الطريق للخروج من كارثة الجامعات/ فهد الخيطان

لا أرقام البطالة المتصاعدة ولا التحذيرات المتكررة من الالتحاق بالتخصصات الراكدة تنفع. منذ أمس بدأ الناجحون بالتوجيهي بتقديم طلبات القبول الجامعي. ما لا يقل عن 35 ألف طالب سينالون مقاعد جامعية، أكثر من نصفها بتخصصات مشبعة في سوق العمل.

ولن تقف الفوضى عند هذا الحد، فالآلاف سيلتحقون ببرنامج الموازي باهظ الكلفة. ومن لا يتمكن من الحصول على مقعد في الجامعات الرسمية سيتجه للجامعات الخاصة. وبالنتيجة أكثر من 80 % من الناجحين يلتحقون بالتعليم الجامعي.

لا يحدث مثل هذا في أي بلد في العالم. جامعات عريقة في أوروبا وأميركا مضى على تأسيسها مئات السنين لا تستقبل مجتمعة نصف طلاب الجامعة الأردنية مثلا.

انظروا إلى النتائج الكارثية لهذا النهج المتبع منذ عقود في الأردن. خريجون بعشرات الآلاف لايجدون وظائف، مستوى أكاديمي متردٍ ومخرجات لا تسر الخاطر أبدا. جامعات تغرق بالديون، ففوق عبء الطلبة تعاني من تكدس الموظفين بلا عمل، مع عجز ملموس بالكفاءات من الأساتذة.

دق أكاديميون الجرس عشرات المرات، وسطّر مختصون الاستراتيجية تلو الأخرى للنهوض بالتعليم الجامعي وإنقاذه من الخراب، لكنّ شيئا لم يتغير. ما نزال على نفس المنوال كل سنة.

قرأت في” الغد” يوم أمس مقابلة للزميل تيسير النعيمي مع رئيس جامعة الأمير الحسين التقنية دكتور لبيب الخضرا. الجامعة تأسست حديثا وتستقبل هذا العام الفوج الأول من طلبتها. ومع أن الطاقة الاستيعابية للجامعة هى ألف طالب إلا أنها ستكتفي في البداية ب300 طالب فقط.

الأهم من ذلك هو فلسفة التعليم في الجامعة، نصف مساقاتها الدراسية هى عبارة عن برامج عملية، ولكل مساق نظري مساق عملي مرادف، في تخصصات يحتاجها بشدة السوق الأردني.

الدراسة في الجامعة على ثلاثة مستويات؛ دبلوم “جامعية متوسطة” بعدد ساعات دراسية لايزيد على 27 ساعة، وجامعية متوسطة ثانية بـ120 ساعة معتمدة، يقضي الطالب خلالها سنته الثالثة في المصنع أو بيئة العمل المناسبة لتخصصه. وهناك بالطبع مستوى البكالوريوس. ربع الخطط الدراسية مبنية على بناء المهارات التنافسية في سوق العمل، وثمة تركيز على إجادة اللغة الانجليزية لمنح الطالب فرصة إكمال دراساته العليا في جامعات غربية مرموقة عقدت معها إدارة الجامعة شراكات لهذه الغاية.

جامعة أنموذجية بحق تؤسس لثقافة جديدة مجتمعنا بأمس الحاجة إليها، وتتطابق في فلسفتها مع جامعات مثل”الأردنية الألمانية” وجامعة الأميرة سمية،لا بل تقدم إضافة نوعية للمستوى المميز لهاتين الجامعتين.

هذا النوع من التعليم هو الذي يمكننا من كسب المستقبل وتغيير المسار على نحو يستجيب لمصالحنا الوطنية وتطور الاقتصاد، واستعادة الريادة في مجال الموارد البشرية.

مثل جامعة الأمير الحسين نحتاج لعشر جامعات في الأردن؛ رشيقة وعصرية تركز على بناء القدرات في تخصصات مطلوبة، عوضا عن الوضع القائم حاليا.

ولا نقصد بهذا القول تأسيس جامعات جديدة، بل إعادة هيكلة الجامعات القائمة، لتخدم نفس الأهداف، والتخلص من الكارثة السنوية المتمثلة بقوائم القبول الموحد فيما لاينفع من تخصصات وأساليب تدريس وبيئة جامعية لا  تنتج غير العاطلين عن العمل.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري