“القدسُ المحتلةُ هي عاصمةُ الدولةِ الفلسطينية. هذه حقيقةٌ لا يلغيها احتلالٌ غاشمٌ آيلٌ لا بد إلى زوال، ولا ينتقصُ منها قرارٌ أحاديٌ مرفوض، يتناقض مع كلِّ قرارات الشرعيةِ الدولية.
وقيام هذه الدولة حرةً مستقلةً ذاتَ سيادةٍ على خطوط الرابع من حزيران حقٌ ثابت، وحتميةٌ تاريخية، ستكسر عتمةَ ظلم الاحتلال، وستزيل أوجاعَه وآلامَه، وستخلّص العالمَ من لاإنسانيته، التي تتعرى يوميا تدميراً لراهنِ الفلسطينيين، وسرقةً لمستقبلهم.
ولن ينتصر العالم على التطرف والظلامية والإرهاب، إلا إذا انتصر الحقُ الفلسطيني على الباطل الإسرائيلي.
ذاك أن الإرهابَ يعتاش على استغلال الظلم والقهر. ولا ظلمَ أشدّ من الاحتلال.
ولا خطرَ أكبر، في يقين الأردنيين، من خطر تهديد هويةِ القدس. فهي عند الوصي على مقدساتها المسيحية والإسلامية، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، خط أحمر. هي عند الشعب الأردني القضية المركزية الأولى. القدس من عمان على مرمى البصر، محجٌّ ترحل إليها القلوب، والعقول، كلَّ يوم”.
ما سبق ليس كلامي بل هو اقتباس من كلام وزير الخارجية أيمن الصفدي خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية الذي عقد أمس في القاهرة.
شخصيا؛ كلام الصفدي يمثلني ويؤكد من جديد الموقف المحترم الذي اتخذه الأردن دوما حيال القضية الفلسطينية كأولوية أردنية، وما تعنيه القدس لكل أردني بدءا من الملك وليس انتهاء بأصغر طفلة أردنية خرجت في مسيرات الجمعة تعبيرا عن الغضب والرفض.
أخرجت جمعة الغضب الأردنية أبهى صور التلاحم الأردني، كيف لا وعنوان القصة القدس ورفض “أسرلتها” بقرار أميركي. كان الغضب ردا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل مستفزا كل صاحب ضمير.
هكذا هو الحال دائما في الأردن عند القضايا الكبيرة والمصيرية؛ نسقط كل التفاصيل ونرمي الخلافات والاختلاف خلف ظهورنا، لم لا طالما قضايانا الكبرى عادلة وموحدة.
من حق الأردني، بصراحة، أن يفخر بما جرى يوم الجمعة، وتحديدا حيال الانسجام في الموقف الرسمي المدروس بعناية شديدة والموزون بذكاء، والحالة الشعبية النبيلة، فالأول لم يتنازل عن أي من قناعاته رغم معرفة الجميع الظروف المحيطة به، والثاني عفوي يعبر عن مكانة القدس في وجدان الأردنيين.
وفي الوقت الذي يقدم الأردن موقفا واضحا رافضا للقرار، نرى مواقف مخجلة لدول عربية تؤكد لنا أن القدس وفلسطين والسلام ليست أولوية لديها، وما موقف الأردن القوي إلا انعكاس كبير لإدراكه ضعف الحالة العربية، ما جعل الموقف الاردني، على اختلاف مستوياته، واحدا حدّ التطابق، وكلل بكلام الملك الذي وصف به الأردنيين بأنهم نبض الأمة.
الأردنيون الذين خرجوا في كل المحافظات تناغمت مواقفهم مع القصر والحكومة منتفضين نصرة للقدس، وأيضا دفاعا عن حقهم وقناعاتهم بأن القدس عربية، وتزامن ذلك كله مع خطوات عملية للحراك الدبلوماسي الذي بدأ منذ لحظة إعلان القرار.
التحرك الدبلوماسي ومساحة الحركة كانا شجاعين، وأيضا مدروسين بعناية، بدءا من تغريدات على موقع “تويتر” لوزير الخارجية أيمن الصفدي، تؤكد عدم شرعية القرار، تلا ذلك دعوة أردنية لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب والتوافق على قمة إسلامية وعديد لقاءات لشرح المواقف وتنسيقها.
الموقف الأردني محترم لأنه يعلن مواقف واحدة في الغرف المغلقة كما في الاجتماعات العامة وما يخرج به على الإعلام، وهذا يزيد من احترام المجتمع الدولي له، لذلك سمعنا موغيريني وهي تتحدث عن الدور الذي يقوم به الأردن في تحقيق الأمن والاستقرار، كما وقف المجتمع الدولي رافضا قرار ترامب ومركّزا على دور الأردن وجهوده لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وبرعايته للمقدسات في القدس المحتلة.
لأنها القدس، ولأن عروبتها مهددة، ولأنها قضية مهمة ومصيرية، فإن ازدواجية المواقف مرفوضة، وأيضا ستكون مكشوفة. ولأنها القدس فإن التخاذل سيبقى وصمة في وجه من لم يدافع عنها. ولأنها القدس وقف الأردنيون شعبا وقيادة صفا واحدا كما هي العادة في الظروف الحالكة.