عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب- أنهى الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية جولة ناجحة في عدة عواصم في افريقيا تونس و القاهرة و في اوروبا باريس و في اسيا .. عمان، وقد التقى مع الرؤساء في أديس أبابا رئيس الوزراء مريام ديسالين و مع قادة قمة منظمة الوحدة الافريقية و مع الرئيس التونسي الباجى قائد السبسى و مع الرئيس الفرنسي ماكرون و الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
حصاد الزيارات كان وفيراً ففي أديس ابابا وضع الرئيس عباس كثير من القادة الافارقة في صورة الوضع في الشرق الاوسط و ضرورة العمل لدفع عملية سلام حقيقية لا ترهنها حكومة اليمين الاسرائيلية ، و كانت لمباحثات الرئيس مع عديد من الزعماء نتائج إيجابية في ترسيخ العلاقات الفلسطينية مع عديد من العواصم الافريقية و في مقدمتها أديس أبابا ..
حين قابلت الرئيس عباس الذي وضعني في صورة جولته و مضامينها و أهدافها . كنت أرغب أن أتوقف مع اجاباته على زيارته للقاهرة، حيث عملت وسائل اعلام في المنطقة للشغب على سياسات الرئيس ابو مازن وتوجهاته، وكان ردّ عليها بعدم الاشتباك الاعلامي و إنما بترك الحقائق على الارض تأخذ مداها و تعلن عن نفسها بوضوح، فالرئيس من الصراحة و الشفافية بحيث لا تخفى سياساته ولا يتحدث بها وراء الابواب المغلقة حتى إذ فتحت الابواب وقيل ما هذا غيّر منها و فيها .. و لذا فإن الحوار الامريكي الفلسطيني المستمر مع الرئيس يأخذ الآن منحى فهم الموقف الفلسطيني الذي يعبر عنه الرئيس في مسائل عديدة لها علاقة بالحال الفلسطينية .
فالإميركيون الذين كان يهمهم حماس و استمرار مواقفها القائمة ومناكفاتها للسلطة كانوا وما زالوا بضغطون على الرئيس ابو مازن الذي اتخذ خطوة تجميد رواتب 30% من موظفي غزة الذين تشغلهم حماس لصالح سياساتها المعبرة عنها بالادارة العامة في غزة. وهي حكومة موازية طالب الرئيس عباس بحلها .. فالرواتب التي تصرفها السلطة لموظفي حماس في غزة والتي تزيد عن مليار وخمسماية دولار هي التي استهدفت بالايقاف مما اثار حفيظة الولايات المتحدة التي التقى مبعوثها جيسون جرينبلات الرئيس ابو مازن في رام الله وهذا اللقاء هو الثالث فالرئيس من اكثر القادة العرب لقاء مع الادارة الامريكية الجديدة ورئيسها دونالد ترامب .. والضغوط عليه لإعادة المفصولين الذين جرى تقاعدهم ووقف رواتبهم من حماس لم تنجح وكان الرئيس واضحا في ذلك ولن تتغير الامور إلا بحل حكومة حماس وعودة الحال الى ما كانت عليه قبل الانقلاب.. وفي نفس السياق كان تصرف السلطة الوطنية في رام الله ازاء الادوية المرسلة الى غزة والتي كانت حماس تحتكر توزيعها على تنظيمها وعناصرها وتبيعها لصالح قياداتها ومنها أنواعاً مهمة من الدواء والمتعلقة بشبكات القلب وادوية نوعية اخرى وهو الاسلوب الذي جعل الرئيس عباس يأخذ موقفا جديدا مختلفا لم يقبل فيه ضغوطا امريكية وبعضها عربية وبدل ان تتفهم الولايات المتحدة خطوات الرئيس الضاغطة التي تدفع باتجاه اعادة اللحمة الفلسطينية ادعت الادارة ان من شأن خطوته ان تفجر الاوضاع في قطاع غزة وان تثير الشارع بردود فعل قوية وقد استغرب الرئيس هذا الادعاء وهذا الموقف الامريكي فقد كان ادرك من قبل ان شراكة حماس في الانتخابات الفلسطينية والتي انقلبت حماس بعدها على السلطة الوطنية كانت بتوجيه امريكي من وزيرة الخارجية انذاك كونداليزا رايس التي كانت ترى ضرورة دعم حماس وتمكينها من حصد نتائج الانتخابات و تمكينها من الفوز وكانت وعدت قيادات حين التقتهم اخوانية تمكينهم من الفوز حتى اذا ما فازوا استكملوا الخطة التي عرفناها فيما بعد وهي نفس الخطة التي مكنت فيها الادارة الامريكية قيادات للاخوان من الاستيلاء على السلطة في اكثر من بلد عربي وخاصة في تونس ومصر.
