القـدس وفلسـطيـن…. والجهـود الأردنيـة/ د. إبراهيم بدران

لقد أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، موجة من الاستياء على مستوى العالم؛ فالاتحاد الأوروبي وفرنسا والمانيا وروسيا وتركيا والصين وغيرها من الدول في أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، أعلنت تمسكها بحل الدولتين، والكثير منها اعتبر القرار مجحفا بحق الفلسطينيين، ومخالفاً للقانون الدولي، وسبباً في تعميق الإضطراب واستمرار أعمال العنف والتطرف في المنطقة، ويمثل انحيازاً بشعاً للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتجريدا للولايات المتحدة من صفة الوسيط المقبول من أجل السلام، وبالتالي فالقرار ضربة قاصمة لأي جهود دولية لأنهاء النزاع واحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لقد اعتبر البعض أن قرار ترامب يماثل وعد بلفور عام 1917 و كأنه نكبة جديدة في فلسطين، ومهما تكن الأوصاف والتوقعات للقرار، فإن صدوره فرض على الأردن أن يتحرك فورا لمواجهة تبعاته من جهة، والتنسيق مع القوى العربية والاسلامية والدولية للضغط على الولايات المتحدة لوقف تنفيذه من جهة ثانية، وكما كان عليه الأمر منذ عام 1995. وهنا لا بد من الاعتراف بأن إعلان القرار بالطريقة “ الترامبية “ التي يغمرها الغرور والسطحية والاستعراض والأنانية والانتهازية، كان بمثابة جرس إنذار دق من جديد حول الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تناسى العرب والعالم وجوده لفترة طويلة، ويحمل هذا الانذار عدداً من الرسائل لا بد من استيعابها والعمل عليها. الأولى : إن النوايا الإسرائيلية تجاه فلسطين بكاملها وعلى رأسها القدس لا تزال لم تتغير عن ما كانت عليه منذ مؤتمر بازل قبل مئة عام، وهي الاحتلال الكامل على الطرق الاستعمارية التقليدية والتنكيل بالفلسطينيين واجبارهم على الاستسلام، والتوسع على حساب الدول العربية المجاورة أو القريبة من إسرائيل، وهي تنفذ اهدافها ببطء ودهاء وبدعم من الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا لم يتوقف للحظة منذ مؤتمر بازل وحتى اليوم؛ ما يستدعي أن تكون مقاومة الاحتلال وايقاف الزحف الاستعماري الاسرائيلي و تماسك الدول العربية عملية طويلة الأمد مستمرة دون توقف. الثانية: إن الطريق الأمثل في العقل الصهيوني لتحقيق هذا الهدف وفرض السيطرة الإسرائيلية على المنطقة هو من خلال “ تفتيت المنطقة سياسياً واجتماعياً وفكريا وانقسام شعوبها على أسس دينية ومذهبية وقومية” ؛ وما وقع في العراق من احتلال وتدمير بدفع وتشجيع من اسرائيل، وما يقع في سوريا الآن بتمويل وتزويد وتدريب اسرائيلي وغيره، هو بالضبط ما تعمل اسرائيل عليه، وهذا يتطلب من السياسيين والمفكرين وقادة الرأي ورجال الدين والإعلام في المنطقة التوقف الفوري عن كل نزعة طائفية أو جهوية أو عرقية، وأن ينهوا صراعاتهم ويصلوا إلى نقطة متوسطة. الثالثة: إن ما يتعلمه الأطفال في اسرائيل أن المسجد الأقصى مبني على جبل الهيكل، وانه لا بد من هدم الأقصى لإقامة الهيكل من جديد، وهو ما لمح اليه دونالد ترامب في اعلانه السيء الذكر؛ وما تقوم به اسرائيل من حفريات وانتهاكات للأقصى يهدف في النهاية إلى غايتين، واحدة إزالة صفة القداسة عن الأقصى، والثانية سقوط المبنى نتيجة للحفريات، وهذا يستلزم المتابعة الحثيثة من لجنة القدس لكل ما يجري ورفع المسألة إلى المؤسسات الدولية، هذا على الرغم من أن قصة الهيكل مزعومة من أساسها.. الرابعة: إن فكرة السلام غير واردة في العقل الإسرائيلي الحاكم والموغل في الوحشية واليمينية خاصة و أن العرب في أدنى حالات التفكك و الضعف والإعتماد الكلي على الولايات المتحدة المريكية، وعليه فإسرائيل وحلفاؤها ينتظرون من الفلسطينيين ومن العرب الإستسلام وليس السلام.
