لماذا كلّ هذه السلبية؟!/ محمد أبورمان

1. بالرغم من مشاركة الإسلاميين، ومن محاولات اليساريين إلاّ أنّ الانتخابات البلدية واللامركزية تفقد الزخم السياسي المطلوب، ومن الواضح أنّ المشاركة الحزبية فيها تأتي أقرب إلى محاولة تحسين المواقع، وفي إطار قياس موازين القوى من دون وجود رؤية عميقة عملية لدى الأحزاب والقوى السياسية وحتى المبادرات لدور البلديات واللامركزية في خدمة المجتمع وتحسين حياة المواطنين.

هذه الملاحظة من المهم التقاطها جيداً في انتخابات اليوم، لأنّها تعكس الصورة الحقيقية للفجوة العميقة بين ما تطرحه الأحزاب من خطابات أيديولوجية وما يحتاجه الناس حقّاً من البلديات والأهداف المنشودة من اللامركزية.

السلبية الحزبية الشديدة تبدّت في غياب دور الأحزاب في الترويج للانتخابات وتنوير الرأي العام بأهميتها، وبماذا يمكن أن يتم إحداثه من تغيير، ولو جزئي، في حياة المواطنين، وواقعهم الخدماتي، الذي يمثّل قضية رئيسة لكل مواطن.

المفارقة أنّ الانتخابات البلدية واللامركزية في كثير من دول العالم تمثّل الهمّ الرئيس للمواطنين الذين لا تشعر شريحة اجتماعية واسعة منهم أنّها معنية بالقضايا السياسية والأيديولوجية، بقدر ما أنّها معنية بحياتها اليومية والخدمات والمصالح الرئيسة والتنمية، وهي قصص وقضايا تشتبك مباشرةً مع عمل البلديات واللامركزية، لكنّها غابت تماماً عن الأحزاب والقوى السياسية، التي دخلت إلى هذه المعمعة باعتبارات سياسية، كما قلنا، من دون رؤية واضحة حقيقية.

2. السلبية الثانية هي سلبية النخب السياسية والمثقفين، وحتى الحكومة، في شرح أبعاد الانتخابات والنتائج المرجوة، وحتى التفاصيل المهمة في قانون اللامركزية الجديد. وهي الملاحظة التي يسجلها رئيس وزراء سابق يرى بأنّ هنالك مشكلة كبيرة في العزوف ليس فقط عن الاهتمام بالانتخابات، لدى طبقة عريضة من المجتمع، بل حتى لدى النخب السياسية، ويذكر كيف أنّ أبناءه وهم مهتمون سياسياً وقانونيون، كانت لديهم مشكلة حقيقية في فهم أبعاد قانون اللامركزية وكيف تجري العملية.

لجأت الماكينة الحكومية إلى التلفزيون الحكومي والمحاضرات، لكن الأسلوب كان قديماً ويعكس عدم إدراك من قبل العقلية الرسمية للتحولات الاجتماعية والثقافية، ويجسّد ذلك حجم المشكلة في الرسالة الاتصالية والتواصل بين الدولة ونسبة كبيرة من المواطنين.

3. للآسف أنّ الرهان الرسمي ما يزال في رفع نسبة التصويت في الانتخابات اليوم، سيكون – كالعادة- على العامل العشائري، الذي سيوفر نسبة كبيرة من الأصوات في المحافظات، والرهان الثاني أنّ التصويت في البلديات سيحمل معه التصويت في اللامركزية، طالما أنّ الناخب وصل – حكماً- إلى غرفة التصويت، فسيعطي صوته في كلا الورقتين، البلديات واللامركزية.

4. هذا وذاك يقودنا إلى المعضلة التي تعاني منها كل الانتخابات، البلدية والنيابية واللامركزية، وهي عزوف العَمّانيين، عموماً، عن المشاركة، وبدرجة قريبة منهم، إربد والزرقاء، ولذلك معادلة اجتماعية، لكنّه يمرّ – عادةً- من دون طَرْح الأسئلة العميقة الجوهرية عن سبب هذه السلبية الكبيرة، ليس فقط تجاه الشأن السياسي الداخلي (البرلمان)، على فرض أنّ هنالك خيبة أمل من إمكانية إحداث تغييرات سياسية، بل حتى في البلديات، التي ترتبط بالخدمات الأساسية، وبإمكانية تحسين الحياة اليومية.

لماذا؟ هذا السؤال غير المطروح بموضوعية وجدية وصدق؛ هل المشكلة كما يراها مسؤولون محافظون تتمثل بالكسل لدى العمّانيين، بخاصة عمان الغربية، وعدم رغبتهم في الاستيقاظ صباحاً؟! وهو جواب هزيل بطبيعة الحال، أم أنّ المشكلة في رسالة الدولة الاتصالية؟! أم في الشعور العميق بأنّ القصة أشبه بـ”طبخ الحصى”، كما لخّصها الأستاذ طاهر العدوان في كتابه “المواجهة بالكتابة”؟!  

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري