عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – ما جاء به ترامب كان أمراً فرياً لن يعطي شرعية لإسرائيل في القدس .. وقد ردّ عليه الفلسطينيون بموقف صلب جاء على لسان الرئيس أبو مازن في خطابه التاريخي في إستنطبول “لن نقبل ولن يكون هناك سلام في المنطقة وفي العالم دون ذلك” ..
وهذا الحجر الذي رماه المجنون في بئر السلام العالمي ليغلق به المنافذ يخلق حالة يراها أبو مازن تشجع الجماعات المتطرفة وغير المتطرفة على تحويل الصراع، من صراع سياسي إلى صراع ديني .. وحين يرى أبو مازن أن ذلك لا يتوقف يضع الكرة في الملعب العالمي ويقول “عند ذلك يتحمل العالم ما دام يريدونه صراعاً دينياً” ..
كانت إسرائيل منذ البداية تريد تحويل الصراع إلى صراع ديني ليضيع الدم الفلسطيني ويتوزع ويسجل ضد مجهول ولتجد عدواً تديم معه الصراع الذي تريد توسيع دائرته في البعد الديني حتى لا تدفع ثمن الصراع مع الإرادة الوطنية الفلسطينية أو حتى مع الأرادة القومية العربية، لإنها تعلم أنه بتحويلها الصراع إلى صراع ديني تعتقد به أنه يضيع الحقوق الوطنية الفلسطينية ويحيلها إلى وصاية دينية تحتكم إلى غيبيات مؤجلة، فهي في الأصل ومنذ وعد بلفور ووثيقته المشؤومة كان ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم طوائف أخرى غير اليهودية تقيم في فلسطين وأن هذه الطوائف ليس لها إلا حقوق مدنية ودينية وهكذا رأت بريطانيا في وعدها بأن من يقيم على هذه الأرض يجيب أن لا يتمتعوا بأكثر من حقوق دينية ومدنية” .
لقد أدرك أبو مازن هذا المضمون وبقي يتحدث عنه وهو يرد في رسالته على الموقف البريطاني اليوم عشية مئوية وعد بلفور في 17/11/2017 .. ففي الوقت الذي حرمت بريطانيا آنذاك الشعب الفلسطيني من الحقوق السياسية في بلاده، حافظت على حقوق اليهود وفي أماكن سكناهم الأصلية بما فيها الحقوق السياسية وغيرها، ويرى أبو مازن في وعد ترامب ودعوته إلى دولة يهودية لإسرائيل إعادة تأكيد على ذلك، لما يحمله معنى الدولة اليهودية من مخاطر لا يدركها الكثيرون ولكن الرئيس عباس يدركها علمياً وواقعياً ونضاليا في عديد من المقالات والكتب التي ألفها ومضى على تأليف بعضها أكثر من أربعة عقود وقد أعاد التأكيد الآن على ذلك أمام ممثلي (47) دولة عربية وإسلامية..
وينتقل أبو مازن من مضمون كتبه العديدة التي وصل تسلسلها إلى (106) كتاب وكتيب، بعضها نشر وبعضها ما زال مخطوطاً إلى تضمين هذا الجانب من المعرفة بخطورة الدولة اليهودية في خطابه أمام قمة إستنطبول الإسلامية ويقول “هذا ما حذرنا منه على الدوام وأكدنا حرصنا على رفضه، ونسأل سؤالاً بريئاً .. من الذي يحرك الصراع الديني؟؟ من الذي اخترع المنظمات الإرهابية في العالم؟؟ كلنا نسأل وكلنا نعرف الجواب” ..
إذن الرجل يسأل سؤال العارف ويترك الأمر لمن أفرخ روعهم وخوفهم ليجيبوا بعد طول إنحباس الأنفاس الخائفة من الضغط والتي تحسب الحساب لخاطر عدو أمتها أكثر مما تحسب حساباً لشعوبها التي أرادوا تحويلها إلى مخلوقات تهتف بفضل الأنظمة وحكمتها !!!
الأمر الذي كشف عنه أبو مازن بوضوح وجرأة هو إصابة الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية بالإنفصام “أو الشيزفرينيا” على النحو الذي وصفه في خطابه، ففي الوقت الذي ينخرط الرئيس بإسمه وبإسم شعبه في محاربة الإرهاب في المنطقة والعالم وهذا دور عرفه العالم وأقره لأبو مازن بعد أن عقد معه شراكات وإتفاقيات بما فيها مع الولايات المتحدة .. وقد قال في هذا السياق .. “الموقف الأميركي في منتهى الشيزوفرينيا .. الإدارة الأميركية تتعامل معنا في كل شيء .. نزورهم ويزورونا ويدعموننا والكونغرس يعتبرنا إرهابيين .. من الصادق فيهم؟؟ الإدارة أم الكونغرس ؟؟ نحن نرفض قرارات الكونغرس والكلام هنا لأبو مازن وله أيضاً القول: الكونغرس أصدر 27 قراراً على أننا إرهابيون، ونحن بإتفاق رسمي مكتوب بيننا وبين الولايات المتحدة وبيننا وبين 83 دولة في العالم بروتوكولات محاربة الإرهاب، إحنا ضد الإرهاب .. نحن لسنا إرهابيين، هم إخترعوا الإرهاب” ..
