عروبة الإخباري- خاص- هيثم حسان- تعيد الرياض تموقعها في المنطقة وصياغة تحالفاتها الإقليمية، ربما تطلعا لدور إقليمي لم تكن تسعى إليه من قبل، لكنه بات ملحا في لحظة الفراغ الإقليمية الراهنة.
البوصلة السعودية تتجه بقوة هذه الأيام إلى العراق، مكمن النفوذ الإيراني الجيوسياسي المباشر في المنطقة، وذلك بعد عقود من العداء مع عراق صدام حسين، والعداء مع حكم وأحزاب الطوائف العراقية التي كانت تدور أغلبها في الفلك الإيراني.
ولعل زيارة الزعيم السياسي/ الديني العراقي مقتدى الصدر إلى السعودية، بدعوة رسمية عبر السفير العراقي في الرياض رشدي العاني، هي أحدث الاختراقات السعودية في الجبهة العراقية غير الموحدة، والتي أخذت في التصدع منذ سنوات.
ويرى مراقبون أن الزيارة العلنية، وغير محددة المدة، للصدر إلى الرياض، كشفت عن علاقات سرية كانت تنسجها الرياض مع الزعيم العراقي الذي يحظى بشعبية كبيرة في أوساط العراقيين، سيما وأنه سليل عائلة سياسية وذات وزن وثقل ديني في العراق، والوسط الشيعي تحديدا.
الوفد المرافق للصدر، في زيارته للسعودية، ضم رجال دين وأعضاء بالتيار الصدري، فضلاً عن أبو دعاء العيساوي، الذي يُعرف بــ”المعاون الجهادي” للصدر.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حل ضيفا على الرياض قبل نحو شهر، وبعد ذلك حل وزير الداخلية العراقي، القيادي في مليشيا “الحشد الشعبي”، قاسم الأعرجي، ضيفا على السعودية، تلبية لدعوة رسمية تلقّاها من الرياض، وأثمرت الزيارة عن اتفاقيات على تشكيل لجان مختصة من قبل قيادات وزارة الداخلية في البلدين؛ السعودية والعراق، تعمل على تبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود، ومكافحة المخدّرات، وتطوير قدرات الدفاع المدني، وتسهيل تأشيرات دخول العراقيين إلى المملكة.
فهل تمثل زيارة الصدر إلى الرياض قطيعة بين الصدر وطهران، التي هتف الصدريون قبل نحو عام من وسط بغداد ضدها بالقول: “إيران برا برا”، وهل يسعى الزعيم الصدر للبحث عن حليف إقليمي خارج السرب الشيعي؟، ومع من السعودية!!، زعيمة التحالف السني الإقليمي والخصم اللدود لطهران؟!
تشير المعلومات إلى أن السفير السعودي السابق ثامر السبهان تمكن خلال فترة إقامته في العراق من نسج علاقات ودية مع الزعيم مقتدى الصدر وتياره، واستمرت لقاءات الصدر السبهان في بيروت، وهو ما برز عمليا في الاستقبال الحار للصدر في جدة؛ حيث كان في استقباله وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، وذلك لايخلو من دلالات وإشارات ورسائل سعودية عميقة.
وكان الصدر أبرم تحالفا مع إياد علاوي، المقرب من السعودية، ويسعى الرجلان بدعم سعودي إلى تحقيق الأغلبية في الانتخابات النيابية المقبلة لكسر الشوكة الإيرانية والأغلبية في البرلمان العراقي، وتثبيطا لصعود تيار نوري المالكي أو المندوب السامي الإيراني في العراق.
بعد عودة الصدر إلى بغداد ينتظر العراقيون خطابا صدريا ناريا ضد إيران وادواتها في العراق، ستكون له تداعياته العراقية والإقليمية وسيمتد صداه من طهران مرورا ببغداد وبيروت ودمشق إلى الرياض والعواصم العربية كافة.
المشهد العراقي يتغير بسرعة، وآخره زيارة الصدر إلى السعودية، وقبلها انشقاق الزعيم العراقي عمار الحكيم عن التيار الذي يرأسه الأسبوع الماضي.
إذا، قصة الطلاق المعلن مع طهران تبدو أكثر نضوجا في عقول السياسيين العراقيين ولاسيما حلفاء إيران التقليديين في العراق، فالكثير من القوى السياسية العراقية تخرج تباعا من الفلك الإيراني، وهو ما يمثل نجاحا للسياسة السعودية التي أخذت تتهيأ للعب دور إقليمي غير تقليدي.