من حق وزير المالية عمر ملحس أن يرهب الأردنيين من خطورة تأجيل اتخاذ قرارات رفع الأسعار، ولا ينكر عليه أحد مسلكه بالتلويح للأردنيين بأزمة مشابهة لتلك التي حلّت باليونان قبل سنوات مضت، كان لها تبعات كبيرة على الناس ومداخيلهم ومستوى معيشتهم.
ومن حق ملحس، كوزير للمالية وصانع لسياستها، تحذيرنا من خطورة بقاء قانون الضريبة على حاله، واستعراض أوجه الظلم التي يكرسها، بقوله إن نحو 95 % من الأردنيين لا يدفعون ضريبة دخل، فيما يسقط من الحسبة العبء الضريبي الكبير الذي يقع على كاهل المواطن جراء عديد ضرائب ورسوم لم يحصِ عددها بعد.
ومن واجبه، ربما، تبيان النتائج الكارثية الناجمة عن عدم وضع قانون جديد لضريبة الدخل يوسع قاعدة الخاضعين، ويعدل النسب المفروضة، ويشرح الضرر المتأتي من عدم زيادة الرسوم الجمركية على سلع وخدمات.
لكن وفي المقابل، أليس من حق الأردنيين على وزير المالية والحكومة بكل أعضائها أن يحاربوا الفساد الصغير الذي يعيث في مؤسسات حكومية وأهلية ويمارسه موظفون، مرة تحت غطاء الواسطة والمحسوبية ومرة برشى زاد منسوبها حتى باتت مسلكا عند بعض الموظفين.
وإن كان رفع الأسعار واتخاذ قرارات صعبة مسؤولية لا يجوز لأي مسؤول أو وزير التنصل منها، فأين المسؤولية من ظاهرة التهرب الضريبي التي تقدر الأموال الضائعة منها على الخزينة بمئات الملايين، أليس من واجبه، أيضا، قبل أن يطالب الناس باستقبال القرارات الصعبة وتحمل تبعاتها أن يحاصر التهرب الضريبي من قبل أصحاب المداخيل المرتفعة ومهنيين لم تعد قطاعاتهم سرا.
وكما هو حق للحكومة أن تقول إنه ما من حل إلا الالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولي، فإن من واجبها تجاه الناس ومن حقهم أن تستعيد الحكومة أموالهم المنهوبة، وأن تطبق القانون والقرارات القضائية بهذا الخصوص.
كما من المفيد على من يعمل في الفريق السياسي في الحكومة تقديم خطاب سياسي يقترب من هموم الناس، ويشرح لهم ما تفكر فيه الحكومة لحاضرهم ومستقبلهم، بشكل يعيد بناء جسور الثقة، وهي الثقة الغائبة اليوم التي تحول دون تفهم الناس لمثل هذه القرارات المالية، والعمل على تقليص الفجوة والمسافة بين الرأي العام والحكومة، قبل أن تقبل على أي خطوة، فبدون ثقة حقيقية وإيمان برؤية الحكومة وتصديق أن لديها مشروعا متكاملا؛ سياسيا واقتصاديا وإداريا لن يتقبل الناس أبدا ما تقدم عليه الحكومة.
وقبل أن تقرر الحكومة تنفيذ “الحزمة الجديدة”، عليها أن تقنع الناس بجدوى مثل هذه القرارات، خصوصا أن جميع الحكومات مارست دور الترهيب لتمرير قراراتها خلال السنوات الست الماضية، دون أن يظهر للناس نتائج ملموسة للإصلاح المالي، ودون أن يتوقف نمو المديونية كرقم مطلق، أو أن يتم ضبط العجز عند حدود آمنة.
النصيحة التي يلزم تقديمها للحكومة هي أنه بإمكانكم تمرير القرارات، وستظنون عندها أنكم حققتم منجزا كبيرا، لكن ما لا تحسبه الحكومة هو الكم الكبير للضرر المتأتي من مثل هذه القرارات، وهي المنزوعة من أي تعاطف تجاه الفرد في مثل هذه الظروف الاستثنائية، خصوصا أن المواطن تحمّل، وعلى التوالي، تدابير عديدة استهدفت جيبه ورفاهه.
على الحكومة أن تفكر طويلا كم ستساهم هذه القرارات بضرب المزاج وزيادة فجوة الثقة بينها وبين الناس، وأيضا أن تحسب دورها في قتل الأمل في قلوب الناس، وفقدان الثقة بالمستقبل.
كل هذه حقوق نعترف بها لوزير المالية وللحكومة، لكن ماذا عن واجباتهم تجاه المجتمع، فهل تؤخذ بعين الاعتبار؟