لقد ظلت الادارة الامريكية تدعم نشوء حماس والاخوان المسلمين وقد وصل ذلك ذروته زمن الرئيس اوباما ومن قبل زمن ادارة الرئيس بوش الإبن فالامريكيون هم من أوعزوا الى دولة قطر استقبال وقبول قيادات حماس المبعدة من الاردن وهي القيادات التي اعادت قطر واطراف دولية توظيف ادوارها مجددا ضد الشرعية الفلسطينية الى ان جرت متغيرات في الادارة الامريكية التي راينا مواقفها الجديدة في عدم استمرار احتضان الاخوان وايضا حماس وقد جرى التعبير عن ذلك من خلال الازمة القطرية مع دول الخليج الاخرى.
الحوار المصري الفلسطيني في لقاء الرئيس ابو مازن مع الرئيس السيسي كان ودودا ومريحا وصفه الرئيس ابو مازن بهذه الصفة وبين في الوصف حاجة مصر لهذا الحوار وحاجة فلسطين كذلك وان العلاقات لم تكن من قبل كما وصفتها بعض وسائل الاعلام المعادية وانما كانت جيدة وهي الان اكثر جودة بل انها متطابقة في كثير من الجوانب وان ما قيل انه اعترى الموقف المصري من مواقف جانبية تتعلق بالدحلان او اعادة تسويق حماس امام ضغوط عربية أو دولية ليس صحيحا فالموقف المصري الذي عبر عنه الرئيس السيسي هو الموقف الصحيح أما المواقف الاخرى الجانبية والتي تبيع بالقطاعي من هذا الجهاز او تلك المجموعة فهذه عقلية ظلت معروفة وظل يمكن التعامل معها واطفائها بلقاء الرئيس السيسي ومسح اثارها.. فمصر كما قال الرئيس السيسي لا تخطئ في هذا المجال ..
الرئيس السيسي الذي وجد مساحة من الوقت لمناقشة الرئيس في جانب من تاريخ مصر يتعلق بالاخوان المسلمين حيث استمع الرئيس السيسي للرئيس عباس لمداخلة تتعلق بما ورد من معلومات في احد المسلسلات عن تاريخ مصر وعن طبيعة ودور الاخوان المسلمين ومنظر النحاس باشا يُقبل يد الملك فاروق وتفسير ابو مازن للظاهرة ومقارنتها حين كانت الدبابات الانجليزية تحاصر القصر الملكي في القاهرة لفرض النحاس الذي كان عميلاً للإنجليز.
ابو مازن الذي يعتقد الامريكيون كما اعتقد غيرهم من اتباعهم في المنطقة انهم يستطيعون الضغط عليه خاصة فيما يتعلق بطلبهم منه قطع رواتب ومعاشات الشهداء والاسرى الفلسطينيين وهي الفكرة التي روجت لها اسرائيل لدى الادارة الامريكية..
وحين كان المبعوث الامريكي الى رام الله يفاتح ابو مازن في الامر في بيت لحم نظر اليه النظرة المعهودة حين لا يعجبه شيء واستعمل لغة الجسد وكأنه يقول “انسى الموضوع” مذكرا بلغة فصيحة أنه يدفع لهؤلاء “اي الحركة تدفع” منذ عام 1965 وهو لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة دون استمرار التزامه معهم وبهم فهم جزء اصيل من الشعب الفلسطيني في قضية ما زالت حيّة، واستغرب ابو مازن ان يطلب منه استمرار تمويل حماس قائلا للذين طالبوه من العرب والامريكيين : ” طيب تفضلوا ادفعوا لحماس بدل مطالبتي بالدفع”.
