انطلاقا من حسابات سياسية واضحة اتخذ الأردن موقفا حاسما وسريعا بعدم الاعتراف باستقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا. فمن ناحية ينسجم الموقف الأردني مع العلاقات التاريخية التي تربط بين مملكتين كان بينهما على الدوام تواصل على جميع المستويات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدعم الأردن “المملكة” خطوة انفصالية في مملكة صديقة، ومن ناحية أخرى لا يمكن للأردن أن يخالف الموقف الأوروبي الرافض لانفصال الإقليم الكتالوني، وبالطبع الموقف الأميركي الداعم لحكومة إسبانيا والاتحاد الأوروبي.
لا نعرف بعد وقع موقف الحكومة الذي أعلنه بالأمس وزير الإعلام محمد المومني، على الشارع الأردني، فالأخير على ما يبدو من ردود الفعل المسجلة، ينطلق من حسابات رياضية بحتة تحكم موقف جمهوري نادي ريال مدريد ونادي برشلونة، وهما الأكثر شعبية واستقطابا في الأردن، وبما يفوق الاستقطاب التاريخي بين ناديي الوحدات والفيصلي.
هذه ليست حالة أردنية استثنائية، ففي عموم دول العالم اكتسب الحدث الإسباني أهميته من بوابة كرة القدم أكثر من أي شيء آخر. السؤال الأكثر إلحاحا على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم هو عن مستقبل نادي برشلونة في “الليغا” الإسبانية. ويغدو السؤال أكثر أهمية بالنسبة للمستثمرين في قطاع الرياضة، إذ تثور المخاوف من تراجع مكانة الدوري الإسباني المالية في حال خروج نادي برشلونة منه، وينسحب السؤال أيضا على مستقبل نجمه العالمي “ميسي“.
الجمهور الأردني لا يهمه مستقبل إسبانيا كبلد موحد بقدر قلقه على خسارة متعة “الليغا” إذا ما استبعد نادي برشلونة.
وبالقدر الذي يبدي فيه أنصار “ريال مدريد” دعمهم لموقف الحكومة الإسبانية، فإنهم في ذات الوقت يخشون من غياب المنافسة عن الدوري الإسباني لدرجة يصبح معها فوز ناديهم بالدوري أمرا روتينيا.
جمهور برشلونة المتعاطف مع طموحات الكتالونيين بالاستقلال انسجاما مع موقف النادي، يخشى هو الآخر من عزلة فريقه في حال اقتصر دوره على المنافسة بدوري كتالوني متواضع.
لسنوات مضت وربما حتى هذا الوقت هناك تصنيف سياسي لجمهور الفريقين الإسبانيين في الأردن، يتقاطع أحيانا مع الثنائية التقليدية في الأردن؛ فيصلي ووحدات. لكن عند التدقيق في تركيبة جمهور الناديين يتضح أن التصنيف إياه يستند لانطباعات خاطئة، تحركها دوافع لنخب طالما عملت على تنميط الجمهور الأردني ومواقفه حتى في الرياضة.
المؤكد أن الحكومة الأردنية لم تضع في حساباتها موقف الشارع الرياضي عندما أعلنت مساندتها لحكومة إسبانيا، لكن لا بأس وفي مثل هذه الظروف الصعبة والأجواء المتوترة التي تخيم على علاقة الحكومة مع الشارع أن يقتفي الوزراء أثر موقفهم من كتالونيا على المزاج الشعبي؛ أقلها أن تكسب تعاطف أنصار ريال مدريد بدلا من أن تخرج من الكلاسيكو الإسباني صفر اليدين.