ليس غريباً أن يحتفل الأردنيون بنهاية تموز، بصورة كاريكاتورية، نظراً لما شهده الشهر من أزمات وأحداث جسام، بالإضافة إلى موجة حارّة صعبة على غالبية المواطنين، لكن الأكثر احتفالاً من المواطنين هي الحكومة نفسها، التي خرجت من رحم أزمات أكثر حرارة من شمس تموز!
مضى تموز آخذاً معه جزءاً كبيراً من أزمة الأقصى، وأزمة الحويطات، وأزمة السفارة الإسرائيلية، فتنفّست الحكومة الصعداء، بانتظار إجراء الانتخابات اللامركزية والبلدية بنجاح، بعد أسبوعين، لتبدأ في مواجهة تحديات جديدة أخرى، أبرزها تنفيد شطر جديد من الالتزامات مع صندوق النقد الدولي، أو إعادة النقاش حولها على الأقل مع إدارة الصندوق.
على الأغلب، فإنّ القناعة لدى مجلس السياسات(NPC) بخلاف التكهنات التي هيمنت على النخب السياسية، في اليومين الماضيين، تتمثّل بأنّ بقاء الحكومة أفضل من رحيلها، لأنّ المطلوب ليس تغيير الأشخاص، إنّما تطوير السياسات والأدوات والاستفادة من الأخطاء والفجوات التي حدثت لإنضاج التعامل بصورة أفضل مع الأزمات.
ضمن هذا الإطار فإنّ الأوساط المقرّبة من رئيس الوزراء تتحدث عن التفرّغ، بعد الانتخابات، للأولويات والمشروعات الرئيسة التي بدأت الحكومة بها، وتشعر أنّها تمثل مشروعاتها الوطنية الحقيقية المطلوبة، وأولوياتها التي عليها أن تنجزها، وفي مقدمتها إصلاح الإدارة العامة في الأردن، على أكثر من مستوى، سواء على صعيد ترشيق الجهاز الإداري عموماً وتأهيله لخدمة المواطنين وتجسير العلاقة بصورة إيجابية وحيوية بين المواطن والدولة، في مختلف المؤسسات، والقدرة على التعامل الجيد مع الاستثمار، أو على صعيد مواجهة العقبات البيروقراطية والإدارية التي تعيق العمل والتطوير، أو على صعيد مواجهة الآفة الجديدة، غير المعهودة أردنياً، وتتمثل في الرشوة والفساد الإداري، وحتى المحسوبيات والواسطات وغيرها من أمراض خطيرة ابتلي بها الجهاز الإداري الأردني العريض.
هذه المهمة التاريخية، التي تأخذ تفكيراً جدياً لدى الرئيس ومن ورائه مجلس السياسات الوطني، قد نعود لها لاحقاً، لكنّها على درجة كبيرة من الأهمية، ولا تحتمل التأخير اليوم، كي لا تتضاعف آثارها.
المهمة الثانية التي يضعها الرئيس كأولوية له تتمثل بإصلاح التعليم العام في الأردن، في المدارس الحكومية، وهي التي تم اختيار عمر الرزاز لها، لكنّها تتطلب تضافر أكثر من جهة، وتقف وراء هذا الجهد وتدعمه الملكة رانيا، وتسير المهمة على أكثر من صعيد، تطوير المعلمين والمناهج والبنية التحتية، وهنالك وعد الملكة الذي أطلقته بأن يشهد التعليم الأردني تحولاً نوعياً كبيراً، وهي الأولوية التي يشعر الرئيس أنّها تمثّل جزءاً مهماً من مهماته الرئيسة.
المهمة الثالثة تتمثل بتطوير القطاع الصحّي، على صعيد أفقي وعمودي، ليس فقط في تأسيس المستشفيات والمراكز الطبية، بل بناء القدرات المطلوبة، وتوفير هذه الخدمة بصورة مريحة ومتاحة للغالبية العظمى من المواطنين.
المهمة الرابعة تتمثل بموضوع الشباب، مع انتشار تحديات، وربما أخطار كبيرة تحيط بهم، مثل التطرف والمخدرات والبطالة، فهنالك تفكير جدي بإيجاد خطة عمل استراتيجية لحماية وإنقاذ وتمكين جيل الشباب خلال الفترة القادمة.
الآن، هل هذه المهمات مستحيلة، أم صعبة جداً، أم ممكنة؟! ذلك يعتمد على توافر الإرادة السياسية والجديّة والإصرار على إنجاز الأعمال، وعلى القدرة على بناء رؤية سياسية متماسكة ورواية إعلامية مقنعة تقود الشارع مع الحكومة لتدشين هذه المشروعات الكبرى على مستوى الوطن، وهي – كما تقول أوساط الرئيس- تمثّل جوهر الرؤية الحقيقية التي تحكم تفكيره للفترة القادمة.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وما السبيل إلى تذليل الصعوبات الهائلة، سأتناوله في مقالة الغد.