أبو أحمـد بلال … قصة فلسطيني وحكاية شعب

عروبة الإخباري – على مدار ساعة وثلث، قدّم عضو رابطة الكتّاب الأردنيين والاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب القاص (أحمد أبو حليوة) على مسرح مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي في مدينة الزرقاء عرضه الثاني لعمله (أبو أحمد بلال … قصة فلسطيني وحكاية شعب)، وذلك من خلال مَسْرْحَتِه القصصيّة الموندراميّة لقصته القصيرة (أبو أحمد بلال) المنشورة في مجموعته القصصية الثانية (رجل آخر)، والتي تتحدّث عن سيرة والده.

قام (أبو حليوة) بتمثيل العمل وإخراجه مكتفياً بالنص القصصي كتابة، الذي شكّل العمود الفقري لهذا العمل، الذي اعتُمد فيه على السرد الشفوي حيناً، وتمثيل بعض المشاهد حيناً آخر، ليرافقة في العزف على الجيتار والغناء الفنان (يزن أبو سليم)، الذي منح صوته القوي الدافئ العرض مساحات كثيرة من البهاء، وهو يغني بعض المقاطع المناسبة لهذا المشهد أو ذاك، يسانده في العزف على العود الفنان (طه المغربي) الذي أجاد في تقديم مُقطّعات موسيقية مختلفة اختتمها بالانشاد الجماعي لأغنية “موطني”، ليرافق ذلك كلّه عزف حزين على الناي للفنان المجيد (مفيد عبيدات)، وهو العازف الوحيد الذي شارك (أبوحليوة) في تقديم عرضه الأول لهذا العمل على مسرح عمّون في العاصمة عمّان العام الماضي.

قامت فكرة العرض على القصة الحقيقية لسيرة المناضل (عبد الله محمد أبو حليوة) من قبيلة الجبارات، وذلك منذ طفولته ووجوده في منطقة السكرية التابعة لبئر السبع، حيث تطرّق العمل لثلاثة أجيال (الجد محمد ، الأب عبدالله، الابن أحمد)، سارداً أحداثاً على مدار سبعة عقود وفي خمس دول، وذلك منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين مروراً بالنكبة نتيجة الاحتلال الصهيوني لها، حيث يضطر (عبد الله) للخروج طفلاً مع أبيه وأمه وأخواته الثلاث إلى إحدى قرى الخليل، التي يلقى فيها والده حتفه بعد عامين من التهجير القصري عن أرضه، لتنتقل بعد ذلك العائلة الثكلى إلى مخيم العروب، الذي يتلقى فيه (عبد الله) تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث، ورغم جِدّه واجتهاده الواضح، يلتحق بالجيش العربي نتيجة ظروفه الاجتماعية الصعبة والاقتصادية العسيرة.

ومن النكبة إلى النكسة التي تدفعه وتدفع أسرته للانتقال إلى الأردن والإقامة في مدينة الزرقاء، التي يغادرها مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى سورية للالتحاق بإخوته الثوار في حركة التحرير الفلسطيني (فتح)، وفي مخيم اليرموك في العاصمة دمشق يتزوج ممن كانت ابنة جيرانهم في مخيم العرّوب (فوزية أبو ريا) بعد إلحاح أمه عليه بالزواج.

في سورية يُعرَف (عبد الله أبو حليوة) بالاسم الحركي (أبو أحمد بلال)، وبعد زواجه -وفي منتصف السبعينيات- يُرزق بابنه الوحيد (أحمد)، طفله الذي يضطر لفراقه بعد شهور من مولده وعودته مع مطلقته (أم أحمد) إلى أهلها في الأردن، لتبدأ قصة أخرى مليئة بالآلام والآمال وكذلك العطاء والإبداع لهذا الطفل، الذي يكبر وتتزوج أمه من رجل ثانٍ، فتأخذه جدته -والدة أبيه- (إنزيله المسامرة) وهو في الثانية من عمره، وتربيه حتى السنة السادسة، ونتيجة لتدهور الحالة الصحية لجدته العجوز، تقوم بنقله بعد ذلك للعيش عند قريبة له، هي (ثريا أبو حليوة) التي تصبح (أمه المربية)، حيث يتلقى عندها تعليمه الأساسي والثانوي، ليعود بعد ذلك إلى أبيه ويدرس في جامعة دمشق، علماً أن لقاءهما معاً جاء بعد خمسة عشر عاماً من الحرمان والفراق.

وفي السبعينيات أيضاً انتقل (أبو أحمد بلال) للعيش في بيروت، وتزوج هناك من امرأة أخرى (ليقه محيسن)، ليخرج بعد ذلك هو وزوجته مع القوات الفدائية إلى تونس، بعد الاجتياح الصهيوني للبنان.

وفي تونس يتناءى لسمعه وفاة والدته فيحزن حزناً شديداً، ويعود في منتصف الثمانينيات إلى سورية، لتنتقل زوجته الثانية بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى نتيجة إصابتها بمرض عضال، فيتزوج في نهاية الثمانينيات من امرأة ثالثة (ليلى أيوب)، ويبقى في سورية حتى توافيه المنية عن عمر يناهز السبعين سنة، منها ستون عاماً كان شاهداً فيها على مفترقات القضية الفلسطينية الرئيسة.

في المشهد الأخير للعرض يموت (أبو أحمد بلال) الذي يؤدي دوره ابنه (أحمد أبو حليوة)، وتظهر في الدقائق الأخيرة ضيفة الشرف على هذا العمل الكاتبة الجميلة أمل عقرباوي بثوبها الفلسطيني رامزة للمرأة الفلسطينية بل ولفلسطين، التي تدثّر أبناءها من برد الموت بكفن أبيض يغطي جسد (أبو أحمد بلال)، الذي ينهض من جديد من تحت الكفن ببطء وإرادة، تؤكد على نهضة الإنسان الفلسطيني من جديد، رغم كلّ المعوقات والمحبطات وكذلك الوجع والألم، ليستمر نضاله في الحياة والمقاومة حتى تحقيق الحرية والعودة للوطن.

حضر هذا العرض حشد من المثقفين والمهتمين الذين أحسنوا التفاعل معه بالفرح والحزن، بل ذهب بعضهم إلى الضحك والدمع في آنٍ معاً، هذا العمل الذي يُذكر أنّ فني الإضاءة له هو مؤيد ماضي، وفني الصوت هو إبراهيم الجمزاوي، والذي استطاع فيه ( أحمد أبو حليوة) أن يبهر الحضور بما قدّم، من خلال ديكور بسيط للعمل كان عبارة عن كرسي، جعل منه -من خلال حسن محاورته والتعامل معه- أحد أبطال هذا العرض.

Related posts

صدور كتاب الأردن وحرب السويس 1956 للباحثة الأردنية الدكتورة سهيلا الشلبي

وزير الثقافة يفتتح المعرض التشكيلي “لوحة ترسم فرحة” دعما لأطفال غزة

العراقي للثقافة والفنون يستضيف العين محمد داوودية