوع اليمني الذي يهم السلطنة والتي عملت وما زالت تعمل من أجل وقف الحرب وإنقاذ الشعب اليمني المجاور والمتداخل في الجغرافيا والتاريخ العُماني ..
إن إستلهام الدور المصري وإستعادة الحالة التاريخية لهذا الدور في اليمن والقضايا العربية يشكل إضافة ورافعة يمكن البناء عليها .. فالعلاقات المصرية – الخليجية قوية ومنفتحة وخاصة على المملكة العربية السعودية، وأطراف أخرى ومصر ليست متورطة بما يمنعها من أن تلعب إلى جانب عُمان دور الوسيط النزيه ..
لمصر موقف من سوريا وهو الموقف الذي ترتضيه السلطنة وتجده متوازناً وحريصاً، ولذا أرادت أن ينسحب هذا الموقف المصري على اليمن وقضايا عربية أخرى، فمصر هنا هي “عكازة الأمة” التي تستند إليها في مشوارها وهي تنهض أو وهي تشارك أو وهي تريد اللحاق بالركب الدولي ..
السلطنة متفائلة في أن الدور الذي يمكن أن يقوم وتبدأه مصر يمكن أن يصل وأن ما دُمّر يمكن إعادة بنائه، وعلى كل الأطراف أن تتوقف عن الهدم لتكون اللحظة مناسبة للعودة للشروع في البناء مجدداً ..
المنطقة بحاجة إلى الصبر والحكمة كما ترى سلطنة عُمان وهذا الصبر وتلك الحكمة يجب تحريكهما وإستعمالهما الآن، فما حدث في عالمنا العربي لم يسبق أن حدث مثله بهذا الإتساع والعمق والفجيعة وبالتالي لا بد من التركيز على المستقبل الذي تراه عُمان يبدأ بالحوار وخفض الصراعات ووقفها ومراعاة مصالح شعوب المنطقة وشراكتها ..
وإذا كنا على أبواب إنعقاد القمة العربية في المملكة العربية السعودية وما يمثله المكان فإن الجهد لا بد أن يتزايد الآن ومن جانب مصر وسلطنة عُمان وأطراف عربية أخرى، ترى نفس الرؤية في كبح جماح الإندفاع والصراع والإقتتال وسياسات المحاور وأن يجري مساعدة المملكة العربية السعودية بتبصيرها بمخاطر استمرار الإنقسامات والصراعات وإستنزاف الطاقات والأموال في معارك لن تحسم عسكرياً .. وأن تكون القمة القادمة في المملكة العربية السعودية فرصة مواتية لبناء تضامن عربي بمواصفات جديدة وفهم ووعي جديد يتناسب على التجسير مع دول العالم ومراعاة مصالح شعوب منطقتنا ..
إن ثقل مصر إذا ما جرى تحريكه بشكل جيد من خلال القمة القادمة كفيل بأن يخدم قضية القدس بشكل مختلف لما هو متوفر الآن، حيث ترى اطراف عربية أن هذه القضية قد لا تكون مُلحة وأنه يمكن تبريدها وهذا خطأ قاتل تقع فيه هذه الأطراف التي لا تقرأ بنفس الطريقة العُمانية أو المصرية لأن السلام يبدأ من القدس وينتهي بها أو فيها ..
وأن الحقوق العربية في القدس باقية لا يحق لأحد التصرف فيها، ولعل التصدي للقرار الأمريكي يتم عن طريق تأكيد كثير من الثوابت وقرارات الشرعية الدولية التي لا يجوز أن تتوقف عند مواقف أحادية من جانب الولايات المتحدة ورئيس إدارتها ..
التعليل العُماني لإستمرار ظاهرة العنف والتطرف التي يرى الوزير بن علوي أنها تنحسر، هو تعليل صائب لا يهرب صاحبه إلى الأمام بل يتوقف ليضع الإصبع على الجرح حين يتحدث عن أسباب حقيقية تدفع باتجاه التطرف ويسميها ويدعو إلى توفير الوسائل للتصدي لها وإبطالها، ولدينا التجربة العُمانية في ذلك التي عمدت إلى إحتواء هموم الشباب وإعادة بنائها في إطلاق الطاقات بصورة إيجابية وفي الرد على الأسئلة وهذه المعالجات الصائبة كنت إستمعت إليها مبكراً قبل أكثر من خمس سنوات في بدايات الربيع العربي حيث أخذت سلطنة عُمان وبتوجيه من السلطان منحى آخر في معالجة ظواهر وأعراض الربيع العربي ودون اللجوء إلى العنف وأشكاله المفرطة التي استعملت في عواصم عربية وكان لها مضاعفاتها ..
الزيارة المصرية للسلطنة سيكون لها ما بعدها من نتائج وتحركات ومبادرات ووضع أسس وسيكون لها ثمارها على الصعيد الثنائي وأيضاً على صعيد ما ستزرعه من مواقف مشتركة وأفكار جرى معاينتها من أجل القمة القادمة في المملكة العربية السعودية ..
ما أنجزته سلطنة عُمان في هذه الخطوة يستلزم أن تنجزه أيضاً أطراف عربية أخرى لتكون القمة القادمة فرصة لردم فجوات الخلافات وليس زيادتها كما ظل يحدث ..