هذه الأهداف التي تعمل الصهوينية وحلفاؤها على تنفيذها بهدوء وخداع و تآمر وتدرج تاريخي طويل،لا يمكن مواجهتها بالاستنكار والغضب والانفعال، وهو في مكانه، ً وانما فقط بالعمل العقلاني العلمي السياسي المبرمج المنظم طويل الأمد، والذي ينبغي أن يتخذ الإطار التالي :1- الوقوف مع الملك عبد الله الثاني في جهوده ومبادراته، و الإعتزاز بموقف الشعب الأردني بكل شرائحه ومكوناته، والعمل الحثيث على زيادة التماسك الوطني الأردني، وجسر الفجوة بين الإدارة والمجتمع، واشتراك القوى السياسية في العمل؛ وذلك لأن نقاط الضعف هي التي تتيح المجال لاسرائيل الدخول والاختراق وايقاع الأذى، تأكيداً لمقولة بن غوريون “ ننتصر ليس بقوتنا وانما بضعف العرب وتمزقهم “ 2- تعزيز قوة الدولة الأردنية من خلال برامج اصلاح وتطوير ومشاركة سياسية عميقة وموسعة وبرامج تصنيع للاقتصاد الوطني والدفع باتجاه الإقتصاد الاجتماعي الحديث، و الاعتماد على الذات بدلا من المعونات و الاستيراد.3- دعم الجهود الأردنية من خلال مشاركة منظمات المجتمع المدني في نقل الموضوع الى المحافل الدولية وخاصة القانونية والبرلمانية والحزبية، باعتبار أن القدس هي أرض محتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة، ولا يحق لدولة أن تضع سفارتها في أرض محتلة من آخرين، خاصة وأن قرار ترامب لا يغير من الوضع القانوني للقدس أبداً .4- إن القدس و فلسطين تضمان مسلمين ومسيحيين، والأماكن المقدسة تراث اسلامي ومسيحي، وبالتالي لا بد من التواصل مع الدوائر المسيحية في العالم، والقيام بحملة عربية موسعة اسلامية مسيحية تبين أن قرار الرئيس ترامب فيه تحريض وأضرار ليس بالمسلمين وأماكنهم المقدسة فقط، وانما بالمسيحيين والأماكن المقدسة المسيحية.. 5-التوضيح في الإعلام الدولي ومنظمات المجتمع المدني و الدوائر القانونية بأن الفكر الصهيوني الإسرائيلي العنصري بيهودية الدولة، يعني التمييز بين الناس على أساس الدين، ويعني تهديدا للمسلمين والمسحيين وهذا مخالف للقانون الدولي ولحقوق الانسان لا يجوز السكوت عنه .6- تستطيع الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني قيادة حملة شعبية لمقاطعة المنتجات الأمريكية والاسرائيلية على السواء، كتعبير عن رفض سياسات البلدين حتى لو كان التأثير الإقتصادي للمقاطعة متواضعا للغاية. وهذا جزء من المواجهة المدنية المتعارف عليها. 7- تحريك حملة دبلوماسية على المستوى الدولي للإعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وفق القانون الدولي، وهنا ينبغي على الجامعة العربية تشكيل فريق دبلوماسي قانوني لهذا الغرض وتبدأ الحملة بالدول العربية ثم الإسلامية وغيرها من الدول الصديقة.
و في الوقت الذي نوجه الشكر والتقدير للملك عبد الله الثاني على جهوده المتواصلة لدعم الموقف الفلسطيني والعربي أزاء القدس، وأزاء الإجراءات الإسرائيلية المخالفة لكل الأعراف الدولية، فإننا نؤكد أن قوة الأردن بالمفهوم السياسي والاقتصادي تنبع أولاً وأخيراً من قوته في الداخل، وتحاول اسرائيل وبعض حلفائها تفتيت هذ القوة بشتى الوسائل بما فيها تأجيل الإصلاح، وتوسيع الاعتماد على الاستيراد والمساعدات، وعقد الاتفاقيات التي تتيح الفرصة لإسرائيل للتحكم في مفاصل إستراتيجية في الإقتصاد الوطني، مثل الغاز والمياه والطاقة والسكة الحديد وغيرها؛ الأمر الذي يستدعي الحذر و بعد النظر، ويدعو الحكومة لاستعادة ثقة المواطنين والقوى السياسية. وبذا يمكن للمستقبل أن يكون أكثر ايجابية، وللمسألة الفلسطينية أن تتقدم، وللقدس أن تبقى عربية، ومفتاح ذلك على الصعيد الفلسطيني والصمود والوحدة.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات