بدافع الفضول الصحافي، والرغبة في معرفة الأجواء المحيطة بالمصالحة، وتكوين صورة واضحة عن ردود افعال مكونات البيئة الخارجية لحركة حماس، حيال استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، تابعت خلال الايام القليلة الماضية ما تيسر لي من تعليقات، فاضت بها الصحف والمواقع الالكترونية الخاصة بفروع حركة الاخوان المسلمين المنتشرة في فضاء العالم العربي واوروبا، لعلني أعثر على الكيفية التي استجاب بها ” إخوان حماس” لاستدارة الابن النجيب في غزة، نحو خيار انهاء الانقسام، الذي جعل الحياة لا تشبه الحياة في القطاع المحاصر.
ولو اراد المراقب الموضوعي ان يصف ردود الفعل هذه بتجرد، وايجاز الموقف المشترك لدى سائر مؤيدي “حماس” واصدقائها، لقال بكلمة واحدة؛ انها الصدمة، التي داهمت قلوب وعقول من ايديهم في الماء، وهم يشاهدون قيادة الحركة المسيطرة على آخر بقعة من الارض المتاحة للإسلام السياسي، تفلت من اليد الى غير رجعة، في اشارة اخرى حاسمة على سقوط الرهانات، تبدل الخيارات، وانقلاب التحالفات، واستحالة المكابرة واستمرار العناد، ناهيك عن انغلاق الدروب امام سلطة امر واقع اخفقت على كل صعيد، وجرت على شعبها الويلات.
بمطالعة سريعة لما دبجه القوم من معلقات هجاء على خطوة المصالحة، التي لم تكتمل بعد، ودونها جبال من المصاعب والتحديات، يجد المرء شعوراً طاغياً بالحرج لدى من دافعوا قياماً قعوداً عن صحة ومشروعية الانقلاب الدموي قبل نحو عقد من الزمان، ويلمس حساً عميقاً بالمرارة تعتصر افئدة هؤلاء، ازاء التحولات الجارية على قدم وساق لدى القيادة الشابة المالكة لزمام القرار في القطاع، الذي تجرّع سكانه الظلم وشظف العيش بلا طائل، وحرموا حقهم الطبيعي في الحياة كبقية الناس، وما كان لهم ان يشدوا على نواجذهم الى ما شاءت الاقدار.
صحيح ان الملتاعين في الخارج لم يشنوا بعد هجماتهم الكلامية على قيادة الحركة الاصولية، ولم يرجموها بما في قاموسهم الواسع من نعوت جاهزة، مثل الخنوع والتفريط والانهزام، كونهم لم يخرجوا من حالة الصدمة القاسية بعد، الا انهم أطنبوا في تعداد المآخذ على الخطوة التصالحية، وافرطوا في تقديم النصائح المشفوعة بالتحذيرات لإخوانهم في القطاع، من مغبة المضي بعيداً على هذه الطريق المحفوفة بمخاطر، ينبغي الحذر منها، وعدم الانزلاق عليها بعيداً عن الثوابت والمحددات، التي حكمت مسار الخصومة مع تيار ” الخيانة والاستسلام“.
وكمن في فمه ماء، ويمنع نفسه من الخروج عن الطور فجأة، جاهداً في ضبط لسانه بصعوبة، على ما يرى انه انحراف عن السراط المستقيم، بدا العض ممن انهار عالمهم الخاص، اقرب ما يكون الواحد منهم الى قارئة الفنجان، وهو يقوم بإحصاء بنود الخسائر السياسية، وتوصيف التداعيات السلبية المترتبة على القيام بمثل هذه المغامرة غير المحسوبة بدقة، لكأنه يود ان يرمي قيادة “حماس” الجديدة بتهمة المقامرة الذميمة، ومن ثمة التعريض اكثر فأكثر بصورة ومكانة الحركة الدولية للإخوان المسلمين، التي تكاثرت الفروع المبتعدة عنها مؤخراً.
واحسب ان اكثر ما دهى المفجوعين من المشهد غير القابل للتصديق حتى الامس القريب، وزاد من مرارتهم وجراحهم النفسية، كانت صور الرئيسين؛ عبد الفتاح السيسي ومحمود عباس، وهما العدوان اللدودان للإسلام السياسي، وهي تملأ شوارع غزة، التي سبق لها ان رفعت صورة محمد مرسي بحفاوة، وخاضت معركته السياسية والاعلامية دون هوادة، الامر الذي عزّ على من لا يزالون يتمسكون بشعار عودة مرسي الى قصر الاتحادية، ان يعيشوا هذا اليوم الذي انقلبت فيه الدنيا عليهم بين صبح وعشية، ورأوا بأم العين ما لم يراودهم في اشد احلامهم كابوسية.
ليس من قبيل التشفي او نكأً للجراح السطحية، تقديم مثل هذه المطالعة المستمدة من قراءة غير تامة بالضرورة، لقائمة غير حصرية شملت معظم من أسميناهم “إخوان حماس” الذين عقّبوا على حدث المصالحة الفلسطينية بحزن وألم، حيث يمكن لعين المراقب ان ترى بوضوح شديد حالة من الارتباك واللعثمة والتشكيك بجدوى عملية انهاء الانقسام، دون ان يجرؤ احد من هؤلاء المصابين بالحيرة على القول؛ إن المصالحة خطأ، أو إن على قطاع غزة المحاصر ان يظل قابعاً في عزلته وفقره وانهياراته، بلا ماء ولا كهرباء الى ما لا نهاية.