عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب- يؤكد الرئيس عباس أمام قيادته في المجلس المركزي وأمام أطراف فلسطينية شريكة عديدة “نحن قادرون أن نقود أمورنا بأنفسنا ونحن لدينا غلطة بقصة إجتياح صدام للكويت” .. ومثل هذا أو قريب منه قاله الرئيس عباس عن أحداث عام 1970 في الأردن وعن قرار فك الإرتباط ولديه الشجاعة على النقد الذاتي من موقع المسؤول وهذا ما تفتقر إليه القيادات العربية التي لم تمارس النقد حتى في القضايا المصيرية والكبرى .. منذ اعتبرت الهزيمة المرة عام 1967 نكسة ومنذ اعتبرت بقاء النظام الثوري في سوريا عام الهزيمة 1967 أهم من ضياع أجزاء من الوطن في الجولان .. ومنذ حُمل عبدالناصر على الأكتاف بعد هزيمة عام 1967 .. لقد إنعدم النقد وتراكمت الأخطاء .. ودفعنا الثمن وما زلنا نعيش التراجع والتسويغ ..
ويقف الرئيس أبو مازن في خطابه على محطة أوسلو .. ليقول “إن إسرائيل أنهت أوسلو” ولذلك من القرارات التي دعى لها المجلس المركزي للتوقف .. ودعاهم بالقول “أين نذهب؟” ذاكراً أن من فوائد أوسلو أن إسرائيل التي كانت تنكر وجود الشعب الفلسطيني أعترفت بوجوده وحصل الإعتراف المتبادل .. ولكن الرئيس لا يغفل ما الذي حدث بعد ذلك وكيف صادرت إسرائيل أوسلو وانقلبت عليه وقتلته حتى غدت السلطة التي إنبثقت من أوسلو سلطة وبدون سلطة وتحت احتلال بلا كلفة” .. مستخلصاً نتيجة أن الشعب الفلسطيني لن يقبل ذلك ولن يبقى على ذلك ..
ومع كل الذي حدث ما زال الرئيس أبو مازن يقول لأصحابه وحواريه من القيادة أن الموقف من حل الدولتين لا تراجع عنه وأنه يتمسك به على أساس الشرعية الدولية وليس على أساس رؤية أحد .. بعد أن أراد كل منهم أن يقصص رؤياه على الشعب الفلسطيني وأن يقدم روايته التي لا تتناسب مع حقوق هذا الشعب ولذا رد أبو مازن رؤاهم لهم وطلبهم أن يحتفظوا بها بعيداً .. وقدم فهمه للتسوية في دولة فلسطينية في حدود عام 1967 وتبادل طفيف بالقيمة والمثل والعاصمة القدس الشرقية ووقف الإستيطان بما يشمل كل الضفة بما فيها القدس وعدم القيام بكل الإجراءات الأحادية من الطرفين .. هذه رؤية أبو مازن، أما الأوهام الأخرى فلن يقبلها الفلسطينيون وخاصة الدولة المؤقتة أو المزايدة المطلقة التي لا تراعي حقوق الفلسطينيين ولا تحقن دماءهم ..
وأثنى الرئيس في حديثه على بعض أعضاء قيادته من مواقع مختلفة ومهام متباينة ممن لهم علاقة باللحظة الراهنة.. أمثال القائد رياض منصور في الأمم المتحدة ووزير الخارجية رياض المالكي في معركته في اليونسكو .. والقائد جبريل الرجوب ودوره في وضع فلسطين مجدداً على خريطة الرياضة العالمية بعد أن اقتلعت منها وغابت لسبعين سنة ومنذ آخر مباراة دولية في الثلاثينات ..
وأعلن أبو مازن أنه مع المقاومة الشعبية السلمية وهو يؤمن بها إيماناً مطلقاً عقائدياً لا تكتيكياً وإستراتيجي لا يتغير .. ويرى أنه المناسب لحالة الشعب الفلسطيني ويربطها بمقاومة غاندي والمقاومة ضد نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب أفريقيا وهي أقوى وأكثر تأثيراً من غيرها من الأشكال الأخرى التي لا تتناسب الآن مع حال الشعب الفلسطيني ومحيطه وتحالفاته وحجم القوى المعادية أو المتورطة في معاداته ويرى أن الهجوم القوي الذي تقوم به القيادة الفلسطينية بأتجاه المحافل الدولية ومنظمات الأمم المتحدة العديدة التي إنتسب الفلسطينيون لأكثرها وما زالوا ينتسبون .. هذا الهجوم يزعج إسرائيل أكثر من حالة إستعمال السلاح التي ما زالت إسرائيل توظفها لإظهار الشعب الفلسطيني في حالة يجري وصمه فيها بالإرهاب وتستطيع من خلال ذلك الإستعداء عليه ومصادرة حقوقه بل وإقتلاعه من وطنه وتبريره خارجه وأشكال أخرى رأينا نموذجها في غزة ..
