“ليس الكريم على القنا بمحرم” عنترة بن شداد لا نملك سوى القبول بقرارات المحاكم والقضاء، ونراهن على فرص مراجعتها واستئنافها، ومهما كانت النتائج، ومهما كانت مشاعرنا ومواقفنا فإن إضعاف سلطة القضاء والقانون يضرّ بجميع المواطنين بمن فيهم الذين يعتقدون أنهم لم يخطئوا، فالمحاكم إن أضرت بأحد او بفئة تحمي في محصلة عملها الحقوق والعقد الاجتماعي، ولا يقلل من سمو ونبل عملها أن تكون برأي فئة من المواطنين أخطأت، لأن الصواب دائما هو الاحتكام إلى القانون، فلا يمكن الموافقة على عمل ينتهك القانون وسيادة الدولة مهما كانت دوافعه نبيلة، ومهما كان قدر البطولة والتضحية الذي يتضمنه، ولا يجوز أن تغيب سيادة القانون في أية لحظة لأجل عمل يعتقد أصحابه أنه بطولي؛ لأنه في اللحظة التي يغيب فيها القانون تضيع كل المصالح والأعمال والقيم، ولا نملك لتنظيم حياتنا وحقوقنا سوى سيادة القانون الذي يجب أن يُظِلّ الجميع .. ويطالهم أيضا! فلا أحد فوق القانون حتى الأبطال! والموافقة على ازدواجية القانون وتطبيقه والقبول بذلك يفسد العقد الاجتماعي.
وما من مجال للنضال والتأثير سوى الرهان على القانون والمؤسسات الرسمية والاجتماعية، وفي هذا المجال يجري الجدل العام، لنتخيل أن كل صاحب قضية يراها عادلة أو نبيلة أو حقا نزل من السماء يريد تطبيقها او فرضها خارج القانون والمؤسسات فسوف ندخل أنفسنا في متاهة ومفاسد كبيرة جدا، والظلم الذي يصاحب تطبيق القانون أقل ضررا وبفارق كبير جدا من تحقيق العدل والحقوق خارج القانون!
لا يبدو أن ثمة مصلحة للحكومة أو لجهة رسمية أو دولة خارجية في إدانة ظالمة للجندي الذي قدم إلى محكمة أمن الدولة، وربما تتمنى جميع الأطراف لو أن ما حدث كان خطأ فنيا أو بسبب تطبيق القواعد والتعليمات المتبعة، فلا أحد يجد مصلحة في تسييس القضية، العكس فإن المصلحة تقتضي ألا تكون العملية قتلا متعمدا أو بدوافع سياسية، لكن أيضا لا يمكن تحوير القضية، ففي ذلك ندخل القضاء والمؤسسات والقانون وضمير القضاة في أزمة كبرى، ونفتح الباب للشرّ.
إذا كان أحد يعتقد أن ما فعله صواب أو بطولة فلا أحد يستطيع منعه او إجباره، وعليه أيضا أن يتحمل ببطولة ونبل عاقبة عمله، وهذا ليس نادرا في بلدنا، فقد رأينا شبابا أقدموا على أعمال مخالفة للقانون يعتقدون أنها بطولة ومقاومة للعدو، وتحملوا نتيجة أعمالهم برضا وقبول من غير كراهية أو مشاعر سيئة تجاه القضاء والحكومة والأجهزة الأمنية، وقد رفضوا محاولات المحامين تكييف القضية باتجاه غير سياسي لأجل تخفيف الحكم، ثم شملهم عفو بعد سنوات وخرجوا الى الحياة العملية، وها هم يمارسون حياتهم مواطنين صالحين، وفي تجارب تاريخية فقد رفض كثير من الشباب الخروج من البلد وتقدموا الى القضاء وقبلوا بالحكم، ثم إن بعضهم صار من قادة الدولة أو مضى ناجحا وراضيا في الحياة العملية والخاصة، وبالمناسبة فإنها أمثلة يغلب عليها أن أصحابها من أبناء العشائر الكبيرة وممن عملوا في مواقع مهمة وحساسة في الدولة، ففي المحصلة يظل هذا بلدنا الذي يجب أن نحافظ عليه حتى لو اختلفت الاتجاهات والمواقف، ولا يعقل أن نلحق الضرر بالدولة لأجل كل خلاف معها، والحال أننا بذلك نعاقب أنفسنا!