فرضيات التغيير الحكومي/ فهد الخيطان

النخب السياسية والإعلامية غارقة في التوقعات والتنبؤات حول التغييرات المحتملة بعد سلسلة الأحداث الأخيرة التي شهدتها المملكة؛ تطورات قضية “الجفر”، وحادثة السفارة الإسرائيلية وما ترتب عليها من تداعيات، بالإضافة لملفات داخلية أخرى.

كالعادة، السيناريوهات المفترضة أحاطت بكل الاحتمالات الممكنة والتوقيتات. تغيير حكومي جذري أم تعديل وزاري، قبل الانتخابات البلدية أم بعدها – الأغلبية ترجح بعدها – ولم تستثن التكهنات الديوان الملكي ومناصب أخرى مهمة.

الحديث عن تغيير الحكومات والمسؤولين تقليد أردني متجذر، ورغم تجربة السنوات الأخيرة مع حكومات مستقرة لأربع سنوات، إلا أن النخب السياسية ما تزال تأمل بكسر هذه القاعدة والعودة للأسلوب السابق في التشكيل والتغيير، يستثنى من ذلك منهم في المواقع الوزارية والرسمية.

مجلس النواب منعقد في دورة استثنائية، وكان الوضع ليختلف بعض الشيء لو أنها دورة عادية يستطيع النواب خلالها طرح الثقة بالحكومة. قد لا يكون موقف البرلمان حاسما في هذا الشأن، لكن ربما يتمكن من فرض إيقاعه، والدفع بخيارات محددة، كما حدث في تعديل سابق على حكومة الملقي بعد أحداث الكرك.

لن تطوى ملفات التأزيم بين الحكومة والبرلمان قريبا، خصوصا حادثة السفارة الإسرائيلية، وإذا لم تبادر الحكومة لإحاطة النواب بكافة التفاصيل والتطورات، فإنها ستعلق طويلا معهم وتواجه مأزقا مع بداية الدورة العادية بعد أشهر قليلة.

لقد قدم رئيس الوزراء عرضا قانونيا ودبلوماسيا متماسكا حول القضية في اجتماع مجلس السياسات، يعالج القضية من كل جوانبها، ولا أجد سببا يحول دون تقديمه للنواب والأعيان في جلسة غير رسمية، ستجد الحكومة من بعده تفهما أكبر لموقفها.

في اعتقادي أن الرهانات على تغيير حكومي ليست في محلها خلال هذه المرحلة. هناك شعور قوي بالحاجة لتطوير الأدوات ووسائل عمل المؤسسات، وسد الثغرات في آليات التنسيق، واقتراح أشكال جديدة للعمل تساعد على انسياب المعلومات بسلاسة ووصولها لوسائل الإعلام والجمهور بوقت قياسي.

لقد واجهنا من قبل مشكلة الرواية الرسمية في أحداث الكرك، وتم بعدها تطوير آليات عمل لتجنب هذه الإشكالية، إلا ان مستوى أعلى للمشكلة ظهر في الأحداث الأخيرة ما استدعى التفكير خارج الصندوق هذه المرة.

ليس جديدا القول إن الإشكالية في الأحداث الأخيرة لم تكن في الآليات والأدوات الإعلامية، بل في أسلوب إدارة الأزمة برمتها، وغياب المنهجية، وهو ما انعكس على المستوى الإعلامي. أداء الإعلام ليس سوى انعكاس لأداء السلطات والمسؤولين، ولا يمكن مساءلته في غياب رواية رسمية متماسكة.

وليس سرا القول أيضا إن الثقة بالحكومة قد تدهورت بشكل كبير بعد الحادثة الأخيرة، لكن هذا كان متوقعا في كل الأحوال، فالرأي العام غير مستعد لتفهم الدوافع القانونية التي تفرض على الحكومة عدم تقديم القاتل الإسرائيلي للمحاكمة أمام القضاء الأردني، خصوصا في ضوء التطورات العاصفة التي كانت تشهدها القدس، ومقدار التفاعل الشعبي معها. أي حكومة كانت لتدفع الثمن الذي دفعته حكومة الملقي من شعبيتها ومكانتها.

إزاء كل ذلك يغدو خيار التغيير بلا معنى من الناحية السياسية، إلا إذا كان متبوعا باستدارة كاملة في مقاربات الدولة الأساسية، وهذا لا يبدو واردا في الأفق.

التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على تطوير الأداء والأدوات.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري