ذا أتلانتك: كيف أسهمت إيران في ولادة تنظيم القاعدة على نمط حزب الله وفيلق القدس

عروبة الإخباري- ما هو دور إيران في إعادة تنظيم القاعدة بناء نفسه؟ يرى كل من أدريان ليفي وكاتي سكوت – كلار بمقال بمجلة “ذا أتلانتك” أن تنظيم القاعدة الذي اختفى وسط ضجة الاهتمام بتنظيم الدولة يعيد ترتيب نفسه.  وقال مؤلفا كتاب خاص عن عائلة مؤسس تنظيم القاعدة بعنوان “المنفى” إنه في الوقت الذي تتساقط فيه معاقل تنظيم الدولة واحدا بعد الآخر: الموصل ثم الرقة ودير الزور وبالتالي تنتهي تجربة الدولة التي قامت على القتل والإعدام والاغتصاب والعبودية يعود للأضواء إرهاب جديد قديم.

سر مفتوح لم تتحرك ضده أدارة أوباما

وبرغم الحملة التي قادها الغرب “ضد الإرهاب” التي تعتبر الأوسع في تاريخه فقد استطاع القاعدة النجاة وتنمية نفسه والازدهار ولم يكن هذا ليحصل لولا الحلف الذي أقامه مع إيران. وأشار الكاتبان إلى ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول العلاقة من أجل تبرير عدم المصادقة على الاتفاقية النووية الموقعة معها عام 2015.  واقترح مدير الاستخبارات الأمريكية مايك بومبيو أن العهد الذي قام بين  إيران والقاعدة كان سرا يعرفه الجميع أثناء إدارة الرئيس باراك أوباما التي لم تتحرك ضده. وتبدّى الدور الإيراني أكثر وأكثر مع نشر سلسلة من الوثائق التي تمت حيازتها من مأمن زعيم القاعدة أسامة بن لادن في آبوت أباد، الباكستان ووثيقة من 19 صفحة تصف ملامح هذه العلاقة ومفاوضات عقدت بينه والحرس الثوري من أجل تدريب وتسليح عناصر فيه  للقيام بهجمات ضد مصالح أمريكية في السعودية ودول الخليج، وحتى زواج حمزة بن لادن في إيران. لكن المعلقون يرون أن توقيت نشر الوثائق والتركيز على رابطة بين الجمهورية الإسلامية الشيعية وتنظيم سنّي ما هو إلا محاولة مبالغ فيها من الإدارة وحلفائها لتبرير السياسة المتشددة التي أعلنها الرئيس ترامب ضد إيران. ويقول الكاتبان إنهما جمعا أدلة جديدة حول العلاقة من خلال مقابلات وعلى مدار خمسة أعوام مع عناصر بارزة في التنظيم وعائلة ابن لادن وتقدم تاريخا مدهشا لمرحلة ما بعد 9/11  وتقوض النظرة المعروفة عن العلاقة بين الطرفين. وكشف البحث الذي أجرياه عن أن  تنظيم القاعدة ومسؤولين يمثلون الدولة العميقة في داخل إيران حاولوا التوصل لاتفاق قبل عقدين من الزمان وبعد رفض صدام حسين مساعدة القاعدة العسكرية له. وقد تطورت العلاقة في ظل إدارة جورج دبليو بوش حيث قام مسؤلون بمناقشتها في قنوات سرية بالفترة  بين 2001 – 2003. وقال مسؤولون سابقون في الخارجية والبيت الأبيض إن مكتب نائب الرئيس في حينه رأى عدم فعل أي شيء خشية أن تتأثر التحضيرات الأمريكية لإطاحة نظام صدام حسين المتهم بدعم القاعدة وتطوير أسلحة الدمار الشامل. وحسب المصادر نفسها فقد أخبر مكتب نائب الرئيس المبعوث الأمريكي لإيران  وأفغانستان أن إيران سيأتي عليها الدور بعد نجاح حملة تغيير النظام في العراق.

تغيير في المسار

ويقول الكاتبان إن نقطة البداية في إعادة بناء القاعدة بدأت في 12 تشرين الثاني /نوفمبر 2001 عندما قرر ابن لادن الذهاب لمخبئه في تورا بورا وفي جلسة وداع أخبر زوجاته أنه يريد حياة مختلفة لأبنائه. وحسب زوجته سهام فقد طلب منهن عدم تشجيع الأولاد الانضمام لهذا “الجهاد”. ومع مضي ابن لادن لمغارته وتهريب عائلته للباكستان قام أحد المسؤولين البازين في القاعدة بالسفر إلى إيران. وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر 2001   قام محفوظ بن الوليد (أبو حفص الموريتاني) بركوب حافلة من كويتا الباكستانية واتجه نحو إيران. وهو من قدم الرواية للمؤلفين في أكثر من مقابلة موسعة. وسافر الباحث الموريتاني بوثيقة مزورة باسم  “الدكتور عبدالله” الذي يقوم بمعالجة اللاجئين الأفغان. وكان يحمل حقيبة مليئة بالدولارات وعلى شبّاك الحافلة صورة لابن لادن المطلوب القبض عليه. وأصبح محفوظ من قادة القاعدة وعضوا في مجلسها الشرعي. وعندما سافر إلى طهران كان اسمه على قائمة الأمم المتحدة ومطلوبا من مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) للتحقيق معه حول المساعدة اللوجيستية التي قدمها لمنفذي هجومي شرق أفريقيا على سفارتي أمريكا  عام 1998. وهاجمت سي آي إيه منزله في الخرطوم عام 1998 حيث كانت تحقق بدوره في تزوير الوثائق وغسل الأموال وكذا محاولاته جمع أموال ابن لادن وإرسالها إلى أفغانستان. واستطاع الهروب قبل دقائق من وصول  عملاء المخابرات الأمريكية وظل هاربا منذ ذلك  الوقت. وكان محفوظ يأمل في رحلته لإيران إقناع المسؤولين الأمنيين منح القاعدة ملجأ آمنا لقادتها  ولعائلة ابن لادن. ويتساءل الكاتبان عن السبب الذي دفع مجموعة سنّية البحث عن  دعم في دولة شيعية. ويجيبان إنها الجغرافيا والسياسة والتاريخ. فقد كان هناك عدد من قادة التنظيم ومقاتليه يختبئون في منطقة بلوشستان القريبة من الحدود مع إيران بمن فيهم عائلة ابن لادن. كما أن محفوظ يعرف المنطقة فقد كان في إيران عندما رفض صدام حسين عرض القاعدة للتعاون في عام 1995 وبالمقابل كان فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري مفتوحا للتعاون وعرض كما  يقول الموريتاني تدريب عناصر القاعدة في معسكرات يديرها حزب الله وممولة من الفيلق الإيراني في وادي البقاع اللبناني. ولا يوجد ما يشير إلى أن الاجتماع في عام 1995 أثمر تعاونا إلا أن الأبواب فتحت. وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر 2001  وصل محفوظ إلى معبر تفتان الحدودي وكان في استقباله عملاء من قوة أنصار المهدي داخل فيلق القدس. واستطاع لاحقا الاجتماع مع قائد الفيلق الجنرال قاسم سليماني. وحسب مسؤولين أمريكيين كانوا يعملون في شؤون جنوب آسيا وأفغانستان في وزارة الخارجية والبيت الأبيض لم تكن إيران مستعدة للتعاون الكامل. ولهذا اتصلت وزارة الخارجية الإيرانية الخائفة من عملية عسكرية ضد بلادها بعد الانتهاء من العراق، مع المسؤولين الأمريكيين. وفي المؤتمرات الدولية التي عقدت في ألمانيا وجنيف وطوكيو لإعادة بناء أفغانستان في مرحلة ما بعد طالبان تقدم المسؤولون الإيرانيون للأمريكيين بسلسلة من المحفزات مقابل تطبيع العلاقات. وكان فيلق القدس يأمل بوصول قادة القاعدة تباعا وعندها ستكون فرصة أمام إيران لعرض تسليمهم لأمريكا. ويتذكر المسؤولون الأمريكيون الذين شاركوا في المحادثات أن إدارة بوش رفضت العرض بشكل قاطع خاصة أن الإدارة وضعت الجمهورية الإسلامية ضمن “محور الشر” وذلك في خطاب حالة الأمة الذي ألقاه بوش في كانون الثاني/ يناير 2002.

الترحيل

وحسب محفوظ وآخرين في القاعدة إضافة لأفراد عائلة ابن لادن ومسؤولين في الحكومة الأمريكية، فقد  حصل الموريتاني على الضوء الأخضر لمنح القاعدة الملجأ الآمن داخل إيران.  ولهذا قام بالاتصال مع بقايا مجلس القاعدة في كويتا  وتم الاتفاق على نقل نساء القادة وأبنائهم والجنود والمتطوعين من الصفوف الدنيا  أولا . وتم وضع النساء والأطفال في فندق الحوزة من أربع نجوم في شارع طالقاني بطهران. أما الرجال غير المتزوجين فقد وضعوا في فندق أمير. ومنحت قوة القدس هؤلاء الرجال هُويات مزورة للسفر كشيعة إيرانيين للاستقرار في بلدان أخرى أو المشاركة في حروب جديدة. ووصلت الموجة الثانية بداية صيف عام 2002 وضمت قادة كبار يرغبون بالإقامة في  إيران. وفي مقدمتهم أبو مصعب الزرقاوي الذي أسس تنظيم القاعدة في العراق. وكذلك سيف العدل، العقيد السابق في القوات المصرية الخاصة وسافر باسم مستعار وهو إبراهيم. ورافقه أبو محمد المصري وسافر باسم داود الشيرازي، وهو لاعب كرة قدم سابق ومطلوب من أف بي آي لدوره في تفجيرات شرق أفريقيا. ورافقهم أيضا أبو مصعب السوري، المنظر الاستراتيجي المعروف. وبعد تأكد الموريتاني من أن الاتفاق قائم دعا عائلة ابن لادن التي وصلت منتصف في عام 2002  وتم إسكانهم في بيت كبير بمدينة زبول على الحدود مع الباكستان ويعيش فيها عرب تنتشر فيها اللغة العربية كلغة وسيطة. ولكن حمزة لم يكن قادرا على التأقلم مع الحياة. وكتب لوالده إنه يرى سهام الخطر في كل اتجاه ينظر. وفي منتصف عام 2003 قام فيلق القدس بجمع حمزة وإخوانه وأخواته والأمهات وقادة القاعدة العسكريين والدينيين ونقلوا إلى  مركز محصن للتدريب كان قصرا للشاه في طهران. ولم يحضر سوى الزرقاوي وجماعته من مدينته الزرقاء في الأردن. وقام فيلق القدس بتمويلهم ومنحهم أسلحة ونقلوا إلى بغداد عبر كردستان حيث بدأوا استهداف القوات الأمريكية. ولم يكن المستقبل واضحا لعائلة ابن لادن والبقية التي ظلت إيران حيث ظلت إيران تعرض تسليمهم للولايات المتحدة التي رفضت العرض، ومنها لقاء تم في نيسان /أبريل 2003 بسويسرا.

الهروب

وبحلول عام 2006 استعادت عائلة ابن لادن نشاطها وقررت الوصول إلى زعيم القاعدة في أي مكان يختبئ فيه. واقترح حمزة أن يذهب أولا، لكن العائلة صوتت ضده خاصة أنه كان في سن الـ 19 عاما وكان ضعيفا وأنجبت زوجته حديثا ولدا. وبدلا من ذلك قرر سعد الأخ غير الشقيق الخروج في قرار كارثي كلفه حياته حيث قتل بغارة أمريكية عام 2009 بمنطقة وزيرستان. وحاولت إيمان ابنة ابن لادن من زوجته نجوى. ففي أثناء زيارة للسوق غافلت الحارس لها وارتدت زيا إيرانيا وهربت. وعندما وجدت أن العثور على والدها رحلة محفوفة بالمخاطر هربت إلى سوريا حيث تعيش والدتها هناك. واضطر فيلق القدس عام 2010 السماح لعائلة ابن لادن المغادرة ولكن بعد اختطاف القاعدة دبلوماسيا إيرانيا والسماح لحمزة وأمه مغادرة مركز التدريب. وطلب حمزة إرساله وأمه إلى قطر حيث كان يريد متابعة دراسته هناك إلا أن فيلق القدس نقله إلى الحدود مع الباكستان. ووصلت والدة حمزة إلى أبوت أباد أخيرا أما هو فقد اختبأ بنمطقة وزيرستان مع زوجته حيث كتب لوالده من هناك. وقبل دهم القوات الخاصة مقر والده بأيام سمح قادة التنظيم له بالمغادرة والذهاب إلى هناك. ولم يقض مع والده سوى 12 ساعة وبعدها حضرت القوات الأمريكية. أما عن البقية الذين ظلوا في إيران فقد استطاع محفوظ التسلسل من المكان والعودة إلى بلاده عام 2012. وظل سيف العدل وعدد آخر حتى عام 2015 حيث قامت قوة القدس بنقل بعضهم إلى سوريا للمشاركة في قتال تنظيم الدولة وكان أهمهم أبو الخير المصري وأبو محمد المصري وعدد من أتباع الزرقاوي. وكانت الخطة هي قيام هؤلاء الاتصال بتنظيم الدولة والعمل على شقه. الوحيد الذي بقي في إيران هو سيف العدل حيث نقل إلى بيت آمن في منطقة طهران التاسعة مع زوجته الحامل. في هذه الأثناء بدأ أيمن الظواهري الباحث عن نصر دعائي بترتيب صعود حمزة بن لادن الذي لم يطلق ولا رصاصة واحدة في حياته، ولكنه سجل عددا من الأشرطة. بعد تدمير القاعدة على يد الأمريكيين وخسر شعبيته بصعود تنظيم الدولة وتوزع بين باكستان وإيران وسوريا إلا أنه قام بهدوء بإعادة بناء نفسه. واستدعى جنوده الذين اختلطوا مع الجماعات المعارضة للنظام السوري وخفف من نبرته الوحشية التي ارتبطت بالزرقاوي. ووجد القاعدة في حزب الله وفيلق القدس نموذجا لكيفية التطور والبناء.(وكالات)

Related posts

الإسكوا تنظم المنتدى العربي الأول لتحديث الإدارة العامة في عمّان لتعزيز الشفافية والابتكار الحكومي

اجتماع تحضيري لوزراء الخارجية اليوم قبيل القمة العربية والإسلامية في السعودية

جيش الاحتلال يقترب من إعلان انتهاء عمليته البرية بلبنان