سعر برميل النفط سيبقى منخفضاً/ رندة تقي الدين

ارتفاع سعر النفط في سوق لندن وأميركا أمس حيث تجاوز سعر برميل البرنت أكثر من ٥١ دولاراً وسعر برميل النفط الأميركي الخفيف أكثر من ٤٧ دولاراً جاء نتيجة انخفاض المخزون النفطي الأميركي المستمر منذ فترة. فقد شهد مستوى هذا المخزون انخفاضاً منذ آذار (مارس) الماضي بنحو ١٣ في المئة. والارتفاع القليل في الأسعار جاء أمس في وقت كانت اللجنة التقنية لمراقبة التزام دول «أوبك» وخارجها تجتمع في فيينا. والمخزون الأميركي انخفض منذ حزيران (يونيو) بـ٤٣ مليون برميل. لكن إنتاج النفط الأميركي بلغ أعلى مستوى منذ تموز (يوليو) ٢٠١٥ وتوقعت الإدارة الأميركية للمعلومات أن يرتفع إنتاج النفط الصخري الأميركي إلى مستوى قياسي في الشهر المقبل. لذا كانت تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن السوق النفطية العالمية ستبقى مشبعة بالنفط بل تشهد فائضاً حتى العام المقبل. ولكن وزير النفط السعودي ورئيس أوبك حالياً خالد الفالح أكد أكثر من مرة أخيراً أن السوق النفطية تسير نحو إعادة التوازن خصوصاً في ضوء انخفاض المخزون الأميركي والتزام دول أوبك وخارجها بتخفيض إنتاجها الذي بلغ أكثر من ٩٠ في المئة. إضافة إلى ذلك هناك انخفاض في صادرات النفط الفنزويلية بسبب الأحداث في هذا البلد بنحو ٢٥ في المئة. لكن في موازاة ذلك هناك زيادات في إنتاج نيجيريا وليبيا وهما دولتان خارج الاتفاق بين دول أوبك وخارجها ولكن إنتاجهما يؤثر في الأسواق، علماً أن حقل شرارة الليبي شهد انخفاضاً في إنتاجه.

وعلى العموم هناك معلومات في اتجاهات معاكسة لها تأثير في أسواق النفط تحد من ارتفاع سعره في شكل كبير. فمن جهة هناك استمرار انخفاض المخزون وتخفيض إنتاج دول أوبك وخارجها والوضع في فنزويلا يرفع سعر النفط، ولكن ما يحد من ارتفاعه إلى مستويات أعلى تصل إلى ٧٠ و٨٠ دولاراً للبرميل أن الإنتاج الأميركي سيبقى مرتفعاً، خصوصاً مع سياسة دونالد ترامب المشجعة للتنقيب والإنتاج. فالارتفاع الذي نشهده حالياً لسعر «البرنت» سيكون محدوداً إن لم ينخفض السعر بضغط من زيادة النفط الأميركي. والسؤال هو هل باستطاعة أوبك والدول من خارجها التي اتفقت على خفض الإنتاج أن تبقى على التزامها ولأي فترة؟ فإيران زادت القليل من إنتاجها علماً أن هذا البلد بحاجة كبرى إلى العمل على حقوله النفطية لتحسين قدراتها. ومن الصعب بل يكاد يكون من المستحيل أن نرى مجدداً سعر برميل النفط يبلغ ٩٠ أو مئة دولار لأن النفط زاد في كل أنحاء العالم وخصوصاً في أميركا. ثم أن تقنيات البدائل للنفط تشهد انخفاضاً كبيراً في كلفة إنتاجها مثل الطاقة الشمسية مثلاً. ولو أن كلفة إنتاج النفط في الدول الخليجية تبقى أقل بكثير من الطاقة البديلة.

فأكثر التقديرات أن يبقى سعر برميل النفط عند المستويات الحالية ولو أنه يرتفع أو ينخفض قليلاً عما هو الآن. واللافت أن تاريخ الدول العربية اتسم بالحروب من حرب إيران والعراق ثم الخليج بين العراق والكويت ثم الحرب الأميركية في العراق ثم حرب التحالف الدولي ضد «داعش» وتدهور الأوضاع في سورية والعراق ولم نر سعر النفط في الآونة الأخيرة يرتفع إلى مئة دولار للبرميل.

إن السوق النفطية تمر بدورة جديدة حيث لم يعد ممكناً أن تشهد شحاً في الغرض لأن كثرة الإنتاج النفطي في العالم لن تزول، كما أن حاجة العالم للنفط ستستمر قوية مع نمو الطلب في دول كبيرة مثل الصين. إذن سيبقى النفط سلعة استراتيجية أساسية مهما كانت التحديات، ولكن أسعاره قد تبقى متوسطة وعلى الدول المنتجة أن تتكيف مع هذه المستويات لمدة طويلة.

Related posts

كيف نخفف من خسائر الحرب؟* ماهر أبو طير

كلمة السر «في سرك»!* بشار جرار

كيف نتكيّف سياسياً مع المرحلة “الترامبية”؟* حسين الرواشدة