عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب: ظلت سلطنة عمان ومن خلال سياسات مدروسة توظف فائض دبلوماسيتها المتوازنة لصالح الأطراف الخليجية في مجلس التعاون إما بالنصيحة أو بالوساطة أو المشاركة على قاعدة إستقلال الموقف والقرار العماني، وهذا ما كنا نسمعه ونراه في إنعقاد دورات مجلس التعاون الخليجي على مستوى القمم ومستوى وزارء الخارجية أو حتى غيرهم من وزراء.
ظلت التغريد العماني ينتظم النوتة الموسيقية الخليجية ويقبل الجمع لا القسمة والتوسط لا الإنحياز، فالعمانيون من شاركوا في وضع “النوتة” السياسية الخليجية في وقت مبكر حريصين على عدم العبث فيها حتى لا تخرج أي معزوفة نشاز أو مشوهة أو على غير القصد.
الموقع الجغرافي والجيوسياسي العماني مهم وقد جرى توظيفه في خدمة الكتلة الخليجية الجغرافية والسياسية حين آمنت عمان بضرورة أن يظل الطريق إلى الجارة طهران سالكاً، لانها تدرك مدى خطورة إنسداد هذا الطريق أو إغلاقه أو وضع الألغام فيه بخلط الأوراق أو تعكير المياه، وتدرك سلطنة عمان وحتى دول مجلس التعاون في معظمها أن هناك أطراف أقليمية ودولية مع وجود إنهيارات في الطريق إلى طهران.
إنغلاق طريق طهران أدى إلى إحتقانات وتورمات نعيشها اليوم، وليس صحيحاً أن الطاقة التي يأتي منها الريح يمكن سدّها وتستريح، خاصة إذا كان الهواء ضرورياً وإغلاق النوافذ يسبب تراكم المشاكل، ففتح النوافذ في هذا الزمن يجنب المجتمعات كما الأفراد الكثير من الإشكالات ..
سلطنة عمان وقبل حرب اليمن وإستفحال التدخل الغربي في شؤون مجلس التعاون وقبل محاولة الهيمنة على المجلس من جانب الدولة الأكبر لصالح تحالفات دولية بدت الأن مكشوفة، السلطنة كانت حذرت و رفعت صوتها وسجلت مواقف محفوظة نشرناها وتحدثنا عنها، ولكن لم تكن بعض أطراف المجلس تعير المزيد من الأهتمام لتحذيرات الموقف العماني إلى أن وقعت الفاس في الراس، فاستفحلت الحرب في اليمن وقد ضاعت الآن مفاتيح الخروج منها، كما وقعت الأزمة مع قطر والتي لم تجد لها حلاً وها هو الإستقطاب فيها يتزايد، وهناك أزمات تتفاقم وتجر أخرى، وقد بذلت عمان جهداً كبيراً قبل وقت في سبيل حل المشكل اليمني، واستقبلت وفوداً من الطرفين وسعت لدى الأطراف المشتبكة وكانت زيارة المسؤول العُماني الأخيرة للرياض في هذا السياق..
أخذت سلطنة عمان دائماً ولاسباب سياسية واجتماعية وحتى مذهبية بالاعتدال والحياد الايجابي حين يلزم ذلك. وبالاستجابة لطلب التدخل والمساعدة حين يلزم ذلك أيضاً، وهناك قائمة من المواقف العمانية في هذا السبيل أوسعت عمان من خلال دبلوماسيتها الخارجية المقدرة ذات المصداقية للتوسط بين إيران والسعودية لصالح السعودية وحتى بين الولايات المتحدة وإيران لصالح أمن مجلس التعاون الخليجي وظلت الزيارات العمانية – الإيرانية وبالعكس والتي تمت على مستوى القمة توظف لصالح تخفيف التوتر في دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران وتحملت مسقط الكثير من الإساءات مما كان فوق الطاولة وتحتها لأنها كانت تدرك أن هناك أطراف دولية تريد زج دول مجلس التعاون الخليجي في قضايا دولية خاسرة.
