عروبة الإخباري – بعد أسابيع من الأنباء والتقارير التي تحدثت عن حملة اعتقالات واسعة في السعودية ضد شخصيات عامة، أقرّت السعودية رسمياً حدوث الاعتقالات، كاشفة على لسان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن السبب وراء حملة الاعتقالات التي طالت عدداً من الشخصيات الدعوية الشهيرة.
الجبير قال، في حوار مع وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، الخميس 21 سبتمبر، إن الاعتقالات جاءت لإحباط “خطة متطرّفة” كان هؤلاء الأشخاص يعملون على تنفيذها، بعد تلقيهم تمويلات مالية من دول أجنبية.
وصرّح وزير الخارجية السعودي خلال اللقاء قائلاً: “وجدنا أن عدداً منهم كانوا يعملون مع دول أجنبية، ويتلقّون تمويلاً من أجل زعزعة استقرار السعودية”، مضيفاً: “عندما تنتهي التحقيقات سنكشف الحقيقة كاملة”.
“بلومبيرغ” لفتت إلى أن الجبير أحجم عن ذكر أسماء أي من الموقوفين التي كشفت تقارير حقوقية عن أسمائهم، منذ مطلع هذا الشهر، وهم مجموعة من رجال الدين، والأكاديميين، ورجال الأعمال، والكتّاب، والصحفيين، الذين آثروا الحياد والصمت خلال الأزمة الخليجية، التي اندلعت في الخامس من يونيو الماضي.
واللافت أن الاعتقالات طالت جميع التوجّهات السياسية والفكرية، أي إنها لم تقتصر على فئة أو توجه محدد، ومن بين المعتقلين الداعية سلمان العودة، وعوض القرني، وكلاهما مستقلّ عن المؤسسة الدينية الرسمية، وكذلك الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت، والكاتب مصطفى الحسن، ورجل الأعمال عصام الزامل.
كما طالت أخيراً كلاً من القاضي في المحكمة الجزائية في الخبر، خالد الرشودي، وعميد كلية حوطة سدير، الدكتور يوسف المهوس، والأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الدكتور علي الجهني، والإعلامي مساعد الكثيري، والمنشد ربيع حافظ، بالإضافة إلى سبعة قضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة لم تعرف أسماؤهم حتى الآن.
هيئات حقوقية سعودية ودولية وشخصيات عامة استنكرت الاعتقالات، التي أكدتها السعودية على لسان الجبير، ودعت إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين؛ لأنه لا يوجد سند قانوني واضح يبرر اعتقالهم، خاصة أن الحملة تتزامن مع صعوبات تواجهها السعودية على كل الأصعدة.
وفي مقالٍ له بعنوان “السعودية لم تكن قمعية إلى هذا الحد.. حالياً غير محتملة”، نشر في صحيفة “الواشنطن بوست”، في الـ 19 من سبتمبر، انتقد الكاتب السعودي المعروف، جمال خاشقجي، الحملة واعتبر أنها تشير إلى مؤشرات خطيرة على كافة الأصعدة تدعو للقلق.
وقال خاشقجي: “اضطررت للخروج لأني كنت سأواجه مصير زملائي الأفاضل المعتقلين إذا أردت أن أعبّر عن رأيي، وهذه ليست السعودية التي أعرفها، السعودية التي أعرفها هي أن نسكت أحياناً عندما نجد أشياء لا نتفق فيها مع الدولة”.
وأضاف: “كنت موجوداً في المملكة عندما اعتُقل الأستاذ عبد الله حامد، ولم يتعرّض لحملة تشويه مثلما يحدث مع العودة والقرني والزامل الآن، هذه ممارسة جديدة علينا”.
واعتبر الكاتب السعودي، الذي مُنع من النشر في الصحف السعودية؛ لانتقاده الحملة، أنه “من المؤلم أن يكون قدرنا في السعودية أن ننتقل من انغلاق إلى انغلاق، اشتكينا في الماضي من انغلاق المدرسة السلفية وتحجّرها، والآن ننتقل لانغلاق من نوع آخر، في الوقت الذي يتحوّل فيه العالم كله لمزيد من الحريات ومشاركة الشعوب، وأن يكون لهم رأي وقول في تحديد المصير”.
لكن في المقابل علت الأصوات مقرّبة من الخط الرسمي السعودي ترحّب بالاعتقالات، وتتهم المعتقلين بأنهم يهدفون “لإثارة الفتن”، خاصة في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها المملكة.
– خلية تجسس
ولعل أول من تحدّث عن الاعتقالات التي حصلت وكشفت عن “خلية تجسس” هي وسائل الإعلام السعودية الرسمية.
عدد من صحف السعودية، الصادرة الأربعاء 13 سبتمبر 2017، بعد يوم من الحديث عن الاعتقالات، خرجت بعناوين تتهم الموقوفين بالانتماء لما قالوا إنها “خلية تجسس”، في سابقة هي الأولى من نوعها بحق أسماء لطالما لاقت تبجيلاً داخل حدود المملكة وخارجها على حدٍّ سواء.
وبحسب صحيفة “عكاظ” السعودية، فقد دأب أحد أبرز من تم اعتقالهم (الذي لم تسمّه) على “لعب دور خفي في تنظيم الأنشطة الضخمة التي يرعاها في تربية الشباب على الثورة، وإعدادهم لقيادة المظاهرات والاعتصامات في دول الخليج، وخاصة السعودية”.
وأكدت الصحيفة أن “أحد المقبوض عليهم من المتخصصين في التنظير للثورات، وكان يلقي محاضرات وندوات في مراكز تابعة لجماعة الإخوان”، كما أنه، والحديث ما زال للصحيفة، “عمل فترة طويلة على جمع التبرّعات بطرق غير نظامية لتمويل مشاريع ثورية عدة يسعى إلى ترسيخها في أذهان الشباب من خلال منظمة إخوانية كان يديرها، وتعمل بتمويل من إحدى الدول الراعية والممولة للإرهاب”.
وكانت رئاسة أمن الدولة أعلنت، الثلاثاء 12 سبتمبر 2017، أنها “تمكّنت خلال الفترة الماضية من رصد أنشطة استخبارية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدّراتها وسلمها الاجتماعي؛ بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية”.
وقالت رئاسة أمن الدولة: إنه “تم تحييد خطر هؤلاء، والقبض عليهم بشكل متزامن، وهم سعوديون وأجانب، ويجري التحقيق معهم للوقوف على كامل الحقائق عن أنشطتهم والمرتبطين معهم في ذلك”.
صحيفة “مكة” نقلت عن الكاتب الصحفي السعودي، سلمان الدوسري، قوله: “لا توجد دولة تقبل بأن يكون هناك من يستغل شهرته أو مكانته للتحريض على السلم الأهلي، ومع ذلك استمرت الدولة في إعطائهم (الموقوفين) بدلاً من الفرصة عشرات الفرص”.
كما نقلت الصحيفة نفسها عن الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، أحمد الفراج، أن “أخطر ما يمكن أن تمارسه الخلايا التجسّسية هو بثّ الفوضى، وتجنيد الشباب والأتباع ضد وطنهم مع تنظيمات خارجية موجّهة، عبر ما يسمى بالحسابات السوداء في مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لأنظمة خارجية، والتعزيز لها، فيما يبثون الشائعات والإحباط داخل وطنهم، وهذا أمر خطير جداً”.
في السياق ذاته، نقلت صحيفة “المدينة” عن مصادر لم تسمّها، أنه “تم رصد أنشطة استخبارية للمجموعة الموقوفة لصالح جهات خارجية لها تاريخ طويل في التواصل والإسهام في أنشطة مشبوهة تضرّ بأمن الدولة”.
وأشارت المصادر إلى أن المجموعة “ساهمت في التحريض بشكل مباشر وغير مباشر ضد الوطن ورموزه، وهي تشارك بصفة مستمرّة في المؤتمرات واللقاءات والندوات المشبوهة”، لافتة إلى أن عناصر هذه المجموعة “سبق إيقاف بعضهم والتنبيه عليهم بإيقاف أنشطتهم العدائية”.
هيئة كبار العلماء، التي يرأسها مفتي البلاد عبد العزيز آل الشيخ، شددت في عدد من التغريدات على موقع “تويتر” على أن “استهداف الوطن في عقيدته وأمنه ولحمته الوطنية جريمة يؤخذ على يد مرتكبها، ولا تقبل هوادة فيها”.
وفي تصريح خاص لصحيفة “المدينة”، قال الشيخ صالح الفوزان، عضو الهيئة، الأربعاء 13 سبتمبر 2017، إن الأشخاص الذين يعملون مع الجهات الخارجية ضد مصالح الوطن “مفسدون في البلاد”، داعياً إلى تطبيق العقوبات الرادعة التي تمنعهم وتنذر غيرهم.
وانضم الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبد الرحمن السديس، لقافلة المدافعين عن الدولة، مشيداً بـ “ما يقوم به جهاز أمن الدولة من مكافحة التطرّف والإرهاب، وما يقوم به رجال الأمن من عمل مشرّف في حماية الوطن والمقدّسات من عبث المندسّين والخونة والإرهابيين”، بحسب صحيفة “المدينة”.
وشهدت مواقع التواصل هجوم عدد من الشخصيات العامة والشيوخ والمسؤولين على الدعاة الموقوفين.
(الخليج اونلاين)