الملك والرئيس .. ما قيل وما لم يقل في قصر الحسينية ..!!

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – هذه واحدة من أهم الزيارات التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأردن، فقد أخذت طابعاً يعكس أهميتها وعمق مضمونها ودلالاتها وما أراد الأردن من خلال الملك أن يؤكده وهو يتعامل مع السلطة الفلسطينية ومع رئيسها حيث شرعية التمثيل الفلسطيني الذي يؤكد الأردن أن لا تنازع فيه أو معه وأن العنوان الفلسطيني مقروء وواضح وأن ليس لدى الأردن سوى هذا العنوان في التعامل مع الشعب الفلسطيني وقضيته ..
الموقف المبدئي الأردني مضى عليه سنوات لم يغير الاردن فيها مواقفه بل ظل يمسك على هذا العنوان والطريق المفضي إليه رغم ضغوط مختلفة ضعف أمامها الآخرون ..
لم تكن العلاقات الأردنية – الفلسطينية بأحسن حال مما هي عليه في أي وقت سواء تلك التي تربط الزعيمين الملك عبدالله الثاني والرئيس عباس، إذ تتطابق السياستان تطابقاً شديداً في العديد من القضايا المشتركة وبفعل ذلك أصحبت السياستان متساندتين وقد أدرك الزعيمان مخاطر إفتراق الخنادق الأردنية والفلسطينية أمام رياح سموم يمكن أن تهب خاصة وأن المنطقة مليئة بالمطبات وتغيّر إتجاه الريح الذي يحمل الحرائق وما يهلك الزرع والضرع، بعد المحاولات الإسرائيلية لتخطي السياج الأردني والفلسطيني وضربهما لتتمكن إسرائيل من العبور بمخططاتها وخاصة التي يصممها اليمين الإسرائيلي المتنامي، حيث تستعين في إنفاذها بمواقف تراهن عليها في مستجدات المنطقة التي أصبحت بعض إطرافها تتشبث بالقشة الإسرائيلية ظناً أنها منجية أمام أكازيون المناقصات الذي يسود المنطقة حيث الحروب والإنقسامات والفتن وقد إنهارت حدود وعواصم..
نعم .. ما يخشاه الفلسطينيون منذ زمن بعيد، يخشاه الأردنيون الآن خاصة بعد أن كشّر اليمين الإسرائيلي عن أنيابه ولم يعد يميّز بين جغرافيا وآخرى وتسمية وآخرى وبعد أن لم يعد يقرأ إلتزام حكومته بأي إتفاقيات وقد تلوثت أيديه بدماء الأردنيين في السفارة الإسرائيلية في عمان ..
رياح السموم تهب الآن هذه المرة من الشرق لتذروا ما تبقى من روابط عربية، فالبعض يغذِ السير سريعاً باتجاه التطبيع بأشكال مختلفة ليأخذ مقعده المتقدم فيه .. وهذا الأمر يستهدف سحب الدور المركزي للطرفين الأردني والفلسطيني حيث تستند القضية الفلسطينية لصالح تعويم حلّها وتوزيعه بين القبائل ..
فقط الأردنيون والفلسطينيون يستطيعون بإرادتهم بناء مصدات أمام رياح السموم حتى لا يجف ما تبقى من زرع العلاقات المشتركة أو ضرع الصمود .. فإسرائيل تضع عيونها الآن خلف حدود الأردن لتغري أطرافاً بالوفود إليها وقد لا تدرك هذه الأطراف طبيعة تجربة الأردن في التعامل مع الإحتلال أو حتى طبيعة التجربة والصمود الفلسطينية وإستمرار النداءات منذ أكثر من قرن من الزمان.
أعتقد أن هذه المرحلة التي بحثها الرئيس أبو مازن مع الملك عبدالله الثاني حساسة جداً وأن ليس للأردنيين والفلسطينيين فيها إلا أنفسهم للاعتماد على النفس لإتقاء رياح السموم الناشئة وهو أمر أفصح عنه الملك عبدالله الثاني على المستوى الإقتصادي وهو يخاطب الأردنيين ويدرك أن الاقتصاد مولود للسياسة يتأثر بها وإلا لما ترك الأردن وحيداً “يحك جلده بظفره” ولا يجد لنداءاته العربية صدى وهو ما يذكرنا بالوقت القاسي عشية إحتلال العراق وقصة “القدر” العراقي ومقولة الملك الراحل “أضاعوني وأي فتىً أضاعوا” وحين كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد شهدت تجفيف مواردها حين كانت أمهات الشهداء يعدن بلا مساعدة .. والبقية معروفة ..
أرجل الأردنيين والفلسطينيين في “فلقة واحدة” فإما أن يجلسوا في الكساح أو يذهبوا للركض باتجاه مصيرهما في موسم من النكوص والإحباط والإنكار العربي .. وأعتقد أن زيارة الملك عبدالله الثاني لرام الله أدرجت في هذا السياق وأن تزينت بالدعوة لمواصلة عملية السلام في محاولة للخروج من النفق وهو ما فعله أيضاً الرئيس أبو مازن من خلال زيارته إلى عمان هذا الأسبوع ..
لدى الطرفان الأردني والفلسطيني ما يكفيهما من وجع الرأس الذي يسببه اليمين الإسرائيلي والأمثلة كثيرة لا حاجة للمزيد منها والتوقف عندها .. ولأن القاسم المشترك في باب التعاون السياسي يتخذ الآن من التنسيق المشترك والمشورة أدواته ليصب في إطار البحث عن حلّ ما زالت إسرائيل تتهرب منه وتنكره ..
المتاح من العلاقة قد يمكّن الطرفين من إجتياز هذا النفق المعتم وإسناد بعضهما البعض لعل بصيص الأمل يظهر من وراء ذلك في أعقاب بدء المصالحة الفلسطينية وإصرار الأردن على حل عادل للقضية ..
أما محاولة “ملاحقة العيّار” الأميركي إلى بوابات واشنطن فهي محاولة مشتركة للإستقواء بالعالم أمام محاولات إسرائيل فرض مخططاتها ضد الطرفين معاً وخاصة الطرف الأردني الذي بدأ اليمين الإسرائيلي ينصب له شباك الوقيعة بتحضير للمعارضة الواهمة وروايات مزيفة ومواقف عدوانية تغطي بها إسرائيل سوءتها المتمثلة في نظام الأبارتايد العنصري ..
نعم يستأنس الفلسطينيون بالأردنيين ويستأنس الأردنيون بالفلسطينيين للحفاظ على القائم وحمايته وللقدرة على السير بخطوات إلى الأمام في مساحات ملغومة من أطراف بعضها معروف الهوية والبعض الآخر غير معروف والطرفان يدركان أن تنسيقهما لن يترك بلا كلفة وقد تكون باهظة من الأطراف المعادية .. فالملك عبدالله يقول ويواصل القول هنا في الداخل والخارج وحيث يستطيع الأردن القول أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية وجوهر الصراع في المنطقة وهي دوماً على رأس أولويات السياسة الخارجية للمملكة لأن هذه القضية بالنسبة للأردن قضية وطنية أولاً لا يستطيع الهروب من إستحقاقاتها ولأنها أيضاً بدأت خانقة وضاغطة وذات حمل ثقيل حين هربت أكتاف عربية عديدة عن حملها وتركت للكتفين الفلسطيني والأردني معاناة هذا الحمل وإحتمالات زيادته ..
في الأفق مصالحة فلسطينية فلسطينية بدأ مخاضها .. إنتظر مولودها الفلسطينيون لتصبح رزمة عصيّهم أقوى على الكسر وأنتظرها الأردنيون حتى لا ترتفع عليهم كلفة إنتظار حلّ القضية وحتى لا يزج بهم مجدداً في أدوار مكشوفة إبتداءاً مما يسمى “الدور الوظيفي” الذي رفضه الأردن بصرامة لصالح تمكين الدور الفلسطيني وتمثيله وإنهاءاً لضغوط اليمين الإسرائيلي وهلوساته عن مستقبل الأردن ومحاولة تهميش وتطنيش الدور الأردني والتقليل منه وإستبدال التعامل معه بالتعامل مع أطراف أخرى أقليمية أظهرت رغبتها في المراودة وسمحت لقميصها أن يُقدّ من قِبَل ..
المصالحة الفلسطينية .. فرصة للفلسطينيين على مختلف مستوياتهم وحتى رغباتهم، فهي لمن يريدون مواصلة الكفاح منعة .. وهي لمن يريدون مواصلة العملية السلمية قطع لأسباب وذرائع الإحتلال حول وجود الشريك ومن يمثل .. وهي عند الأردنيين سد لثغرة يمكن أن تهب منها رياح سموم تمس السيادة الوطنية وأيضاً فرصة يرى فيها الأردن إمكانية مواصلة البناء في العملية السلمية إذا ما أعادت المصالحة لهذه العملية أهليتها فالأردن الذي أختار طريق السلام يجد في المصالحة الفلسطينية إنتصاراً للاعتدال الفلسطيني وتخفيفاً من العقبات التي بقيت تقف أمامه ويرى أن إعادة تأهيل غزة بالسلطة وتمكين السلطة بالمصالحة مع غزة سيجعل الصورة الفلسطينية بعامتها مقبولة عالمياً إلى درجة تمكن الأردن من إعادة تسويق الدعوة إلى التفاوض على قاعدة تحريك أفكار ترامب وكشف مدى عمق جذور مبادرته ووعوده المقطوعة ..
والرئيس عباس يرى في السياسية الأردنية منصة يمكن الوقوف عليها للقول بشكل واضح ومفهوم وهو يخاطب من عاشوا الإنقسام واستمروا فيه “نحن والأردن حريصون على المصالحة الفلسطينية بلا أدنى شك وحريصون على أن تنجح ضمن الإطار الذي ورد في الإتفاق” ..
أما الإطار الذي ورد في الإتفاق فلم يتركه الرئيس عباس إطاراً “حمّال أوجه” أو مجالاً للإفتاء من تلك الأطراف في حماس والتي أدمنت إعراب الجملة الفلسطينية بأدوات أعجمية حين قال “أن يكون هناك سلطة واحدة وقانون واحد ونظام واحد وأن تتمكن حكومة الوفاق الوطني من ممارسة نشاطها وعملها كما تمارسه في الضفة الغربية” ..
موعد سريان تمكين السلطة في غزة هو بداية شهر كانون الأول القادم وهي مسافة زمنية قصيرة .. لكن هناك طابوراً أراد أن ينصب متاريساً .. وأن يضع عصياً حين إستعجل تغريب نكاح المصالحة بالذهاب إلى طهران ومحاولة التفيؤ بالشجرة الإيرانية التي فتح الإحتلال طريق الوصول إليها ليس حباً في المرتحلين وإنما طمعاً في أن يستمر الأكل من هذه الشجرة لتبقى اللعنة قائمة ويظل الفلسطينيون في وضع شتى ..
ما كان يجب الحج المبكر إلى طهران قبل إتمام المصالحة “وحتى نشوف الصبي” وما كان على قوى الحشرجة في حماس أن تستعرض ما تبقى لها من عضلات في الملعب الإيراني .. وكان الجدير بهم أن يقفوا مع أحد قادتهم المناضلين ممن عرفوا السجون وتلاقحوا بفكرهم مع مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية وهو القائد “السنوار” الذي لعب دوراً محسوساً بالممارسة وصحح كثيراً من الرطانة واللكنة غير الوطنية لبعض حملة المسابح وأوعية التبخير وإقتباس لبس الخواتم ..
اللقاء الأخير بين الرئيس عباس والملك عبدالله الثاني وضع كثيراً من النقاط على الجملة الفلسطينية القادمة حتى تصبح قراءتها ممكنة دولياً، فالرئيس أبو مازن كما قال لي “لا يتحسس من التدخل والإسناد الأردني المعلوم للقضية الفلسطينية” وخاصة في هذه المرحلة وإن كانت الحساسية الفلسطينية ما زالت تثير الحكة والأحمرار من أطراف عربية عديدة أرادت إستمرار التعامل مع القضية الفلسطينية من خلال أجهزة المخابرات وصناعة دمى التمثيل، وهو ما ظل يزعج كثيراً من القيادات الفلسطينية التي لم تتردد في فضح الطابق والدعوة إلى نضج المرجعيات السياسية العربية وأهليتها للتعاطي مع هذه القضية السياسية بإمتياز ..
المصالحة في زخمها الذي سيستمر بإرادة شعبية الآن سوف تدفن البثور والدمامل التي زرعها الإنقسام وسوف تجتث الأدران العالقة وإنزيمات الإنقسام المتغذية بأموال عربية وخطط إسرائيلية ..
لقد سارت المصالحة وتركت خلفها أصناماً أقيمت لتجد من يتبعها .. كما أسست المصالحة لروح وطنية فلسطينية، بدأت تقول للقيادة الفلسطينية إستووا واعتدلوا فإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج !!
لقد أغرقت المصالحة في خضم تيارها مسرح العرائس وقطعت الخيوط التي كانت تتراقص بالدمى وبان الخيط الأبيض من الأسود والنجاسة من الطهارة والأموال التي اشترت وباعت في كثير من مناطق وطننا العربي في ليبيا واليمن وتونس وحتى في إنقلاب تركيا وفي دول إفريقية ولكن هذه الأموال لم تستطع أن تشتري في فلسطين لأن العملة زائفة والمروّجون يحاولون العبور بحصان طروادة وقد انكشفوا !!
إيها الأردنيون والفلسطينيون ليس لكم والله إلاّ أنفسكم وهذه الأرض الممتدة غرب النهر وشرقه فأسقطوا بتلاحمكم المقولات اليمينية الإسرائيلية التي خرجت رائحتها ليميزها الأردنيون، وهي المقولات الصهيونية التي جعلت من إسرائيل نظام إبارتايد لم تتحمله مندوبة كوبا المناضلة وفضحه مندوب الكويت البطل فكيف يسكت من يفترض أن أرجلهم في الفلقة ؟؟
لم يعد لنا أردنيين وفلسطينيين إلا العمل المشترك الواعي لحماية أنفسنا مهما إرتفعت كلفته فهو أنجى لنا من تدمير العدوانية الإسرائيلية لمستقبلنا !!

Related posts

عقدٌ من الابتكار.. زين تحتفل بمرور 10 أعوام على تأسيس منصّتها للإبداع (ZINC)

وَقْف ثَريد يطلق الحملة الإغاثية غزة لنا فيها أخوة

بنك القاهرة عمان يفتتح فرعه الجديد في تاج مول