نعم أيها الرئيس .. هم إخترعوا الإرهاب، ومن لم يصدق ففي العراق وسوريا وديار أخرى عربية وغير عربية البرهان .. هم من اخترعوا داعش وجدتها القاعدة وأخواتها وسلالاتها وأقاربها في النصرة وغيرها وقد يلد لهم أحفاد، فما زال في البئر ماء، وما زال ترامب يسقي شجرة الإرهاب رغم كل إدعاءاته وحلفائه أنهم في عملياتهم إنما يجففون منابع الإرهاب .. ليثبت أن كل ما قالته الإدارة الأميركية كان كلام حق أريد به باطل ..
لم يكن أشجع من أبو مازن في كشف هذه الحقيقة التي تجاوزها رؤساء وزعماء يرون شعوبهم تنزف بمثل هذا الإرهاب ومَن وراءه ويذهبون في نسبته إلى مسميات أخرى علموا أم لم يعلموا، نعم كلنا يعرف الجواب فليقولوها وراء من قالها بشجاعة ومن قدم لهم التشخيص الواضح ليعالجوا المرض ..
أما وقد “فحطت” الإدارة الأميركية وأخذت بالباطل وإنحازت إليه وخرجت على الشرعية بمواقف غير شرعية بشأن القدس، فإنها تجاوزت الخطوط الحمراء وفقدت أهليتها مما يحتم على العالم الوقوف في وجهها والخروج من صفها ووقف أي إلتزام معها في هذه المسألة ..
لقد نقضوا العهد وأداروا ظهرهم للإتفاقيات وأبطلوا المبروم منها وقد كشف الرئيس أبو مازن عن ذلك بقوله “نحن إتفقنا وإياهم إتفاقاً رسمياً على أن نقوم بعمل ما فيما يتعلق بالمنظمات الدولية أي لا ننتمي لبعض المنظمات الدولية شريطة أن لا تقوم أميركا بنقل سفارتها، لم تفعل شيئاً بمكتبنا في واشنطن لن توقف مساعداتها .. ستأمر إسرائيل بوقف الإستيطان ولكنها خرقت هذا..
إذن لم تنجح المقايضة وأبطلت إسرائيل الإتفاق الذي أعلن عنه أبو مازن .. وجاءت ردة فعله قوية مدوية “نحن سنخرق .. بذلك، ولن تلتزم بما إلتزمنا به” ..
إسرائيل إذن سجل من الجرائم قرأ أبو مازن على المؤتمرين شيئاً منه وقد أحس أردوغان حين أبتعد عن إنشائية الخطاب وقدم للمشاهدين في القاعة وعبر العالم خرائط فلسطين التي سطى الاحتلال على أرضها وصبغ خرائطها بإحتلاله لتغيب فلسطين ويحضر الإحتلال .. كان ذلك واضحاً، وكان مفجعاً أيضاً سلوك الاحتلال وتصرفاته من خلال قتل الاطفال وسحبهم من أحضان أمهاتهم، وحصار طفل صغير بأربعة عشر جندياً .. لقد قدم أردوغان للعالم شيئاً صادماً لكثير من دوله وحتى بعض من حضروا مما رأيناهم يوسعون بؤبؤ عيونهم وينتبهون لأقواله وكأنهم يسمعون عن مضمونه لأول مرة ..
وفي السياق الأردوغاني .. وتعميقاً له، قال الرئيس عباس “أن إسرائيل لم تحاسب على تدمير وطمس أكثر من (400) قرية وبلدة فلسطينية عن الوجود .. محتها من الوجود بل وفرقت جميع القرارات الدولية منذ عام 1948 وبما فيها القرار 181، 194، 242، 338، 478، وإلى القرار (2334) وهي لم تلتزم بقرار واحد حتى قرار التقسيم الذي أعطاها نسبة أمتدت لتأخذ 22% إضافية من أرض الدولة الفلسطينية” ..
والسؤال عند أبو مازن بعد طول إجابات وشرح وتفصيل، من الذي يحمي إسرائيل؟ ومن الذي يدعم مواقفها المعادية للشرعية الدولية؟ ويزيد في طرح الأسئلة من الذي يشجعها؟ ومن الذي يساعدها؟ ومن الذي وقف معها مؤخراً لينقل سفارته للقدس؟ ويقول القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرئيل؟ .. إنه .. ولم يترك وقتاً للإجابة فقال ترامب !!
ويستخلص الرئيس ليقول كيف لدول العالم السكوت على هذه الإنتهاكات في حق القانون الدولي؟ ويواصل طرح الأسئلة عن الإحتلال ونظام الأبارتهايد الذي تمارسه إسرائيل؟
ويفضح الرئيس إسرائيل واحتلالها بحملة من الحقائق ويوردها بالقول ” الأبارتهايد أو التمييز العنصري إنتهى في جنوب أفريقيا ولم يبقى إلا عندنا .. قانون لليهود وقانون إسرائيل .. شرعة لليهود وشرعة لنا .. نحن مختلفون عنهم في كل شيء، لدينا قوانين تطبق علينا ولديهم قوانين تطبق عليهم ما هذا ؟؟ .. ويجيب ويتردد صدى السؤال في أذهان السامعين لينتظروا ما يقول .. فيقول: “إنه الأبارتهايد ويجيب على شكل سؤال، هل يقبل العالم بعد 30 سنة من الأبارتهايد في جنوب أفريقيا أن يبقى لدى الشعب الفلسطيني ومن قبل هذه الدولة؟؟ ..
ثم يقول هناك قضية هامة .. ما هي ؟؟ سنجيب غداً مما يقول !!!