لقد أدركت سلطنة عمان أنه ليس من الضرورة أن يسرج مجلس التعاون الخليجي خيوله خلف الولايات المتحدة لمعاداة إيران وفي نفس الوقت لم تتردد سلطنة عمان في نقد الموقف الإيراني وتحذيره حين كان يلزم ذلك .. وخاصة في مظاهر هذا الموقف في الساحات العربية ..
سلطنة عمان ليست مسؤولة عن التجاذبات الحادة في مجلس التعاون وقد حذرت من ذلك .. ورأت في المبادرة الكويتية التي قادها سموّ أمير البلاد الشيخ صباح ما يسد وما يغني وما يمثل دورها ولكن هذه المبادرة الكويتية رفعت الراية البيضاء، واستسلمت حين أمعنت الاطراف في الحرب وصبت المزيد من الزيت، وحين رأت المملكة العربية السعودية أنها بالحسم العسكري تمنع المخاطر الإيرانية التي تقول أنها تتفاعل في اليمن ..
مجلس التعاون مهدد بالإنقسام، والتفتت ليس من مواقف الذين ظلوا في الحياد الايجابي أو دعوا إلى الوساطة أو التهدئة، بل من الأطراف التي استعملت لعبة شدّ الحبل و واصلت هذه اللعبة لصالح قوى دولية معتقدة أن السواعد الدولية في شد الحبل ستضمن لها الفوز وهذا لم يصح تاريخياً لا في الماضي ولا في الحاضر ولن يصح مستقبلاً ..
لدى إيران مشروع منذ ثورتها، وليس لدى الأطراف الاخرى مشروعاً مقابلاً، وهي لا تريد أن تقيم مثل هذا المشروع لانها تعتقد أن رهانها سيظل على الاجنبي الذي خذل قضايا المنطقة أكثر من مرة أن في سوريا او اليمن أو لبنان أو ليبيا ..
المطلوب أن تحافظ سلطنة عمان على مواقفها الواضحة، وأن تظل تحذر وتنادي الصف الخليجي إلى العودة الى الإنتظام بعيداً عن الانحياز ووضع البيض كله في السلة الاميركية كما رأينا في مؤتمر الرياض العربي الإسلامي، والذي تحولت نتائجه إلى مزيد من التعقيدات والصراعات آخرها الصراع مع قطر ..
اعتقد كمراقب أن لدى سلطنة عمان كثيراً من التحفظات على سياسات بعض دول مجلس التعاون، ولان السياسة العمانية هادئة، فهي لا تجاهر برفض هذه السياسات أو الوقوف في وجهها رغم أنها تبدى الرأي وتقدم النصح، والملاحظات العمانية حقيقية ولها مبرراتها إن في اليمن أو في سوريا أو في لبنان أو في الموقف من إيران، وستكون دول المجلس الآن ولاحقاً بحاجة إلى الحكمة العمانية في هذا المجال ..
والحياد الايجابي، حين تقوم الفتن ويسوء الاجتهاد وتتكاثر الفتاوى المغرضة ليس مثلبة أو موقفاً سلبياً وإنما يقتضى النأي بالنفس حتى لا تكسب النار مزيداً من الزيت الذي يديم إشتعالها ..
تتمنى سلطنة عمان أن تكون سويسرا في منطقتها وهذا ليس عيباً حين يضل الأخوة أو تغيب الرؤية وتصبح زرقاء اليمامة لا تبصر ..
وإذا كان من موقف يمكن أن تعتب به المملكة العربية السعودية فهو على “حياد الكويت” لان السعودية قدمت للكويت الكثير في أزمتها التاريخية يوم إجتاحها العراق ولكن الكويت ظلت ترى أن العودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل فقبلت موقفاً يسمح لها أن ترى جميع الأطراف ويسمح لها أن تتحرك وأن تتوسط كما فعلت سلطنة عمان لكن الجهود الكويتية لم تنجح ..
نعم مجلس التعاون منشق بفعل منهج السياسات الاحادية وهذا الانشقاق صنع حالة جديدة يحتاج تجسيدها إلى المشاورة الجماعية والاحترام المتبادل ووضع المصالح العليا لجميع دول الخليج فوق كل اعتبارات جانبية ..
ليس من مصلحة دول مجلس التعاون ولا المملكة العربية السعودية تحديداً أن تفتح مجموعة ملفات مرة واحدة لأن هذا يشتت جهدها و دورها وأمكانياتها إذ لا بد أن تغلق بعض الملفات حسب الأولوية ولا حاجة بنا للتذكير بجملة الملفات المفتوحة في اليمن وسوريا ولبنان وقطر وملف الفساد السعودي الأخير ..
إن العدوانية الإيرانية القائمة والمتفاقمة والتي دخلت مرحلة خطرة باستعمال الصواريخ البالستية الإيرانية ضد الرياض لا يرد عليها بحرب الوكلاء ولا بالصراع المسلح ولا بوضع كل المقدرات في اليد الأميركية ولكن بطمأنة العديد من الأطراف والشروع في إقامة تحالف خليجي وعربي قوي ومتحد ووقف كل أشكال التناقضات والانحياز مهما كلف الثمن ..
إن مراجعة خليجية عامة على المستوى السياسي والأمني والعسكري مطلوبة الآن لوضع خطط بديلة فبدون النقد الذاتي لا تصلح الأمور وبدون مشروع عربي يبدأ خليجياً لا يمكن الرد على التحدي الإيراني الماثل والمتسع والذي يحقق أهدافاً ..
لن ينجح الرهان على الموقف الأميركي .. إلا إذا إرتضت الأطراف العربية أن تكون جزءاً من هذا الموقف لصالح السياسات الأميركية وليس العكس وهنا مكمن الخطورة لأن في ذلك توظيف لصالح التصورات والخطط الإسرائيلية التي تعتمدها التوجهات الأميركية .. وبالتالي فإن التحالف مع إسرائيل سيقوض الإستقرار أو ما تبقى منه في منطقتنا العربية وليس كما يراهن البعض من الذين يريدون أن يضعوا “الأفعى في الجيب” .. أعتقاداً أنه بهذا التحالف يرد على التحالف الإيراني وسيكون الحال في هذه الحال “كالمستجير من الرمضاء بالنار” ..
إن الحياد العماني الذي يعتقده البعض صمتاً وأرى فيه حكمة وعقلانية هو المنطقة الوسطى وخط الإياب الذي على دول المجلس التي ابتعدت عن التوازن أن تعود إليه وأرى أن هذا الحياد ليس تغريداً خارج السرب أو غناء في الحمام وإنما عودة للتذكير (بالنوتة) الخليجية فالمايسترو ما زال قادراً على قيادة الفرقة بما توافق عليه الجميع يوم وضعت النوتة ليتم العزف جماعياً وليس فردياً .. فالفرد لا يصنع فرقة واليد الواحدة لا تصفق والهيمنة لا تصنع ولاءاً جماعياً ..
وسيكون شعار سلطنة عمان في اللاحق من الأيام ..
“سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر”
وعلى دول الخليج أن تضع عيونها على أخوّتها لا أن تستقوي على بعضها بالأجنبي .. آخذاً بقول الشاعر ” أخاك أخاك إن من لا أخاً له .. كساع إلى الهيجا بغير سلاح”
وإذا كانت عمان قد قالت رأيها مبكرأ قبل حرب اليمن ومقاطعة قطر .. فقد كانت تقول
“أمرتهم أمري بمنعرج اللوى .. فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد”
كان الله في عون أمتنا ودولنا وحمى الله أوطاننا من كل مكروه يحيط بها ..