سلطان هاشم الحطاب في كتابه المسجد الأقصى ” مهفى القلوب ” يوثق المعالم بالمعلومة الدقيقة والصورة مؤكداً : الكتابة عن الأقصى والتثقيف به، من أشكال النضال والوفاء والإخلاص للمكان واهله وعقيدته
عرض وملاحظات : محمد شريف الجيوسي
عروبة الإخباري – وثّق المؤلف سلطان هاشم الحطاب ، في كتابه المسجد الأقصى”مهفى القلوب”، بشكل علمي حضاري، أهمية وفضائل المسجد الأقصى استناداً للقران الكريم واحاديث النبي محمد عليه افضل الصلاة والتسليم وآله ، وإلى كتب ومصادر قديمة وحديثة ، وعزز كل موضع ومكان بالصورة الفوتوغرافية .
فالاقصى رمز هوية فلسطين العربية والاسلامية قبل كل شيء ، وهو بحسب الباحث الأثر الخالد الشامخ وسط الحصار والتهويد والأسرلة والحرائق،ومازال يجسد اجسادا ومهجا من الرجال والنساء والاطفال والشيوخ والسيدات الطاعنات في السن يرايطن فيه ويفتدينه بالنفوس وسط البنادق وقنابل الدخان السامة الخانقة.
وسجل المؤلف معاناة الشعب الفلسطيني في أداء عبادتهم في المسجد الأقصى، والإغلاقات وأعمال الحفريات الجارية تحته ومن حوله، ومحاولات تغيير معالمه تمهيداً لبناء هيكل سليمان المزعوم، .مسجلا بالتفصيل عمليات التهويد الجارية حتى صدور الكتاب عام 2016، ومن بينها تهويد المباني الاسلامية وبخاصة المملوكية حيث اقاموا (بيت شطراوس) في حي امغاربة، كما وسعوا وعمّقوا حفرياتهم في مدخل وادي حلوة ودمروا موجودات عربية واسلامية متعاقبة من بينها حي اسلامي ومقبرة عبّاسية، ووضع وزير الاستيطان الصهيوني حجر الاساس لبناء كنيس عملاق من 5 طوابق على مبعدة 200 م غربي الأقصى.
وفصل الباحث في الاعتداءات الصهيونية على قدسية الاقصى منذ سنة 1967 حتى 8 اب 2015 حيث طالبت منظمات وجماعات الهيكل المزعوم في مذكرة رسمية رفعتها لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، باغلاق المسجد الأقصى المبارك في وجه المسلمين خلال الفترة الصباحية .
وحذر المؤلف من اجراءات طمس اي معلم اسلامي في محيط الاقصى تمهيدا لتهويده كخطوة استباقية لتحويله الى كنبس وهدم المسجد الاقصى بشكل كامل.
وفصل المؤلف مراحل عشر قام بها الكيان الصهيوني حتى وقت تأليف الكتاب غرب وجنوب الاقصى وجنوب الحفريات الجنوبية ، بغرض فرض التقسيم المكاني والزماني للاقصى حيث تعمل السلطات الاسرائيلية على فرضه بالقوة، كما حدث وفرضته في الحرم الابراهيمي بالخليل.
وعرض المؤلف للإتفاقية الأردنية الفلسطينية لحماية المسجد الاقصى والدفاع عنه حيث اكدت الاتفاقية الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس منذ بيعة 1924 ، مضمنا الكتاب صورة فوتوغرافية للوثيقة.
واعتبر المؤلف الكتابة عن الأقصى والتثقيف به ، شكلاً من أشكال النضال والوفاء والإخلاص للمكان واهله وعقيدته، مشيرا إلى أن الأقصى في أسره ما زال يبحث عن من يفكّونه ويدعو لمن يزورونه أو يواسونه أويذكرون فضائله ومكانته أو يمنعون عنه التعدي والتدنيس .
وأضاف أنه أراد ان يعرف القراء وتحديداً جيل الجامعات عن الأقصى بالكلمة والصورة لتتشكل لديهم معرفة العلاقة بالمكان والإنتماء إلى هويته ولذا عمل على حصر الأماكن التي تشكل مكونات المسجد وتبرز معالمه، مستعينا بالكتب والمصادر القديم منها والحديث وبالصورة الحية ، وميز اختلاط الأسماء وتشابكها ومترادفاتها العديدة المتغيرة عبر العصور.
واعتبرالمؤلف أن المواطنة تتجلى في الإنتماء للمكان (الوطن) وأن هذا الإنتماء والوفاء له يتعلق في معرفة تفاصيله الدقيقة الراسخة وذكرياته، كـ ثقافة متأصلة، لدى الموطنين كأفراد وككل جمعي .
وبدأ المؤلف في الكتابة عن الأقصى من أقدم العصور التاريخية بدءاً بالعصر الحجري وعصور اليبوسيين والرومان والبيزنطيين وفي عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وفي عهود الفتح الإسلامي والأموي وحملات الفرنجة والعهد العثماني والاعمار الهاشمي للمسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة وترميمات اخرى في ساحة الحرم القدسي.
كما تناول المؤلف الزلازل التي تعرض لها المسجد الأقصى في سنوات 746 م و774 م و1033 م وكان يعاد بناؤه في كل مرة مع تعديلات داخلية دون اي تغيير في المساحة، وتتطرق للكوارث المفتعلة التي تعرض لها المسجد ، حيث استخدمه الفرنجة كاسطبلات ومراحيض ومخازن للحبوب ، كما أتى على ذكر حريق 22 آب 1969 لذي نفّذه يهودي أسترالي .
وعرض المؤلف لجوامع المسجد الأقصى ، وهي القبلي ـ المصلى المرواني ـ الأقصى القديم ـ قبة الصخرة ـ البراق ـ المغاربة ـ النساء مكتبة الأقصى .
وعرض لواجهة المسجد والشرفة ، ومن ثمة قبابه ألـ 15 وهي قباب : الصخرة الواقعة في المنطقة الأعلى من المسجد ـ السلسلة ـ النحوية ـ الأرواح ـ محراب النبي سليمان عليه السلام ـ النبي الخضر عليه السلام ـ المعراج ـ الميزان ـ يوسف آغا ـ قبة النبي عليه الصلاة والسلام ـ يوسف بن أيوب ـ عشاق النبي ـ الشيخ الخليلي ـ النبي عيسى ـ قبة موسى . مع شرح وصور ملونة لكلٍ منها .
وتناول المؤلف مآذن الأقصى وهي : مأذنة باب المغاربة ( الفخارية ) ـ مأذنة الغوانمة ـ مأذنة باب السلسلة ـ مأذنة باب الأسباط ( الصلاحية ).
وللمسجد الأقصى 15 باباً أدرجت في قائمة معاً هي: الخليل ـ النبي داود ـ الجديد ـ العمود ـ الساهرة ـ الأسباط (الأسود )ـ الرحمة ـ المغاربة ـ السلسلة والسكينة (باب النبي داود) ـ القطارين ـ الحديد ـ المجلس ـ الغوانمة ( الوليد ) ـ العتم ـ حطة .
وفي سياق الشرح ورد اسماء أبواب لم ترد بين الأبواب ألـ 15 آنفة الذكر، وهي : باب الناظر ، وباب الأسود أدمج مع باب الأسباط ، وباب السكينة وأدمج مع باب السلسلة وأضيف إليهما باب النبي داود الذي ورد في قائمة الأبواب منفرداً ..وباب الوليد وأدمج مع الغوانمة والباب الثلاثي الذي لم يرد في القائمة وكذلك الباب المزدوج والباب الذهبي وأسمي ايضا ( باب الرحمة والتوبة ) وهما لم يردا في قائمة الأبواب .. ومثلهما باب الجنائز.
وأتى المؤلف على رواقين هما الرواق الغربي والرواق الشمالي . .
وفصل شرحا مناسباً لـ14مدرسة هي:الأقصى الإسلامية ـ الأقصى الشرعية ـ الغادرية ـ الباسطية ـ الأمينية ـ الملكية ـ الفارسية ـ الإسمردية ـ العثمانية ـ المنجكية ـ الأشرفية ـ التنكزية.
وكما الأبواب وردت أسماء مدارس لم يأت المؤلف على تسميتها ضمن قائمة المدارس وهي : الدوادارية ـ والمدرسة العمرية ( المحدثية الصبيبية الجاولية ) وتضم 3 مدارس مملوكية وقد استولى عليها الصهاينة سنة 1967 ..