وموقف أبو مازن من إستعمال السلاح ليس جديداً فهو منذ ذلك قبل أن يكون رئيساً للسلطة وبعد ذلك وحتى اليوم وبديله وعّى الفلسطينيين للأخذ بهذا البديل وهو المقاومة الشعبية السلمية والتوسع فيه وإجتراع أساليب عديدة منبثقة منه ويرى الرئيس عباس أن الفلسطينيين ضحايا العدوان والحروب والمؤتمرات والتدخلات .. ولذا فإنهم حريصون على ثقافة السلام ويفهمون معناها ويدعون للأخذ بها وهم مع الحرب على الإرهاب أياً كان شكله ومكانه .. إبتداءاً من إرهاب الدولة الإسرائيلية ضدهم وإنتهاءاً بأشكال أخرى من إرهاب الإسلام السياسي والمنبثق عن التطرف وعدم قبول الآخر وضرب المدنيين كما يحدث في الغرب .. ولذا ظل الفلسطينيون بعيدين عن الإنخراط والإرهاب كالذي تمثله “داعش” وقد تعلموا الدرس وتمثلوه .. ولذا لم يخدعهم الربيع العربي الذي بان فيه الخيط الأبيض من الأسود وانكشفت فيه الحيل والخداع وركوب معاناة الأمم ودغدغة أحلامها .. فالربيع العربي عنده خريف عربي وهو ربيع أميركي مستورد جرى تصديره لبلادنا لنحرق به أنفسنا ويزيدنا ضعفاً على ضعف .. وفرقة فوق فرقة وهو يخدم تلك المخططات والخرائط التي إنتشرت في بلادنا وعن بلادنا دون أن يستوقف الكثيرين منا أو يستدعي يقظتنا وانتباهنا وإرادتنا لإسقاط تلك المخططات .. ولذا سقطت في خضم ما أسمي بالربيع العربي ..مواقف عربية عديدة خاصة المتعلقة بالموقف من القضية الفلسطينية التي لم تحظَ بتأييد أكثر قوة وصلابة وترك الفلسطينيون يواجهون وحدهم .. لقد أدى الربيع العربي إلى إنقسامات وحروب وضعف في الحالة العربية وإنصرفت القُطريات العربية محاولة أن تقتلع أشواكها وأن تبحث عن تحالفات قد تكون خطرة بما يكفي على الأمن القومي العربي من أجل حماية نفسها أو أنظمتها ..
ويتحدث أبو مازن عن الإبتزاز الأميركي له وللسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحتى للشعب الفلسطيني .. فالإدارة الأميركية التي تعاملت معه ومع السلطة لسنوات واستقبلته وتفاوضت معه وأرسلت مندوبها إليه ما زال الكونغرس عندها يعتبر منظمة التحرير إرهابية ويبتز القيادة الفلسطينية بالدعوة إلى إغلاق مكتبها في واشنطن وإنزال العلم الفلسطيني وقطع المساعدات عن السلطة بعد قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والدعوة لنقل سفارة الولايات المتحدة إليها من تل أبيب .. وكذلك قطع المساعدات التي كانت تقدمها الولايات المتحدة للسطلة الفلسطينية وهو الموقف الذي رد عليه الرئيس أبو مازن بوضوح وصلابة، حين أكد أن القدس ليست للبيع لا بالذهب ولا بالفضة وأنه إن أغلق مكتبه في واشنطن فلن يستقبل المبعوثين .. وحين قرر ترامب جعل القدس عاصمة لإسرائيل ووقف ضد الحقوق الفلسطينية في القدس في مجلس الأمن والأمم المتحدة رد الرئيس أبو مازن بالقول أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيهاً وهي لا تصلح ولن يقبلها وسيطاً ودعى المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في هذا السياق حتى يوقف الإنفراد الإسرائيلي أو حتى الأميركي المنحاز بالشعب الفلسطيني .. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أمعنت الإدارة الأميركية الحالية في معاقبة الشعب الفلسطيني بقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بتقليل المساعدات لأكثر من النصف كجزء من الضغوط على القيادة الفلسطينية لإعادتها إلى الإنفراد الإسرائيلي في مفاوضات بلا مضمون وسلطة بلا سلطة وإحتلال بلا كلفة .. وهو الأمر الذي قال الرئيس أبو مازن أنه لن يقبله ..
وما زالت لعبة عض الأصابع بين الولايات المتحدة والقيادة الفلسطينية قائمة ولا يعرف أحدٌ مداها ولا ما زالت الإدارة الأميركية التي تنفذ الرغبات الإسرائيلية تواصل الضغط على النظام العربي ليقوم بدوره بالضغط على القيادة الفلسطينية في حالة من الترويض تستهدف قبول الشروط الأميركية التي هي شروط ورغبات إسرائيلية في نهاية المطاف ..
أبو مازن يشرح أمام قيادته أيضاً مشوار الذهاب إلى الأمم المتحدة لتوليد الدولة الفلسطينية كمراقب وحجم الضغط عليه والنصائح غير الخالية من الشهوة له والتي لم يستجب لها ورغب أن يدفع ثمنها في أكثر من موقف وموقع ..
إن الإدارة الأميركية اليمينية التي يقودها ترامب تتنافس في المزايدة عليه في خدمة إسرائيل ويقدم أبو مازن نموذجاً لذلك وهو سفير الإدارة في إسرائيل والذي أراد أن يكون إسرائيلياً أكثر من الإسرائيلين حين طالب بنفي صفة الإحتلال عن إسرائيل في الضفة الغربية وغزة .. كما تريد إسرائيل ليكشف الرئيس أن هذا الداعية لمخططات إسرائيل ما هو إلا مستوطن ويسكن في مستوطنة ..
ومن نفس الفئة أو فصيلة الدم الإستعمارية جاءت ممثلة الإدارة الأميركية في الأمم المتحدة الهندوسية نيكي هيلي التي تريد أن تضرب بحذائها ذو الكعب العالي أي شخص ينتقد الممارسات الإسرائيلية إذ أنها لم تختر الكعب لحذائها كموضة بل كأدة ضرب لمن يخالفونها حبها لإسرائيل، وقد رد عليها أبو مازن رداً متوازناً بحكم المقام والمقال، كما رفض مقابلة المستوطن برتبة سفير أميركا في إسرائيل وما زال الحبل على الجرار في أمثال هؤلاء الذين قال عنهم عرفات ذات يوم “إنني أفضل أن أقابل شمعون بيرس على أن أقابل أحداً منهم يقصد دنيس روس لطبيعة إنحيازهم وعقيدتهم” .. غداً أكمل ..