عروبة الإخباري- كتب المعلق روش روغين في صحيفة “واشنطن بوست” قائلاً: “في الوقت الذي تحتفل فيه إدارة ترامب باتفاقية جديدة لتجميد النزاع في جنوب سوريا، يحضر نظام الأسد وإيران للمرحلة المقبلة من الحرب الطويلة وسيحاولان فيها غزو بقية البلد”. وسواء نجحت إيران أم لا فهذا يعتمد بالضرورة على اعتراف الولايات المتحدة بالواقع ومن ثم تحضر لمواجهة هذه الإستراتيجية. وقال الكاتب إن إيران تقوم بإرسال آلاف المقاتلين للمناطق التي تمت السيطرة عليها في الفترة الأخيرة إضافة لبناء قواعد عسكرية هناك. وبرغم دعم الولايات المتحدة لقوات شرق نَهَر الفرات، جنوب – شرق البلاد وكذا في جنوب – غرب البلاد إلا أن إيران عبرت عن موقفها الواضح أنها ستساعد الأسد على استعادة كامل سوريا. وشوهد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني في الفترة الأخيرة بشرقي سوريا في مدينة دير الزور، بشكل يظهر الأولوية التي تضعها إيران من أجل استعادة المناطق الغنية بالنفط في شرق البلاد.
كما شوهد سليماني في بلدة البوكمال قرب الحدود السورية مع العراق ومقابل بلدة القائم التي تعد أخر قطعة في الممر البري الذي تعمل إيران على بنائه ويمتد من طهران إلى بيروت. ويشير الكاتب إلى أن الاتفاق الذي عقده ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آسيا قدم على أنه محاولة للتأكد من عدم وقوع المناطق “المحررة” في أيدي نظام الأسد ويعبد الطريق أمام خروج القوات الأجنبية من البلاد. ولكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن بلاده لا خطط لديها لكي تضغط على إيران لإخراج قواتها من سوريا.
ما العمل؟
ويتساءل الكاتب عما يجب أو يمكن عمله؟ ويشير في هذا السياق إلى تقرير أعدته مجموعة من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين العسكريين السابقين وفيه اقتراحات حول ما يمكن لترامب عمله كي يمنع إيران من السيطرة على ما تبقى من المناطق “المحررة” ويحقق ما وعد به وهو احتواء التأثير الإيراني بالمنطقة. وأشار الكاتب إلى ما جاء فيه “ما يجب عمله عاجلاً وهو أن تقوم الولايات المتحدة بوضع عراقيل أمام بحث إيران عن النصر النهائي لنظام الأسد في سوريا”. وصدر التقرير عن المعهد اليهودي للأمن القومي للولايات الأمريكية “الوقت من ذهب”.
ـ أولاً دعا إلى إعلان أمريكا استراتيجيتها الواضحة في سوريا وأنها لا تريد الخروج من البلاد بعد هزيمة تنظيم “الدولة”. ويجب أن تظل القوات الأمريكية على الأرض وفي الجو من أجل التأكد من عدم ظهور “تنظيم دولة جديد” ولا يسيطر الأسد على كامل البلاد، إضافة لتقديم الأمن ودعم إعادة الإعمار في البلاد.
– ثانياً دعا التقرير إدارة ترامب لزيادة مساعدتها للمجتمعات السنّية التي تتمتع بالعيش خارج حكم الأسد ومساعدة الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة التي تسيطر على مناطق مهمة في جنوب البلاد. ويمكن لهذه المناطق أن تقدم منافع اقتصادية للجماعات المحلية وتعطيها نفوذاً سياسياً أيضاً.
– ثالثاً يدعو التقرير الولايات المتحدة العمل مع القوى الإقليمية لمنع إيران نقل السلاح والمقاتلين إلى سوريا. وهذا يعني اعتراض الشحنات في وسط البحر والتأكد من سيطرة الجماعات المدعومة من واشنطن على المعابر الرئيسية على الحدود مع العراق. وبهذه الطريقة يتم وقف العدوان الإيراني من دون الحاجة لخوض حرب مباشرة مع طهران. وقال الجنرال الجوي المتقاعد تشارلس وود الذي يشارك في إدارة مجموعة المهام الخاصة هذه “نحن بحاجة إلى تخفيض قدرة إيران على بناء هلال تأثير” و”نريد مواضلة بناء تحالفنا مع الدول التي تشاركنا الموقف”. ويقول الكاتب إن ترامب محق عندما يصف الوضع في سوريا بالرهيب خاصة أن سلفه باراك أوباما تعامل ودعم بتردد الجماعات المعارضة هناك وأقام دبلوماسيته على الأماني من دون أن يكون لديه تأثير وهو ما قاد للوضع الحالي. لكن على ترامب أن لا يعيد تكرار أخطاء أوباما في سوريا. ويقول السفير الأمريكي السابق في تركيا “لدينا هنا كل أنواع الأوراق للعبها لو كان لدينا الذكاء والحكمة للعبها”. وبرغم عدم وجود شهوة لدى الولايات المتحدة لإطالة أمد الحرب في سوريا إلا أن ذكريات الخروج من العراق عام 2011 لا تزال حاضرة في الأذهان. وتعهد وزير الدفاع جيمس ماتيس بعدم الخروج لمنع ظهور تنظيم دولة رقم 2 وحتى تبدأ العملية السياسية ولكنه لم يقل شيئاً حول مواجهة التهديد الإيراني.
مصالح
ويعلق الكاتب أن مصالح الأمن القومي الأمريكي واضحة فسيطرة إيرانية طويلة على مناطق حررت من النظام وتنظيم الدولة يهددان الاستقرار ويغذيان التطرف بشكل يطيل أمد الأزمة. وقال معاذ مصطفى، مدير لجنة المهام الخاصة السورية “كان التحالف الأمريكي والدول المشاركة فيه عاملاً مهماً في هزيمة تنظيم الدولة ولكن تحرير السوريين من تنظيم الدولة ووضعهم في يد إيران سيطيل مسألة التطرف في البلد”. ويختم بالقول: “قيل لنا بشكل دائم أن لا حل عسكرياً للأزمة السورية وهذا صحيح. وما هو صحيح أن لا حل دبلوماسياً ممكناً طالما ظلت إيران والأسد يبحثان عن النصر العسكري من دون أية مواجهة”.
“وول ستريت جورنال”: سوريا والعراق ميدان المواجهة مع إيران ومن دون استراتيجية سيتصرف الحلفاء بمفردهم
في مقال مشترك لكل من كينث بولاك من معهد أمريكان انتربرايز وبلال صعب، مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في صحيفة “وول ستريت جورنال” قالا فيه إن استراتيجية إيران التي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية الشهر الماضي تحتاج لتعديل في ضوء التطورات الأخيرة بالمنطقة. وقالا إن استقالة سعد الحريري من رئاسة وزراء لبنان والهجوم الحوثي على السعودية هما علامتا جلبة مرتبطة بالتهديد الإيراني الذي عبرت الدول الإقليمية الحليفة عن مخاوفها منه. فمن دون مبادرة بقيادة أمريكية للحد من تأثير إيران بالمنطقة فستظل الدول الحليفة لأمريكا تتصرف بناء على قراراتها الفردية وبالتالي تزيد من المشاكل الإقليمية. ولهذا السبب تعتبر استراتيجية إدارة دونالد ترامب التي أعلنت عنها الإدارة الشهر الماضي مهمة. وهي جزء من الجهود لصياغة استراتيجية شاملة.
وأهم ملمح ذكي في الاستراتيجية هي اعتراف الإدارة بأن الحد من نشاطات إيران النووية لن ينهي التصرفات العدوانية للنظام الإيراني بالمنطقة. ومع ذلك فهناك طرق جيدة وسيئة من أجل وقف التأثير الإيراني بالمنطقة. وعلى ما يبدو تركز الإدارة على الطريقة السيئة. وتظل سوريا والعراق المكان الذي يمكن فيه تطبيق استراتيجية إيران وليس اليمن أو لبنان وبالتأكيد ليست الاتفاقية النووية. ويقول الكاتبان إن إيران وضعت ثقلها كله في سوريا وفي الوقت الذي تربح فيه إلا أنه انكشفت وبشكل كبير. فهي لا تستطيع ترك نظام الأسد ينهار بشكل يأخذ معه حزب الله وبالتالي خسارتها التأثير الذي استثمرت فيه وبقوة بمنطقة الشرق. ومن هنا فقد تستفيد الإدارة الأمريكية من هذا الوضع وتقوم بزيادة الدعم للمعارضة السورية من أجل استنزاف دمشق وداعميها الإيرانيين، بالطريقة ذاتها التي استنزفت فيها الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي عندما دعمت المجاهدين الأفغان في الثمانينيات من القرن الماضي. وهذه السياسة لو تم تبنيها فستتناقض مع موقف ترامب القاضي بغسل يديه نهائياً من سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة.
وفي العراق فإن إيران لا تسيطر بشكل كامل عليه. وهناك الكثير من العراقيين بمن فيهم رئيس الوزراء حيدر العبادي من الذين لا يريدون العيش في ظل إيران. ومن هنا فدعم هؤلاء يعتبر استثماراً أمريكياً كبيراً بعد هزيمة تنظيم الدولة بما في ذلك قوة عسكرية ودعم اقتصادي لتقوية دعاة المصالحة السياسية. وفي العراق يبدو أن الإدارة معنية فقط بترك قوة صغيرة من دون أي دعم اقتصادي جديد.
ويرى الكاتبان أن جلوس واشنطن متفرجة ولوم الأكراد في الوقت الذي خططت فيه إيران للهجوم على كركوك لن يساعد أيضاً. بل ستقنع القادة العراقيين أن إيران يمكنها التحرك وتستطيع أما أمريكاً فلا. أما بالنسبة لبقية زوايا رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط فلا يوجد شيء مهم لطهران فيها قدر أهمية سوريا والعراق. فلا اليمن ولا البحرين مهمان ولا لبنان حيث ستؤدي مواجهة إيران إلى تفكيك التوازن الحساس للبلد. ويعتقد الكاتبان أن محاولة إدارة ترامب الضغط على إيران من خلال الاتفاقية النووية لمواجهة إيران تفكير غير صحيح لأن غالبية الموقعين الدوليين عليها ملتزمون بها. وأية محاولة لإعادة التفاوض حولها سيؤدي لانهيار اتفاق مفيد وإن لم يكن كاملاً. والمدخل الأحسن هو استخدام النفوذ الذي تم تحقيقه لحد الطموحات الإيرانية التوسعية في المنطقة والتفاوض على اتفاق يوسع صلاحية الاتفاقية أبعد من 10-15 عاماً.
ويختم الكاتبان مقالتهما بالقول إن الإدارة التزمت من الناحية الرسمية الصمت حول كيفية تنفيذ استراتيجيتها لمواجهة توسع إيران. وفي أحاديث خاصة مع مسؤولين أمريكيين اعترفوا أنهم غير قادرين على ملء الثغرات في الاستراتيجية لعدم التوافق داخل الإدارة حول التعامل مع الموضوعات المتعلقة بإيران. وحتى يتحقق هذا تظل الاستراتيجية مجرد طموح. ولو تم ملء الفراغات بإجابات خطأ فالنتيجة ستكون كارثة. ولو لم يفعلوا فإن شركاءنا بالمنطقة سيقومون بالتصرف بمفردهم والنتيجة ستكون أزمات جديدة وتصعيداً للأسوأ.(وكالات)