قيادة حماس تستعمل موضوع الكهرباء وموضوع الموظفين وموضوع الادوية والعلاجات كقميص عثمان واصرار الرئيس على موقفه ليس لأنه ضد شعبه او مصالح شعبه او نضالات شعبه ولكنه يدرك أنه يصب بذلك ان استمر في طاحونة الانقسام والاستعداء على السلطة وتغذية سلطة حماس ومخططاتها.
ضغط الادارة الامريكية على الرئيس عباس في قضية تهديده بقطع المساعدات الامريكية عنه في حال استمر في الدفع لأسر الشهداء والاسرى رد عليه “إذا اقطعوا ماشئتم فلن استجب لذلك ابدا، وان كنتم تصرون على ذلك فقولوا لصديقكم نتنياهو ان يرسل لي ملازما لتسليمه المفتاح فأريحكم من ما تعتبرونه عقبة في وجه طلبكم ، وعندها تدبروا الامر وواجهوا الشعب الفلسطيني” !!!!
ابو مازن كما علمت قال للمبعوث الامريكي (بعد ان طالبه ان يفتح أذنيه وان يستمع جيدا “) ان كنتم تريدون ذلك اي قطع رواتب الشهداء لخدمة اسرائيل فسنسلم اسرائيل المفاتيح .. ثم سندخل الى منظمات الامم المتحدة الدولية اعدادها كبيرة تزيد عن اربعمائة وخاصة منظمة الملكية الفكرية فإن دخلناها ستنسحبون منها وعندها ستتربع الصين ، وستكون خسائركم بالمليارات”عندها انتبه المبعوث الامريكي وبلع ريقه وصمت.
كانت تلك قنبلة ابو مازن الذرية التي هدد بتفجيرها أمام المبعوث الامريكي الذي كان عليه ان يعود لإدارته بهذا الموقف.
اذن مقايضة ابو مازن ستكون غالية الثمن لا يستطيعون دفعها وهي انهيار السلطة والانخراط في منظمات دولية وكذلك وقف التنسيق الامني بالكامل.و بالتالي قطع فأن مخصصات الشهداء والأسرى .. “دون ذلك خرط العتاد”!!
الرئيس عباس الذي يعشق الموسيقى والغناء والتمثيل وكتابة الرواية هو متابع دقيق لذلك فإن ما تحدث به على الهامش مع الرئيس السيسي من انه على استعداد ان يكتب الجزء الثاني للمسلسل والذي سينال من تاريخ الاخوان المسلمين وهذه الصفحات من تاريخ مصر ليكمل مشاهد وحلقات ابدع فيها الممثلون في الانتاج المصري والذين كان منهم اثنين من الفلسطينيين.
ابو مازن يقرأ التاريخ وهو باحث جاد له اكثر من عشرين كتابا بعضها في الصراع مع اسرائيل والصهيونية وعن يهود روسيا وعن المهاجرين الروس وغيرها الكثير .مما تتعلق بالوقائع التاريخية ولديه قدرة عالية على الربط والاستنتاج واخذ الدروس .. فهو ادرك منذ وقت مبكر مدى الضرر والخطر الذي لحق بالقضية الفلسطينية وسوء التعامل مع القيادة الفلسطينية حين وقفت منظمة التحرير الى جانب العراق في الصدام مع دول الخليج بعد غزو الكويت . ويدرك ان ذلك كان يحتاج الى نقد والى أخذ عبرة ودروس يستفاد منها الان في عدم الانسياق في اتخاذ مواقف بين الطرفين الشقيقين في دول الخليج .
