عروبة الإخباري – عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، صدر كتاب (المتن والهامش؛ مقاربات خاطفة في الفكر والسياسة) للأكاديمي والناقد الأردني الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق. والكتاب الذي يقع في (335) صفحة من القطع الكبير، يضم نحو 140 مقالة فكرية سياسية، تتوزع على قسمين، أفرد المؤلّف الأول منهما بعنوان (أحوال الفكر والسياسة في العالم المتقدّم) وقارب فيه السرد وسرديات الحادي عشر من سبتمبر من منظور ليوتارد فضلاً عن مقاربة السياسي في فلسفة هيجل وبورديووبرتراند رسل وداريدا وماركس وهنتجتون وإدوارد سعيد وفوكوياما وكونفوشيوس. كما أفرد الثاني منهما بعنوان (أحوال الفكر والسياسة في الوطن العربي) وقارب فيه موقف الإنسان العربي من الفلسفة ومفهوم الشخصية العربية وسيكولوجية الخوف والعنف والعقلانية العربية النقدية المعاصرة ممثلة بمحمد عابد الجابري وفهمي جدعان والبعد الإسلامي عند نجيب محفوظ والعولمة والحداثة وما بعد الحداثة العربية والإصلاح والإصلاحيين العرب ومشروع الدولة العربية الحديثة بين النهضة والاستبداد وثقافة التنوير وخريف المرأة العربية والربيع العربي المجهض.
الكتاب الذي أهداه مؤلّفه لـ(غرامشي وتفاؤل الإرادة رغم تشاؤم العقل) يعاين نقاط التقاطع الملتهبة بين الفكري والسياسي، غربًا وشرقًا. ففي إطار مقاربته لهيجل والفكر الهيجلي نقرأ ما يلي: (لقد اتسمت مواقف هيجل في شبابه بالتطرّف ومعاداة نظام الدولة البروسية، والحماسة الشديدة للثورة الفرنسية، على أن كلا من الفراغ والفوضى العارمين اللذين أعقبا سقوط إمبراطورية نابليون، دفعا بهيجل إلى اتخاذ مواقف جديدة ناسخة تمامًا لمواقفه المتطرّفة السابقة، جعلت منه المنظّر الأول للدولة البروسية. ورغم كل محاولات التشويش الفلسفي على هيجل أثناء حياته وبعد وفاته، من جانب بعض التيارات الفكرية في إنجلترا وفرنسا، والتي عكست قلق الإنجليز والفرنسيين جرّاء تصاعد المشروع الفكري السياسي الألماني، إلا أن هيجل والهيجلية استمرا عبر حركة (الهيجليين الشيوخ) في ألمانيا بطابعها اللاهوتي المحافظ، ثم عبر حركة (الهيجليين الشباب) في ألمانيا أيضًا بطابعها الليبرالي اليساري، ثم عبر (الحركة الهيجلية الجديدة) التي ظهرت وترسّخت في عقر دور خصوم ألمانيا وهيجل التاريخيين، السابقين واللاحقين؛ أي في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وأمريكا! وقد توّج هذا (الاقتصاص) بإقامة مركز عالمي للهيجليين الجدد عام 1930 حمل اسم (الاتحاد الهيجلي الدولي).
وفي إطار مقاربة الدكتور غسان عبد الخالق للجانب السياسي في فكر بيير بورديو نقرأ أيضًا: (لقد أضاف بيير بورديو إلى أشكال الملكية المعروفة والمتمثلة في رأس المال النقدي والتجاري… إلخ، رأس المال الثقافي الذي يرتكز أساسًا على نوعية التعليم ومدى القدرة الاقتصادية المالية للفرد أو الفئة الاجتماعية. لقد أبرز بيير بورديو إحدى حلقات التدوير الرئيسي لرأس المال عبر الاستثمار في ثقافة الأفراد والجماعات، والتي تعيد إنتاج رأس المال عبر مجموعة من الأفكار والقناعات الدافعة لعجلة التطوير الاقتصادي). وأما بخصوص الفيلسوف الفرنسي العتيد جاك داريدا، فإن غسان عبد الخالق يؤكد أن (حجم مسؤوليته عن انتقال تأثير مقولته (التفكيكية) من عالم الثقافة إلى عالم السياسة، لا يتجاوز حجم مسؤولية نوبل عن الاستخدام المدمِّر للديناميت؛ بدليل مناوأته للولايات المتحدة الأمريكية التي روّجت جامعاتها أفكاره في كل أرجاء العالم منذ عام 1966! وبدليل مقاومته للعولمة التي تقوم على تفكيك السيادات الوطنية للأطراف وتحويلها إلى مجتمعات ما بعد حداثية! وبدليل إدانته الصارخة لإسرائيل التي تمثل أكبر دليل على إمكانية تحوّل الهامش إلى متن! مع ذلك، فإن من الضروري بمكان، إدراك أسباب المقاومة الثقافية للتفكيك ما بعد الحداثي في فرنسا (فولتير) وألمانيا (هيجل) اللتين أدركتا مبكّرا أنهما رغم موروثهما السياسي والفكري الهائل، يمكن أن تكونا مرشّحتين للذوبان في المعدة (الإنجلوساكسونية) التي ما زالت تتمتّع بشهية عالية للاستعمار الثقافي والسياسي والاقتصادي).
ولخص الدكتور غسان عبد الخالق تجربته في كتابة المقال، والتي امتدت ثلاثين عامًا، فقال في تقديمه لكتابه الأحدث: (ما بين مقالي الأول: “موقف الإنسان العربي من الفلسفة”، ومقالي الأحدث “التنوير بأي معنى؟!”، كتبت ونشرت مئات المقالات في العديد من المجلات والصحف الأردنية والعربية. ومع أن كل رؤساء التحرير في كل المواقع الصحفية التي استكتبتني. قد حذّروني من الإمعان في الكتابة الفلسفية، لأسباب تتعلّق بالخوف من الإثقال على القارئ، إلا أنّني أعتزّ بأن جل ما كتبته، وبغض النظر عن الموضوع، قد كان مهجوسًا على الدوام بفكرة فلسفية ما؛ إذ ظلت الفلسفة وبعض الفلاسفة، على مقربة كافية ممّا أكتب، سواء كتبت في الأدب أو في النقد أو في السياسة أو في التاريخ أو في المجتمع.
وأما بخصوص العنوان الرئيس (المتن والهامش) الذي آثر المؤلّف أن يوشح به كتابه فإنه يؤكد أن القارئ المدقّق (سوف يلاحظ مدى تغلغله في ثنايا المقالات بصور متعدّدة؛ فتارة يرد بصيغة المركز والأطراف، وتارة يرد بصيغة الرسمي وغير الرسمي، وتارة يرد بصيغة السياق والتفاصيل، وتارة يرد بصيغة الأصل والفرع). ويتابع عبد الخالق موضحًا: (لقد شغلتني ثنائية (المتن والهامش) وما زالت تشغلني، لأسباب فكرية وسياسية، إلى الحد الذي يمكنني الزعم معه بأن التاريخ البشري برمّته، ليس إلا مجموعة من الصراعات والتجاذبات التي تهدف إلى التشبث ما أمكن بالمجال الحيوي للمتن، والابتعاد ما أمكن عن المجال الحيوي للهامش. ولا أستثني من هذا الانطباع إلا المفارقة التي ينطوي عليها فكر ما بعد الحداثة، وأعني بها الاتجاه ما أمكن لإسباغ البطولة على التفاصيل والهوامش، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا).
وجدير بالذكر أن الناقد والأكاديمي الأردني الدكتور غسان عبد الخالق يرأس جمعية النقاد الأردنيين كما يعمل عميدًا لكلية الآداب والفنون في جامعة فيلادلفيا الأردنية. وقد صدر له حتى الآن في حقل السرد:نقوش البياض، ليالي شهريار، ما تيسـر من سـيرته، بعض ما أذكره، لذّة السّرد. كما صدر له سابقًا في حقل الفكر والنقد: الزمان، المكان، النص: اتجاهات في الرواية العربية المعاصـرة في الأردن، مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني، الأخلاق في النقد العربي: من القرن الثالث حتى القرن السادس، جهة خامسة: دراسات تطبيقية في أدب نجيب محفوظ، الدولة والمذهب: دراسات في الفكر العربي والإسلامي قديماً وحديثاً، الغاية والأسلوب: دراسات وقراءات نقدية في السـرد العربي الحديث في الأردن، بين الموروث والنهضة والحداثة: صور من جدل النقد في الأدب العربي، ثلاثاء الرّماد: مقالات حول الغرب والعرب في عام الحقيقة، الثقافة والحياة العربية: معاينات في ضوء مقولة صدام الحضارات وتحديات العولمة، تأويل الكلام: دراسات تطبيقية في الشعر وأحوال الشعراء، حنين مؤجَّل: دراسة، مقالات، حوارات مع احسان عباس، الأعرابي التائه: مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية، الرَّمز والدلالة: مقاربات تطبيقية في الشعر العربي، بساط الريح: دراسات تطبيقية في أدب الرحلات، الصوت والصدى: مراجعات تطبيقية في أدب الاستشـراق.