عروبة الإخباري – تحتفي دولة الكويت غدا الاثنين بالذكرى الـ 12 لتولي حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، مقاليد الحكم مواصلا سموه حمل الأمانة والنهوض بهذه البلاد الطيبة وشعبها الكريم.
ففي 29 يناير 2006 أدى سمو الشيخ صباح الأحمد في مجلس الأمة اليمين الدستورية أميرا لدولة الكويت والحاكم الـ 15 لها إيذانا ببدء مسيرة جديدة من العمل والعطاء وسط تأييد شعبي ورسمي كبير وإجماع السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وفي كلمته عقب أداء اليمين الدستورية وعد سمو الأمير الشعب الكويتي بحمل الأمانة وتولي المسؤولية والتأكيد على العمل من أجل الكويت وشعبها، داعيا سموه الجميع إلى العمل من أجل جعل الكويت دولة عصرية حديثة مزودة بالعلم والمعرفة يسودها التعاون والإخاء والمحبة ويتمتع أهلها بالمساواة في الحقوق والواجبات مع التشديد على المحافظة على الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير.
وناشد سموه المواطنين أن يضعوا مصلحة الوطن قبل مصلحتهم وأن يتجاهلوا منافعهم الذاتية في سبيل منفعة الجميع وأن يحترموا القانون والنظام ويحرصوا على مصلحة الوطن وممتلكاته وانجازاته.
وبرز في تلك الكلمة ما قاله سموه إن «الكويت هي التاج الذي على رؤوسنا وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا».
تاريخ حافل
وتزخر سيرة سمو الأمير بتاريخ حافل من العمل السياسي على مدى عقود انطلاقا من أنه النجل الرابع للشيخ الراحل أحمد الجابر الصباح، الذي توسم لديه الفطنة والذكاء في سن مبكرة فأدخله المدرسة المباركية قبل أن يوفده إلى بعض الدول، لاسيما الأجنبية منها للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية.
وشكل عام 1954 بداية دخول سمو الشيخ صباح الأحمد العمل في الشأن العام حين تم تعيينه عضوا في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها آنذاك مهمة تنظيم مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية.
وبعد مرور عام واحد تولى سمو الشيخ صباح الأحمد منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وعمل على تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وخصوصا في ظل التدفق الخارجي من الدول العربية والأجنبية للعمل في الكويت، علاوة على استحداث مراكز التدريب الفني والمهني للشباب ورعاية الطفولة والأمومة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وتشجيع قيام الجمعيات النسائية والاهتمام بالرياضة وإنشاء الأندية الرياضية.
وأولى سموه اهتماما بالفنون وعلى رأسها المسرح، إذ أنشأ أول مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت عام 1956 وفي عام 1957 أضيفت الى مهامه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر إذ عمل على إصدار الجريدة الرسمية للكويت (الكويت اليوم)، وتم إنشاء مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات ووقتها تم إصدار مجلة (العربي).
الجهود الهادفة
وحرص سمو الشيخ صباح الأحمد على دعم الجهود الهادفة لإحياء التراث العربي، من خلال إعادة نشر الكتب والمخطوطات القديمة وتشكيل لجنة خاصة لمشروع (كتابة تاريخ الكويت) وإصدار قانون المطبوعات والنشر الذي كان له دور مميز في تحقيق الصحافة الكويتية مكانا مرموقا بين مثيلاتها في الدول العربية لما تتصف به من حرية واتزان.
وعقب استقلال دولة الكويت عام 1961 عين سمو الشيخ صباح الأحمد عضوا في المجلس التأسيسي الذي عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد ثم عين في أول تشكيل وزاري عام 1962 وزيرا للارشاد والأنباء.
وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة في يناير 1963، تم تعيين سمو الشيخ صباح الأحمد وزيرا للخارجية لتبدأ مسيرته مع العمل السياسي الخارجي والدبلوماسية التي برع فيها ليستحق عن جدارة لقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين في العالم بعد أن قضى 40 عاما على رأس تلك الوزارة المهمة ربانا لسفينتها في أصعب الظروف والمواقف السياسية التي مرت على دولة الكويت.
ولعل من أبرز المواقف التي مرت على الخارجية الكويتية أثناء قيادة سمو الشيخ صباح الأحمد لها حين رفع سموه علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبولها عضوا فيه في 11 مايو 1963.
وعلى صعيد جهود سموه الدبلوماسية في السنوات الأولى للاستقلال، شارك سموه في اللقاء الذي نظمته الأحزاب المتنافسة في اليمن مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الأهلية هناك والتي استأنفت اجتماعاتها في الكويت في أغسطس 1966، وعندما تدهورت العلاقة بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي وبدأت الصدامات بينهما على الحدود المشتركة قام سموه بزيارة الى الدولتين في أكتوبر 1972 أثمرت توقيع اتفاقية سلام بينهما.
كما قام سمو الشيخ صباح الأحمد في عام 1980 بوساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية، نتج عنها توقيع اتفاقية خاصة بإعلان المبادئ ومن ثم وجه سموه الدعوة لوزيري خارجية الدولتين لزيارة الكويت عام 1984 إذ اجتمع الطرفان على مائدة الحوار وتوصلا الى الإعلان عن انتهاء الحرب الإعلامية بينهما واحترام حسن الجوار وإقامة علاقات دبلوماسية.
السياسة الخارجية
وعلى مدى أربعة عقود تمكن سمو الشيخ صباح الأحمد من قيادة السياسة الخارجية الكويتية إلى بر الأمان، من خلال انتهاجه مبدأ التوازن في التعامل مع القضايا السياسية بأنواعها فاستطاع بعبقريته السياسية أن يتخطى بالكويت مراحل حرجة في تاريخها ومن أبرز تلك المراحل الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988 وما نتج عنها من تداعيات أثرت على أمن الكويت واستقرارها داخليا وخارجيا.
وبذل سموه طوال سنوات قيادته لوزارة الخارجية جهدا كبيرا في تعزيز وتنمية علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم وخصوصا الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وشهدت البلاد نتيجة ذلك استقرارا في سياستها الخارجية وثباتا اتضحت ثماره في الثاني من أغسطس عام 1990 عندما وقف العالم أجمع مناصرا للحق الكويتي في وجه العدوان العراقي، والذي أثمر صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت.
وشكل احتضان دولة الكويت اليوم لعشرات الممثليات الدبلوماسية على أراضيها من سفارات وقنصليات ومراكز لمنظمات دولية وإقليمية، دليلا ناصعا على نجاح سياسة سمو الشيخ صباح الأحمد وحنكته الدبلوماسية وحسن قيادته للسياسة الخارجية الكويتية.
ونظرا إلى ما يتمتع به سموه من فطنة وذكاء وقدرة فائقة على تحمل المسؤولية، فقد أسندت إلى سموه العديد من المناصب إضافة إلى منصب وزير الخارجية إذ عين وزيرا للاعلام بالوكالة في الفترة من 2 فبراير 1971 حتى 3 فبراير 1975 وفي 16 فبراير 1978 عين نائبا لرئيس مجلس الوزراء وفي 4 مارس 1981 تسلم حقيبة الإعلام بالوكالة إضافة إلى وزارة الخارجية وذلك حتى 9 فبراير 1982.
وفي 3 مارس 1985 عين نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية حتى 18 أكتوبر 1992، عندما تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية وفي 14 فبراير 2001 أسندت إلى سموه مهمة تشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه، بسبب ظروفه الصحية وفي 13 يوليو 2003 صدر مرسوم أميري بتعيين سمو الشيخ صباح الأحمد رئيسا لمجلس الوزراء.
رؤية شاملة
ولم تتوقف مسيرة نجاحات سمو الشيخ صباح الأحمد عند محطة السياسة الخارجية فقط، وإنما استمر هذا العطاء والنجاح عند توليه قيادة دفة السياسة الداخلية للبلاد فقد حرص منذ اللحظات الأولى لتوليه منصب رئاسة الوزراء على تبني رؤية شاملة وعميقة للتنمية في الكويت تشمل مختلف قطاعات الدولة وعلى رأسها القطاع الاقتصادي، فقام سموه بتشجيع القطاع الخاص وفتح فرص العمل الحر أمام الشباب الذين يضعهم سموه في مقدمة اهتماماته ورعايته من خلال دعم المشروعات الصغيرة.
وتعزيزا لاهتمامه بتنمية القطاع الاقتصادي في الدولة قام سموه عام 2004 بجولة آسيوية على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى شملت الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وتمكن من عقد 10 اتفاقيات وبروتوكولات ومشاريع اقتصادية ضخمة مع هذه الدول. واستمر سمو الشيخ صباح الأحمد في رئاسة الحكومة الكويتية حتى يناير عام 2006 عندما اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارا بالإجماع بتزكية سموه أميرا للبلاد وفقا للمادة 3 من قانون توارث الإمارة الصادر عام 1964.
نهضة تنموية
وعلى مدى 12 عاما من تولي سمو الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم شهدت البلاد نهضة تنموية شاملة مرتكزة على مجموعة من المشاريع الضخمة، من أبرزها مدينة «صباح الأحمد البحرية» التي تعد أول مدينة ينفذها القطاع الخاص كاملا ما يدل على تشجيع سموه على إعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في المساهمة في تنمية الكويت وتنشيط عجلة الاقتصاد.
وقامت الحكومة الكويتية تحت قيادة سموه ووفقا لتوجيهاته السامية بالعديد من المشاريع العملاقة، التي ترتبط بمختلف القطاعات الخدمية في البلاد كمشروع «مستشفى جابر» و«ميناء مبارك» و«جسر جابر» الذي يربط بين الصبية ومدينة الكويت.
كما تم تطوير العديد من الطرق الرئيسية وإنشاء شبكة من الجسور ومشروع «مصفاة الزور» و«مبنى المطار الجديد» و«استاد جابر» الرياضي، إضافة إلى تنفيذ المدن الإسكانية الجديدة ومن أبرزها «مدينة المطلاع» السكنية العملاقة.
واستنادا إلى تصور سموه لرؤية البلاد مركزا ماليا وتجاريا جاذبا للاستثمار، أعلنت الحكومة الكويتية في يناير 2017 عن الخطة التنموية الواعدة «كويت جديدة 2035» التي تستند على مجموعة من الركائز والمشاريع الضخمة.
حرص كبير
وأبدى سمو الأمير حرصا كبيرا على بناء المجتمع الكويتي من الداخل والحفاظ على وحدته وتماسكه في ظل الأخطار والتقلبات التي تعصف بالمنطقة من حين لآخر، وكان التفجير الإرهابي الذي تعرض له مسجد الإمام الصادق في 26 يونيو 2015 أكبر دليل على تلاحم القيادة والشعب في الكويت في مشهد مهيب وقف له العالم إكبارا وتقديرا.
فبعد فترة قصيرة من وقوع حادث التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة 26 شهيدا وعشرات الجرحى سارع صاحب السمو أمير البلاد إلى الحضور شخصيا لموقع الحادث غير عابئ بالأخطار التي قد تحيط به أو تهدد سلامته، ليطلق جملته الإنسانية الشهيرة «هذولا عيالي».
وفي مراسم العزاء التي تقدمها سمو أمير البلاد وحضرتها جموع الشعب الكويتي قاطبة قال سموه في كلمة له:«إن هذه الأزمة أبرزت بجلاء حقيقة الشعب الكويتي وأصالة معدنه وتكاتفه في السراء والضراء أسرة كويتية واحدة تسودها المحبة والألفة ويجمعها حب الوطن والولاء له والالتفاف حول قيادته في مواجهة العنف والفكر التكفيري المتطرف».
مركز مرموق
وعند الحديث عن جهود سموه على الصعيد الخارجي فقد تبوأت الكويت نتيجة لسياسات سمو أمير البلاد ورؤيته الحكيمة القائمة على تولي زمام المبادرات في العمل الخيري الإنساني مركزا مرموقا بين دول العالم خلال السنوات الماضية، استحقت تكريم الأمم المتحدة لسمو أمير البلاد بتسمية سموه «قائدا للعمل الإنساني» ودولة الكويت «مركزا للعمل الإنساني».
وغيض من فيض جهود سموه وعمله الدؤوب نستذكر في هذا المقام ما شهده عام 2017 من نشاط دبلوماسي مشهود لسمو الأمير، حين برز حرص سموه الشديد على وحدة الصف الخليجي والمحافظة على البيت الخليجي إذ قام سموه بجولة بين الدول الخليجية الشقيقة وأجرى مباحثات مع قادتها لهذا الغرض.
وقوبلت الوساطة الكويتية بقيادة سمو أمير البلاد لرأب الصدع الخليجي بدعم واسع على شتى المستويات وحتى عالميا ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وانطلاقا من حرص سموه وفي سياق مواز استضافت دولة الكويت القمة الخليجية الـ38 في شهر ديسمبر الماضي، كما استضافت بطولة كأس الخليج الـ 23 لكرة القدم أيضا.
وشهد العام الماضي كذلك إعلان سمو الأمير استعداد دولة الكويت لاستضافة مؤتمر لإعادة إعمار مناطق العراق المحررة من سيطرة ما يسمى بتنظيم «داعش» والمقرر أن تستضيفه البلاد في شهر فبراير المقبل.