من يقدر على الجزم بالقول إن الأزمة الكردية لن تفجّر صراعا عسكريا في المنطقة؟
طوال الأسابيع الماضية كانت توقعات معظم الساسة والمحللين تذهب إلى أن حكومة كردستان ستتراجع عن إجراء الاستفتاء تحت ضغوط أميركية وإقليمية، لكن تلك ذهبت أدراج الرياح ومضى الكرد في طريقهم نحو الاستفتاء المقرر غدا.
كل شيء متوقع بعد الاستفتاء، حتى الولايات المتحدة لم تعد على يقين وتخشى بجد خروج الأمور عن السيطرة في المنطقة. تركيا أكثر المتضررين من الاستفتاء الكردي حذّرت بلغة لا تقبل التأويل حكومة الإقليم من عواقب وخيمة إذا ما أصرت على الاستفتاء.
مجلس الأمن التركي اجتمع أول من أمس ولوح بعقوبات صارمة ضد كردستان، قد تفضي إلى مواجهة عسكرية لن تتردد دول مثل إيران عن دعمها لتقليم أظافر الأكراد.
حكومة العراق تستشيط غضبا من سياسة مسعود البرزاني، والظاهر أن يوم الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر) سيكون اليوم الأخير لعلاقة بغداد بأربيل.
المؤكد أن المغامرة الكردية لن تتجاوز حدودها في هذه المرحلة، بمعنى استفتاء دون إعلان الاستقلال. ورقة في جيب الأكراد يمكن توظيفها بمفاوضات جادة مع بغداد لأجل علاقات فدرالية عادلة، وبخلاف ذلك خطوات متدرجة ومدروسة للانفصال التام عن العراق وإعلان الدولة المستقلة.
لكن بالنسبة لدول الإقليم مجتمعة، فإن مجرد وصول “الحلم الكردي” لهذه المرحلة يعني تجاوز الخطوط الحمراء، لن يكون بعدها ممكنا احتواء تطلعات الشعب الكردي في عموم المنطقة.
من هنا تصبح كل الاحتمالات واردة وفي مقدمتها الخيار العسكري ضد الإقليم. الجيش التركي يقف على حدود كردستان في حالة تأهب، واختار تنظيم مناورات عسكرية بالتزامن مع يوم الاستفتاء.
الإدارة الأميركية غير معنية إطلاقا بتفجير صراع مسلح في المنطقة، أقله قبل الانتهاء من حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي وترتيب الأوضاع في سورية. وبعد فشلها بإقناع الأكراد بالتراجع عن تنظيم الاستفتاء، ستوظف طاقتها الدبلوماسية لاحتواء التصعيد، ومنع حكومة كردستان من ترجمة الاستفتاء لنتائج عملية.
لكن هذا لا يكفي لطمأنة تركيا وإيران والعراق، التي تسعى للحصول على ضمانات تجعل من الاستفتاء مجرد يوم من الماضي ما من شيء بعده ولا قبله.
ولهذا قد تلجأ بعض الدول وتركيا على وجه التحديد لإظهار القوة في وجه الأكراد لتأكيد جدية موقفها في رفض مبدأ استقلال الإقليم عن طريق شن عملية عسكرية خاطفة لتكون بمثابة رسالة ردع لحكومة الإقليم.
في كل الأحوال سيكون لسلوك الدول المعنية حيال الأزمة الكردية أثره على مجمل الصراعات في المنطقة، خصوصا سورية التي تحولت ميدانا لاختبار النوايا والمصالح بين القوى الدولية والإقليمية.
ومن الأهمية بمكان أن نراقب الموقف في اليوم التالي للاستفتاء، تحديدا في أوساط أكراد تركيا وسورية، وتطلعاتهم للمستقبل بعد خطوة أقرانهم في العراق.
أيا تكن التطورات المحتملة للملف الكردي، فالمؤكد أنه واعتبارا من يوم غد سيضاف لجدول أعمال المنطقة أزمة جديدة اسمها الأزمة الكردية، وقد تكون سببا في اندلاع حرب لا نعرف حدودها بعد.