واعتقد أنه يرى كما يرى المثل العامي ” يا داخل بين البصلة ..” وانهم أي دول الخليج سيعودون غدا للمصالحة ونخرج ان تدخلنا بخفي حنين، فنحن ما زلنا نشكو التدخل في شؤوننا حتى من جانب اشقاء عرب ولذا نرفض التدخل في شؤونهم لأنه لا ينقصنا المزيد من العقوبات واللوم والضرر، “فدرء المفاسد أولى من جلب المنافع”، ولذا سنلتزم الحياد وقد اخبرنا اخواننا بذلك، واطلعناهم على وجهة نظرنا فنحن في الموضوع الفلسطيني مع اخواننا الذين يساعدوننا كانوا وما زالوا وفي مقدمتهم الاردن ومصر والمملكة العربية السعودية وهذه الدول الثلاث بالنسبة لنا خط احمر وهي اي الاردن ومصر لم يخذلوننا ابدا لمسنا ذلك في القمة العربية في البحر الميت وبعد ذلك والى اليوم فقد وقف الاردن معنا وما زال يقف ونحن نحترم سياساته العاقلة والمتوازنة وحرصه على مصالح الامة ونحن متفاهمين تماما على قضايا الواقع وتطوراتها وسنبقى في حالة تشاور على كل المستويات ونحن باستمرار نتبادل الرأي ونضع اخواننا هنا في الصورة وهم لا يبخلون علينا بتقديم النصح وعرض رؤيتهم وكذلك اخواننا في مصر الذين جنبوا الامة التآمر والضياع وما زالوا يستبسلون في رد التحديات التي يمثلها الاخوان المسلمون.
وعن زيارته تونس قال الرئيس ابو مازن لأخواننا في تونس في اعناقنا دين فقد نصرونا حين ظُلمنا وساعدونا حين احتجنا وتقاسمنا معهم صعب الايام وحلوها وقد عدت فالتقيت صديقا هو رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ليتحدث بتطابق في وجهات النظر. أما في فرنسا فالرئيس الفرنسي مكرون صديق قديم وحتى قبل الانتخابات وقد كنا نقف الى جانبه والى جانب مواقفه المؤيدة للقضية وانا اعتقد و”الكلام للرئيس ابو مازن” ان مسألة الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية هي مسألة وقت فقط وهي قادمة قريبا.
وقد كان الرئيس مكرون مستمعا جيدا ومتحدثا لبقا و ودودا ولديه القدرة على اجمال معرفته بالوضع في الشرق الاوسط وبأوضاعنا.
وكنت اخشى ان يكون وقت الرئيس ضيقا وان بقائي لفترة اطول قد يشغله عما هو اهم ولكن حرارة الترحيب والاستمهال ليشرح لي عما سألت ويضعني بالتفاصيل شجعني خاصة وانا انظر الى سفيرة النشيط في عمان وهو يقول :”الرئيس سيتكلم عن النقطة الثانية التي اثرتها وهي مهمة”!!..
نظرت الى الرئيس وكأنه يقول وانا اشفق عليه من الضغوط “يا جبل ما يهزك ريح” وبأيدينا اوراق كثيرة ولا يستطيع احد ان ينال منا ونحن مؤمنين بقضيتنا.. نُحكّم عقلنا ونبتعد عن العواطف والتصفيق المجاني ونؤمن أن الفكرة الصائبة هي التي تنتصراخير حتى وان اعتقدتها الاقلية فلا تخف يا حطّاب .
كان رد الرئيس على من يريدون منه موقفا بالتدخل في الازمة الخليجية ان يجيبوا على اسئلته بخصوص التدخل في الشأن الفلسطيني وضرورة وقفه وبخصوص استمرار دعم حماس واستعدائها على الممثل الشرعي وضرورة حل حكومتها المؤقتة .. وظل رده ثابتا اذ يعتقد الرئيس ان مراهنات بعض الاطراف على العبث بقيادته وطرح اسماء محروقة ومتهمة انما هو لعب في الوقت الضائع ورهان على خيل مصابة.
كنت اودعه وقد اودعني ملفا فيه مقابلة ثرية لصحفي عربي مع خبير من الامن القومي الامريكي هو باتريك بول وقال لي اقرأ هذه ستجد فيها الكثير من الذي بدأ يتكشف واذا اشكل عليك شيء في نشأة حماس فاسأل صديقك الدكتور عبدالسلام المجالي فقد تعلمنا منه الكثير!!