لا يبدو الوضع المالي مطمئناً تماماً، فهنالك أزمة حقيقية في إدارة الموازنة العامة، وتأمين الموارد المطلوبة لنفقات الدولة الجارية والرأسمالية، في الوقت الذي يؤشّر أنّ النمو الإجمالي للعام الماضي كان 2 % فقط، وهو أقل مما كان عليه في ذروة الحراك الشعبي والربيع العربي، ولم يتحسن هذا العام كثيراً (التقديرات 2.3 %)، ما يعني أنّ هنالك جموداً واضحاً في العملية الاقتصادية والاستثمار.
المهمة الأولى للحكومة تبدو في محاولة إقناع صندوق النقد الدولي في تقسيط مبلغ الـ450 مليون دينار التي من المفترض تحصيلها لصالح الموارد هذا العام لتصبح على عامين، مما يخفف من صعوبة القرارات التي تنتظر الحكومة في إطار اتفاقها مع الصندوق.
إذا أضفنا إلى ما سبق أنّ معدل بطالة رسميا تجاوز الـ18 %، وبالنسبة للشباب – في بعض التقديرات يتجاوز 40 %-، وضغوطا اقتصادية قاسية على الشريحة الواسعة من المواطنين، ما يخلق مزاجاً اجتماعياً سلبياً ضد الحكومة، بخاصة في المحافظات، حيث تقل، وربما تنعدم، فرص العمل في القطاع الخاص المحدود أصلاً هناك؟!
في ضوء ذلك كله؛ على ماذا يراهن “مطبخ القرار” في عمان لتحسين الوضع الاقتصادي، مع التذكير أنّ المنح الخارجية العربية (التي ارتبطت بالموقع الجيو استراتيجي الأردني) كانت دوماً مخرجاً من أزماتنا وأفقاً منتظراً لصانع القرار، أصبحت خارج الحسابات بالكلية، وإن كان ما يزال هنالك أمل على صندوق الاستثمار الأردني- السعودي لتحريك عجلة الاستثمار قليلاً العام المقبل!
الرهان الرئيس اليوم على طريق عمّان- بغداد، التي إن فُتحت فعلياً ومجازياً- سياسياً- ستشكّل فرصة جيدة لإنعاش قطاع الصادرات الأردنية والنقل وتفتح كوة في الحصار العملي، الذي يقع تحته الأردن، بفعل الظروف الإقليمية، وإذا ما تحسنت علاقة الأردن ببغداد، وقد يكون ذلك مرتبطاً في أحد أبعاده بعلاقتنا بطهران، فإنّ المضي في مشروع أنبوب النفط سيساعد في تحسين الأوضاع المالية للموازنة العامة.
ما يزال الرهان الأردني الآن، وعلى المدى القريب، في تحسن الظروف الأمنية في العراق، وفي اتخاذ قرار سياسي هناك بفتح الطريق البري، أما أنبوب النفط وما يرتبط به من حسابات سياسية، فهو على المدى المتوسط.
الرهان الثاني يتمثل بنجاح مشروع الهدن العسكرية في سورية، وصعود احتمالات الاستقرار العسكري والأمني، وهنالك توقعات بأن تتحسن الأمور أكثر خلال العامين القادمين، وإن كانت الكفّة تميل لصالح النظام اليوم، فإنّ الدور الروسي يساعد الأردن على التعامل مع الجوار الشمالي، بينما تبدو سيناريوهات الدور الأميركي محدودة جداً في سورية خلال المرحلة القادمة.
ما يأمله الأردن هنا هو أن تؤدي هذه التطورات، بخاصة في الجنوب، إلى عودة نسبة كبيرة من الأشقاء اللاجئين السوريين، وتنشيط التجارة مع تلك المناطق، وربما مع مناطق أخرى في سورية، وثانياً أن يكون هنالك دور، حتى وإن لم يكن كبيراً، لرجال الأعمال الأردنيين في مشروع “إعادة إعمار” سورية.
الرهان الذي ما يزال يسير متعثّراً لدينا، هو الرهان الداخلي على تحسين بيئة الأعمال، وإزالة العقبات أمام الاستثمارات الخارجية، وحتى الداخلية، وتكريس مفهوم دولة القانون وتطوير القطاع العام، ومكافحة الفساد الإداري، وإعادة هيكلة سوق العمل، فهذه الرهانات هي الكفيلة بخلق فرص عمل حقيقية وتحسين الأوضاع الداخلية، وإحداث النقلة النوعية المطلوبة في مفهوم العلاقة بين الدولة والمواطن، والتخلص من سياسات الريعية والاسترضاء التي أضرّت بالاقتصاد، بل ذبحته من الوريد إلى الوريد خلال العقود الماضية!
إصلاح البيت الداخلي أولاً، ثم أولاً، ثم أولاً.