الحل الخليجي للأزمة الخليجية/ فهد الخيطان

قيل أخيرا من طرف معني بالأزمة بين “الدول الأربع” من جهة وقطر من جهة أخرى إنها شأن داخلي لدول الخليج سيعالج في إطار “البيت الخليجي“.

مثل هذا القول فيه قدر من الحكمة، وكان مطلب الكثيرين بداية الأزمة. لكن ثمة تفاصيل ودفوعات في منطق أصحاب هذا الرأي يجب الوقوف عندها.

ينبغي الإشارة أولا إلى أن الدول الأربع التي فجرت الأزمة مع قطر لا تسكن كلها البيت الخليجي، هناك مصر، إلا إذا كان موقفها تحصيل حاصل مثلما يبدو من سير الأحداث.

وحين اندلاع الأزمة سارعت دول معنية وبسرعة قياسية لأخذها للحيز الدولي، وحشد تأييد الدول لموقفها، والتلويح بنقلها لمجلس الأمن لاستصدار قرارات ذات صفة ملزمة، لولا أن ميزان القوى لم يكن ليسمح بمغامرة كهذه.

ثم وفي وقت لاحق فتحت أبواب العواصم المعنية لوساطات أميركية وأوروبية، وطار وزراء الدول الأربع إلى واشنطن وبرلين وباريس وموسكو لاختبار المواقف والحلول.

الأهم من ذلك أن من يتبنى الحل الخليجي للأزمة عليه أن يمتثل لآلياته القائمة، ما يعني تفعيل منظومة التعاون الخليجي، ودعوة مجلسه للانعقاد على المستويين؛ القمة والوزاري، لمناقشة المطالب المعروضة، وتصميم آلية للحوار بشأنها تنتهي بتوصيات لقادة الدول.

لم يحدث مثل هذا أبدا، حتى أن الوساطة الخليجية ممثلة بدولة الكويت، جرى تهميشها في البداية ولم تؤخذ من قبل البعض على محمل الجد إلا بضغط أميركي.

وعوضا عن تفعيل الحل الخليجي تعالت الدعوات لتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون. لم يكن تحقيق مثل الأمر ممكنا لاعتبارات كثيرة، لكن من الناحية العملية تم تجميد عمل مجلس التعاون الخليجي كله وتعطيل مؤسساته إلى إشعار آخر.

وفي ضوء التصريحات المتتالية عن أن الأزمة ستطول ولن تشهد حلولا قريبة، فمعنى ذلك أن مجلس التعاون سيدخل في حالة موت سريري طويلة، وقد يصعب إنعاشه إذا ما طالت إقامته في العناية المركزة.

ما يحصل من الناحية العملية حاليا ينطوي على سلبية قاتلة، عنوانها القطيعة، أي ترك الأزمة على حالها دون حلول، وتكريس الوضع القائم بشكل دائم، من غير استعداد للنظر بالمقترحات المعروضة من الوسطاء أو القبول حتى بمناقشتها.

هي دبلوماسية تراهن على الزمن لخلق الأمر الواقع، لكن ماذا يعني هذا في التطبيق؟

مجلس التعاون الخليجي يبقى في حالة شلل تام، وربما يدخل طور الانهيار.

مع مرور الوقت ستتكيف الدوحة مع حالة الحصار، وتطور آليات بديلة للتعاون الثنائي، تغنيها عن دول الجوار ومنتجاتها.

دوليا لن يحدث أي تغيير جوهري؛ علاقات قطر مع القوى الدولية والعواصم العالمية لن تتأثر بسياسات الدول الأربع، وستبقى المصالح المتبادلة قائمة لا بل هي مرشحة للتنامي.

حالة من الاستقطاب الإقليمي ستنشأ، وسيكون من الصعب على الدول الأربع معاداة الدول المنفتحة على قطر. ومن غير المستبعد أن تضعف قبضة الدول الأربع على بعض الدول العربية والإسلامية التي ساندت قراراتها في البداية، وسنشهد عودة تدريجية للعلاقات بينها وبين الدوحة.

هناك قناعة لدى أوساط دبلوماسية عربية أن النافذة المفتوحة حاليا لتفكيك الأزمة والتراجع عن الخطوات السابقة، هي الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الدول الأربع للخروج من المأزق، والقبول بتسوية دبلوماسية منصفة ومتوازنة. بخلاف ذلك لن يعود هناك في العالم من يلقي بالا للأزمة، أو أن مصطلح الأزمة من أساسه يختفي.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري