الجادون والمهرجون في انتخابات الرئاسة المصرية!!/عماد الدين حسين

يوم الأحد قبل الماضي كنت أؤدي واجب العزاء في الكاتب الكبير صلاح عيسى في مسجد عمر مكرم قرب ميدان التحرير بقلب القاهرة. حينما خرجت، اقترب مني شخص ما، وقال لي إنه عاتب على كثيراً، لأنني لا أهتم بتغطية أخباره في جريدة «الشروق» المصرية التي أرأس تحريرها. اعتذرت له مقدماً وطلبت منه أن يعرفني بنفسه، فقال لي إنا المواطن فلان الفلاني، ومرشح لمنصب رئيس الجمهورية.

هذا المواطن كان يتحدث بكل جدية، ويريد مني أن أتعامل مع أخباره ونشاطه مثله مثل الرئيس عبدالفتاح السيسي! المهم قلت له إنني تحت أمره في اطار القواعد المهنية، وسوف انتظر بدء الإجراءات الرسمية للترشح، وبدء الحملات الانتخابية، ووقتها سوف نتعامل مع أخبار كل المرشحين طبقاً لأوزانهم النسبية ودرجة جديتهم وجماهيريتهم.

في نفس الليلة جاءتني رسالة على البريد الإلكتروني لطبيب غير معروف، يخبرني فيها أنه قرر الترشح للرئاسة ويطلب نصيحتي ودعمي!!! وبعدها بيومين جاءتني رسالة على «الواتس آب» من زميل صحفي يكرر نفس الأمر. ثم فوجئت في اليوم التالي بفيديو يكشف عن قيام مذيعة في قناة فضائية مصرية غير معروفة “اقصد القناة والمذيعة”، تبدأ برنامجها بالقول إنها سوف تستأذن المشاهدين في إخبارهم بحدث مهم قبل بداية برنامجها. وهذا الحدث هو أنها سوف تترشح لانتخابات الرئاسة!!!

رأيي الواضح والمعلن أنه من حق كل مواطن أن يتقدم للترشح في أي انتخابات.. من أول رئاسة الشارع أو الحي مرورا بانتخابات مجلس النواب والنقابات المهنية والأندية الرياضية نهاية بانتخابات رئاسة الجمهورية، أو حتى مجلس الأمن الدولي. الشرط الوحيد هو أن يستوفي الشروط القانونية المعلنة، وبعد ذلك يصبح العامل الحاسم هو قدرته على الحصول على أصوات الناخبين.

في كل انتخابات في الدنيا هناك مرشحون أقرب إلى المهرجين أو الباحثين عن الشهرة، وهؤلاء لا يشغلهم إلا أن تتحدث وسائل الإعلام عنهم خلال فترة الانتخابات أو أن يكون هدفهم تحقيق مصلحة شخصية معينة، قبل أن يطويهم النسيان!!!

لست مع الرأي القائل أنه يجب منع هؤلاء من إبداء النية في الترشح، لأن ذلك سوف يعطيهم حجماً أكبر من حجمهم. هم يعلمون حقيقة أمرهم، وأنهم سوف يطويهم النسيان فور إعلان نتائج الانتخابات أو ربما يتذكرهم الإعلام في باب النوادر والطرائف!!!

الفارق البسيط هو أن يكون هناك مرشحون جادون لديهم برامج انتخابية قابلة للتطبيق، والأهم لديهم قواعد جماهيرية حقيقية، تساندهم في صناديق الانتخابات.

الهيئة الوطنية للانتخابات اجتمعت يوم الاثنين وقررت فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، على أن يجري التصويت داخل البلاد أيام 26 و27 و28 مارس/ آذار المقبل، ويتم إعلان النتيجة في الثاني من أبريل/ نيسان المقبل، وإذا حدثت جولة إعادة فستعلن النتيجة أول مايو/ أيار المقبل، وهو أمر شبه مستبعد كلياً اذا لم يكن هناك مرشح ذو وزن ثقيل ينافس الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الرئيس السيسي يفترض أن يقدم كشف حساب للمصريين قبل أن يعلن ترشحه لولاية ثانية، وحتى هذه اللحظة فإننا لم نر تقدم أي مرشح جاد للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية.

هناك نوايا، لكنها لم تتحول إلى يقين ثابت، وهنا نتحدث عن المحامي الحقوقي خالد علي والنائب السابق محمد أنور السادات، وكلاهما ينتظر تحقق بعض الشروط لكى يعلن ترشحه، لكن هناك أحاديث بأنهم يراهنون على تزكية 20 نائب من مجلس النواب علماً أن أكثر من 516 نائباً قدموا تذكية للرئيس السيسي حتى عصر أمس الأربعاء.

الانتخابات فقدت جزء كبير من حرارتها بعد أن أعلن المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق انسحابه من الترشح يوم الأحد الماضي معلناً “أنه لا يرى نفسه مؤهلاً لخوض الانتخابات المقبلة”، بعد أن كان قد أعلن نيته في الترشح يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من أبو ظبي عبر فيديو بثته وكالة رويترز.

في هذا المكان كتبت يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد عودة شفيق الغامضة للقاهرة من الإمارات، تحت عنوان “شفيق عاد ليترشح أم لاعتزال العمل السياسي؟” أنني ارجح بنسبة كبيرة أن شفيق لن يترشح للانتخابات، وهو ما حدث بالفعل.

كثير من المعارضين للرئيس السيسي راهنوا على ترشح شفيق، خصوصاً أنه خاض منافسة حقيقة على نفس المنصب أمام الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي، وخسر بفارق حوالى واحد في المائة فقط في يونيو/ حزيران 2012.

السؤال الجوهري الذي يفترض أن يشغل كل المسؤولين في مصر هو: إيهم أفضل لمصر ومستقبلها، أن يكون هناك مرشحون جادون في مواجهة الرئيس عبدالفتاح السيسي أم مجموعة من الهواة، وغالبيتهم لن يتمكن من الحصول على توكيل عشرين نائباً في البرلمان ،أو توكيل25 ألف من المواطنين المصريين في 15 محافظة على الأقل؟!

الإجابة الطبيعية من وجهة نظري هي ضرورة وجود مرشحين كثيرين كبار، حتى تكون هناك منافسة حقيقية، تليق بمنصب رئيس جمهورية أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والدور والتأثير والمكان والحضارة.

في تقديري أن لا يوجد منافس في مصر – في هذه الظروف- يمكن أن يفوز على عبدالفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة لظروف كثيرة يطول شرحها، لكن وحتى إذا كان ذلك صحيحاً، فالمفترض أن تكون هناك منافسة فعلية تجعل الناخبين المصريين يتوجهون إلى صناديق الانتخابات، بدلاً من التعامل مع المعركة باعتبارها استفتاء محسوم الأمر لصالح المرشح عبدالفتاح السيسي.

لو حدث ذلك فإن الذى سوف يتضرر هو السيسي شخصياً، لأن التقديرات المتفق عليها تقول إن نسبة المشاركة ستكون متدنية، لأن الناس سوف تعزف على الذهاب للجان الانتخابية طالما وقر في ذهنها أنه لا توجد منافسة حقيقية.

السؤال المنطقي هو: وكيف تكون هناك منافسة حقيقية؟ الإجابة المنطقية هي ضرورة وجود مناخ عام يسمح بهذه المنافسة، من حيث الإجراءات، وأن تتوقف بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة من الاغتيال المنظم لكل شخص يفكر في الترشح للرئاسة، علماً أن كثيراً من المراقبين قالوا إن استمرار ذلك النهج سوف يجعل الرئيس السيسي مرشحاً وحيداً في الانتخابات وهو الأمر الذي سيضر السيسي أولاً وسيعطي المعارضين له حجة وجيهة بأن المعركة كانت مجرد استفتاء.

عموماً ما يزال لدينا القليل من الوقت حتى نعرف الملامح الرئيسية للمعركة الانتخابية في مصر، فربما تحدث مفاجأة!!!

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري