من تابع خطاب ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله في الأمم المتحدة، سيتأكد بلا شك أنه واحد من الشباب العرب الذين يحملون هموم أمتهم، خصوصا أنه وشباب جيله عايشوا سنوات صعبة في إقليم يمور بالحروب والاقتتال والمصائب، وتعايش، أيضا، مع تبخّر أحلام الشباب العربي بحياة أفضل.
الشاب المندفع لمواجهة العالم أجمع، شرح تعقيدات وضع الشباب العربي اليوم، والتعبير عن قنوطهم واحتجاجهم على كل ما حولهم، وكيف أن العالم قصّر تجاههم رغم كل تقاريره الدولية عن تنمية الشعوب، فيتساءل الحسين بشجاعة نيابة عن أبناء جيله: ما هي القيم التي ترسي المواطنة العالمية اليوم؟ وإلى أي اتجاه تشير بوصلتنا الأخلاقية؟ وهل سترشدنا إلى عدالة وازدهار وسلام يعم الجميع؟
هكذا كان خطاب ولي العهد؛ ممتلئا بالعتب، وربما بالغضب من ظلم المجتمعات الدولية وغياب العدالة عن إقليم يَمور بالثروات التي لا يشعر شبابه بأثرها على حياتهم. الحسين قدّم رسما لوجدان الشباب، وتساؤلاتهم عن غياب العدالة والازدهار والسلام، وبالتالي غياب الأمل بغدٍ أفضل.
تحدث الحسين عن خيباتنا وعدد الحروب التي عصفت بمنطقتنا، وعن قهر الشعوب العربية، والشباب تحديدا، من تقصير المجتمع الدولي في تحقيق حل عادل لقضية فلسطين المركزية في الوجدان العربي، وغياب الإرادة الدولية عن فرض الحل القائم على إقامة الدولتين، وما يهمنا منها قيام دولة فلسطينية تنهي معاناة الشعب الفلسطيني.
في حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرف الأمير أنه يقدم خطابا مختلفا، لذلك استأذن العالم والحضور في أن يبتعد عن الكياسة السياسية التي لا بأس أن يتجاوزها هذه المرة، وأصرّ على أن يكون رسولا أمينا في نقل معاناة الشباب المحبط من كل ما حوله.
الحسين أصرّ، أيضا، على أن يكون صوت الأردن والأردنيين لكل العالم؛ صوت من لا صوت لهم، بخطاب يمتلئ بالتعبير عن طموحات الشعوب المقهورة، والشجاعة، أيضا، في مواجهة العالم ومطالبته بالقليل من الصمت لكي نسمع صوت الضعفاء.
كان الخطاب نداءً يضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية في وقف معاناة شعوب المنطقة، وكان، أيضا، إعلانا صريحا عن صوت الشباب الذين يتابعون يوميا أخبار صفقات الأسلحة التي تربو قيمتها على تريليونات الدولارات، فيما هم غارقون في وجعهم وفقرهم وبطالتهم، ويؤجلون خططهم ورسم مستقبلهم أملا بغد أفضل لا تحكمه الأنانية والغطرسة والتحكم بمصائر الشعوب الضعيفة.
الحسين الشاب، وبكل شجاعة، واجه قادة العالم، مؤكدا للجميع أنهم يتنكرون للحقوق الأساسية للشباب العربي، كما طرح العديد من الأسئلة التي تضع العالم أمام اختبار أخلاقي في تحقيق العدالة، والعمل على استعادة الضمير الإنساني الذي يتوجب أن يحكم الجهود العالمية ونظرتها نحو الشعوب كافة، بما يجعل من المنظومة الدولية مؤسسة تحتكم إلى الأخلاق والضمير، وتنحاز إلى مساعدة الشعوب الضعيفة والمتعثرة.
ويستمر الأمير بطرح الأسئلة باسم الأردنيين الذين ضحّوا لأجل عروبتهم وإنسانيتهم وقدّموا الكثير، رغم فقر بلدهم، واقتسموا كل شيء مع أشقاء لهم، مذكّرا العالم بتقصيره تجاه الأردن والأردنيين. ويتساءل باسمنا جميعا: ماذا نقول لشعب الأردن؟ وما الذي يقوله المجتمع الدولي لشعبنا الفتيّ؟ وهل نخبرهم أن القيم التي تحكم نهج حياتنا لا قيمة لها؟ وهل نقول لهم إن البراغماتية تطغى على المبادئ؟ أو أن اللامبالاة أقوى من التعاطف؟ أم نقول لهم إنه علينا أن نتجنب المخاطرة، وأن ندير ظهرنا للمحتاجين، لأن أحداً لن يسند ظهرنا؟
الحسين تحدث باسم الشباب، أولا، وهم غالبية المجتمعات، فأوصل صوتهم، كما تحدث نيابة عن الأردن والأردنيين ناقلا شكوانا من العالم الذي أدار ظهره لكل ما فعلناه، وتَركَنا وحدنا نقوم بالمهمة تجاه محتاجين عبثت النزاعات والحروب بأقدارهم، فهل يسمع العالم نداء الأمير الشاب!!