واتى المؤلف على ذكر البوائك وتسمى ايضا القناطر والموازين وهي عبارة عن اعمدة تربطها عقود ، حيث تطرق إلى 8 بوائك هي : الشمالية ـ الشمالية الغربية ـ الغربية ـ الجنوبية الغربية ـ الجنوبية ـ الجنوبية الشرقية ـ الشرقية ـ الشمالية الشرقية .
ومن ثمة اتى المؤلف على 14 سبيلا هي: الكأس ـ شعلان ـ صهريج المعظم عيسى الأيوبي ـ البصيري ـ قايتباي ـ قاسم باشا ـ سليمان القانوني ـ المغاربة ـ حطة ـ النارنج ـ الشيخ بدير ـ منبر برهان الدين ـ الزيتونة ـ الرحمة . ويضم الأقصى بئرين هما بئر الجنة وبئر رمانة .
وثمة معلمين أخريين يضمهما الأقصى هما : حائط البراق الذي يكتسب قدسية خاصة لدى المسلمين . ومنبر نور الدين الزنكي.
وين المؤلف وجود40 مصطبة من بينها 3 مصاطب مملوكية هي : الظاهر ـ البصيري ، قايتباي. و3 مصاطب عثمانية هي : ـ سليمان ـ علي باشا ـ الطين .
وهناك 17 مصطبة غير مؤرخة بعضها أقيم لسبل أو قباب أو جوامع او ابواب هي : باب الحديد ـ باب القطانين ـ باب القطانين الشمالية ـ سبيل الشيخ بدير ـ سبيل قاسم باشا ـ قبة موسى ـ الفخرية ـ باب المغاربة ـ جامع المغاربة الشرقية ـ الصنوبر ـ الزهور ـ المتوضأ ـ الجنائز ـ الكرك ـ كرسي سليمان ـ قبة سليمان ـ سبيل الشعلان .
وهناك مصاطب اخرى لم تدرج في القائمة الرئيسة وهي مصاطب قبة سليمان ـ المدرسة الإسمردية ـ الظاهر ـ علي باشا ـ جنوبي مقر لجنة الزكاة المحلية ـ مكتب تذاكر الزيارة الشمالي ـ سبيل قايتباي ـ البائكتين الغربيتين ـ الطين ـ المدرسة التنكزية ـ مسجد البراق ـ الزاوية الفخرية ـ
واعتمد الكاتب في بحثه على 22 كتابا ودورية و16 موقعا و169 هامشا عربيا وانجليزيا ،
ومدرجا مئات الصور والخرائط الملونة ذات الصلة بمضمون بالكتاب.
يذكر ان الكتاب صدر عن دار العروبة للدراسات والإستشارات الإعلامية في 218 صفحة من القطع الكبيرعلى ورق صقيل سميك انيق ، وقد مول الصندوق القومي الفلسطيني تكاليف طباعة وتأليف الكتاب ، الذي يوزع مجاناً على الجهات الثقافية والسياسية والإعلامية .
وقد دشّن الباحث سلطان هاشم الحطاب ؛ الكتاب بصورتين للرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات والرئيس محمود عباس ( أبو مازن ) ومبدياً دوافع تأليف الكتاب الذي يأتي ضمن سلسلة متصلة تحت عنوان ( في هوية لمكان ) .
ونقترح على الباحث والجهة الممولة إعادة طباعة الكتاب ؛ طبعة شعبية لتكون بين أيدي العامة بسعر مدعوم ، بحيث تكون الفائدة منه أكبر وأشمل .
ولعل من المفيد أيضاً وضع الكتاب على الشبكة العنكبوتية باللغة العربية وبعدد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والألمانية والإسبانية والبرتغالية ، على أن يكون الدخول لموقع الكتاب لقاء رسم زهيد لإستدامة الإطلاع عليه وتحديثه سنوياً أو بين حين وآخر.
ولعله من المفيد أيضاً ، استتباع المسجد الأقصى بمؤلف آخر عن المقدسات المسيحية في القدس ، وبكتاب ثالث عن القدس بعامة .
ولا بد أن هذا الكتاب قدم خدمة موثقة جُلّى بشكل علمي دعّمته المعلومة الدقيقة المشفوعة بالصورة والمصدر وأحيانا الخارطة، في طباعة أنيقة حضارية، ما يرسخ مفهوم المواطنة والإنتماء والحقوق التاريخية والإيمانية وبما يحول دون أي غموض أو جهل أو غشاوة أو مبالغات شعبوية .