خطوط التماس في خطاب الرئيس عباس هل ماتت أوسلو .. أم يمكن إحياؤها؟ (2)

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – لا أعتقد أن هناك قائداً أو مناضلاً أو حتى مثقفاً قرأ أوسلو أو كتب عنها أو خبرها كما هو الرئيس محمود عباس وأعتقد أنه يمكن قراءة أوسلو في جوانب أخرى غير التي تستجلب السب والتخوين .. فقد قيم أبو مازن أوسلو عشية التوقيع عليها وفي وقت مبكر قبل أن يعرفها الكثيرون وقبل أن يَدّعوا الحكمة بأثر رجعي حين قال في حديث مباشر إستمعت إليه وسجلته وما زلت أمتلك التسجيل “إما أن يأخذنا أوسلو إلى دولة أو يأخذنا إلى الجحيم”!! 

كان الرئيس أبو مازن وقبل أن يكون رئيساً يدرك خطورة أوسلو و وعورة طرقه ومطباته وصعوبات ذلك وكان رهانه وهو يلج إليه ويُرحّل الجهد الفلسطيني لجعله يثمر، فقد كان أوسلو خياراً صعباً وخيار المستجير من الرمضاء بعد أن ضاقت الأرض العربية على المقاومة الفلسطينية بما رحبت واتخذت قرارات تجفيف عروق منظمة التحرير الفلسطينية وجعلها مشلولة بعد الرحيل إلى تونس بعيدة عن خطوط التماس التي اخترقها الرئيس عرفات بالانتفاضة السلمية الأولى الرائعة التي وضعت القضية والشعب على الخريطة بشكل واضح.

 الحصار الذي سبق أوسلو والذي تعرضت له منظمة التحرير يحتاج إلى قراءة هادئة منفصلة لتعرف الدوافع إلى أوسلو وهو نفس الحصار الذي قاد إلى مدريد وقد أصاب الأردن أيضاً بعد حرب الخليج وكانت صرخة الملك حسين آنذاك في قمة بغداد العربية الأخيرة أنذاك

 ” أضاعوني وأي فتىً أضاعوا        ليوم كريهة وسداد ثغر.

كانت – أطال الله في عمرها – أم جهاد زوجة القائد الشهيد أبو جهاد تجلس في مكتب أسر الشهداء في جبل الحسين تأتيها نساء الشهداء وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم ليطلبن المساعدة .. كان الدعم قد توقف بتوجيه لخدمة أغراض سوداء .. كان المطلوب تصفية القضية في أعقاب حرب الخليج وسميت أطراف “بدول الضد” وحشرت معها منظمة التحرير الفلسطينية لدرجة أن أم جهاد قالت لا يوجد عندي عشرة دنانير أعطيها لأم شهيد عاجزة ..!! 

من هناك تكونت أوسلو لتنطلق من جديد وقد لا يكون نفقها فيه رؤية واضحة وقد نقول فيها ما قاله مالك في الخمر لكن ماذا كان البديل؟ وأين هو ذلك البديل في ظل تلك اللحظة؟ .. ومع كل سيئات أوسلو إلا أنه مَكّن (250) ألف فلسطيني من العبور واستطاعت القيادة الفلسطينية أن تضع أقدامها في أرض فلسطين وأن تبدأ قبل اغتيال رابين وانقلاب شارون على عملية السلام بدخول المسجد الأقصى .. 

وأذكر أنني ألتقيت الرئيس الراحل ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في نابلس ليلاً وسألته وقد كان نتنياهو رئيساً للوزراء .. بعد مقتل رابين ماذا تستطيع أن تفعل مع قدوم نتنياهو؟ .. صمت وهو ينظر إليّ وتناول قطعة حلاوة من عشاء متواضع أمامنا فيه الحلاوة التي كان يأخذها لأسباب تتعلق بمرض القولون وفيه الفلافل لمن يريد وقد وضع إلى جانبه كأس فيه شراب أبيض مائل للإصفرار أعتقدت لأول وهلة أنه لبن فأخذ منه رشفة وعبس كما لو أن طعمه حار أو مالح ثم وضعه وقال: “خذ جرب هذا فاخذته ووضعته على فمي ورفعته بسرعة ولولا المكان والمكانة لبصقته على الأرض بسرعة فتماسكت وقلت: “ما هذا يا سيادة الرئيس فقال .. هل هو مرّ .. فقلت جداً جداً ما هذا .. فقال: “إنه جوزة الطيب” هل تعتقد أنها أكثر مرارة من الوضع العربي، فصمتُ وعرفت القصد والرسالة التي يريدها أن تصلني .. ثم أستدرك وقال تسألني عن نتنياهو .. “أنا وأياه والزمن طويل” أنا فين هلأ .. فقلت في نابلس فقال خلاص قدمي هنا في فلسطين وبيننا الزمن وشعبنا لن يقهر .. 

أبو مازن لا يشرب جوزة الطيب .. ويصمت عن الوضع العربي وأشكره أنه لم يذكر الحال العربية في خطابه ويبدو أنه يرى أن الجلد في الميت حرام وأن العالم أوسع وأرحب وان طلب نصرته الآن ربما شكل إضافة إيجابية أكثر مما شكل الوضع العربي على القضية من إضافة سلبية وخاصة وأن أنظمة عربية عديدة ما زالت تصر على أن تتعامل مع القضية الفلسطينية من خلال أجهزتها الأمنية فقط، وما زال بعضها يطمع في مزيد من التدخل في القرار الفلسطيني لصالح أطراف معادية للقضية، وما زال يرى أنه قادر وتلك مسألة لم يدركها النظام العربي ولم يتعظ منها حتى في مرحلة ما بعد الربيع العربي .. 

صمت أبو مازن على بعض أطراف النظام العربي ليس خوفاً ولكنه لا يريد في مناسبة هامة في الامم المتحدة أن ينشر غسيلاً وسخاً بعدما أزكمت رائحة الصراعات العربية – العربية وروائح القتل والبارود والجثث أنوف العالم وسببت الألم لعيونه وهو يرى ما يبتلعه البحر من العرب الهاربة والمهربة .. 

لم يتجول خطاب أبو مازن في أي مساحات عربية وخاطب العرب الجالسين في الأمم المتحدة كجزء من أمم الأرض التي وصلت لدعم الفلسطنيين كالاتحاد الأوروبي قبل أن يصل العرب ودعمهم المشروط باستثناء ما ذكره من فضل للأردن في القدس ورعايتها وصمود هذه الرعاية إذ ظل الأردنيون هم توأم فلسطين وهم الذين يحسون بمعاناة الشعب الفلسطيني ويتطلعون معه إلى يوم الحرية وهم يكابدون الفاشية الإسرائيلية التي عبرت عن حقدها وعدوانيتها في قتل الأردنيين في سفارة إسرائيل في عمان .. 

أربعة وعشرون سنة على أوسلو وما زال عقيماً لم ينجب سلاماً رغم كل أشكال العلاج لأن إسرائيل هي من تقوم بمنع الإنجاب وتصادر إمكانياته .. لقد أجهضت إسرائيل كل إمكانيات السلام، وأرّقها في السنوات الأولى من أوسلو أن ترى نتائج باهرة في إنصراف الفلسطينيين إلى البناء والإعمار وأدركت أن في ذلك خطر عليها أمام شعب جبار يتقن الصمود ويتشبث بالأرض ويؤمن بثقافة السلام ويواصل زرعها فارسلت شارون إلى المسجد الأقصى لتقلب الطاولة الفلسطينية وتوقف المدّ الحضاري والعمراني الفلسطيني وقدرة الفلسطينيين على إعادة بناء الحياة..

حتى مع فشل أوسلو فإن الشعب الفلسطيني ماضي في طريق الكفاح ودحر الإحتلال وبإرادة هذا الشعب يقف الرئيس أبو مازن الآن على منبر الأمم المتحدة بكل ثقة وشجاعة وهو يواصل بناء المداميك السياسية لتقوم الدولة الفلسطينية العتيدة التي يواصل انجازات كبيرة لاستخراج شهادة ميلادها كاملة غير منقوصة وعبر كل منظمات الأمم المتحدة التي حاولت أطراف إسرائيلية وحليفة وحتى إقليمية أن تثنيه عن مشواره النضالي هذا وأن تشكك فيه وأن تعتبره وكأنه بديل أي أشكال نضالية أخرى يبتدعها الشعب الفلسطيني في إطار إيمانه بالسلمية .. 

طريق الكفاح السلمي عبر دول العالم طريق طويل وشاق ولكنه موصل، في حين أن طريق الإنفعال قصير وسريع ولا يصل في الحالة الإسرائيلية المدججة بالسلاح والتي يجري شراؤها في الاقليم وبعروض مغرية ..

البعض يستكين أمام السيطرة الإسرائيلية ويبيع في أول محطة وينسى دوره العربي والقومي والاقليمي خوفاً من عودة الربيع العربي الذي جرى الإستقواء عليه بالخارج وما زال البعض يرى أن العلاقة مع إسرائيل هي شهادة التطعيم ضد وباء الربيع الذي قد يتجدد، فبعض الأنظمة تريد تعهد أجنبي وطابع إسرائيلي على عرض الحال المقدم للخارج .. 

في حين يقول الرئيس أبو مازن بجرأة:  “لقد أعترفنا بدولة إسرائيل على حدود عام 1967 لكن استمرار رفض الحكومة الإسرائيلية الاعتراف المتبادل بيننا وبينهم الذي وقعناه في اسلو عام 1993 موضع تساؤل” ..

وأنا أسأل .. ومَن غيرك يا أبو مازن يتساءل الآن أو يقوم بإعادة النظر حتى وهم يدوسون على الأطراف العربية وعلى المصالح العربية دون إعتذار لا أحد يتساءل بل البعض يهرول باتجاه موالاة إسرائيل وتحسين العلاقة بها والذي قد يصبح جهاراً نهاراً .. وفضيحة في عز النهار .. 

أنت تسأل وتُسمع المجتمع الدولي أسئلتك ولا تريد أن تضع كناسة الإحتلال تحت السجادة حين تصف السلطة بأنها ليس لها سلطة وأن الأحتلال غير مكلف وهذا لا يقوله إلا عازف عن السلطة ويتطلع إلى حقوق شعبه.

تسأل وتذكر بخطابك السابق في الأمم المتحدة حين طالبت أن يكون هذا العام 2017 هو عام إنهاء الإحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين.

وحين تساءلت من الذي يحرض على الآخر ومن الذي يمارس العنف غير الإحتلال الإسرائيلي العسكري لأرضنا والذي تجاوز نصف قرن .. 

ومن الذي ألغى ومنذ نشوئها قبل عشر سنوات اللجنة الثلاثية الأميركية – الإسرائيلية – الفلسطينية لمعالجة قضية التحريض .. والقرار كان لامريكا فلماذا ألغيت اللجنة وبقينا نطالب بإحيائها إذن من يحرض؟ .. ومن الذي يمارس التحريض عملياً الجواب هو الإحتلال .. 

ويصل الأمر ذروته ويتساءل الرئيس أبو مازن لماذا من تقع عليهم مسؤولية إنهاء الإحتلال باستعمال نفوذهم لدى إسرائيل وهم من خلقوها لماذا يصفون الاحتلال بالمزعوم وينفون وقوعه في موقف يزايد على الغالبية الإسرائيلية نفسها فهم إسرائيليون اكثر من الإسرائيلين حين يصفون الاحتلال بالمزعوم “ويقصد الرئيس سفير الولايات المتحدة في إسرائيل وإن لم يسمه” (50) خمسون عاماً ونحن نرزح تحت الإحتلال ثم يأتي شخص في موقع مسؤولية ويقول أين الإحتلال؟ .. 

ونقول مع أبو مازن متسائلين .. 

“وليس يصح في الأفهام شيء        إذا احتاج النهار إلى دليل” 

فهل يحتاج الإحتلال الفاشي العنصري في فلسطين إلى دليل؟ وأي عقلية هذه التي تقول بأن الإحتلال مزعوم.  أليس هذا أيها الرئيس من قبيل القول للولايات المتحدة الأمريكية   “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”

ونقطع تساؤلات أبو مازن الكثيرة التي تشكل إجاباته التي شكلت مضمون خطابه التاريخي لنقول في الخلاصة للتساؤلات “إن استمرار هذا الاحتلال يعتبر وصمة عار في جبين دولة إسرائيل أولاً وفي جبين المجتمع الدولي ثانياً ” ..

Related posts

مليشيات الحوثي هاجموا مدمرتين أميركيتين بالبحر الأحمر

وفاة الشاب علاء عطا الله خيري، نجل سفير فلسطين في الأردن

الاحتلال الصهيوني يقتحم مراكز الإيواء في بيت حانون بعد إدخال شاحنتي مساعدات الاثنين