تروج إسرائيل منذ فترة لنظرية جديدة مفادها أن علاقاتها المستجدة مع دول الخليج العربي بسبب التقارب في وجهات النظر تجاه إيران ستجعل من حل القضية الفلسطينية أقل استعصاء. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن إسرائيل غير مستعدة للقبول بالحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون، فإن التلميح يكمن في أن القيادة السعودية الجديدة قد تكون مستعدة للقبول بحل دون المبادرة العربية، وأن تعاونها مع إسرائيل ضد إيران سينسحب على القضية الفلسطينية بما يمكن من الضغط على الجانب الفلسطيني لقبول ذلك. الأخطر من هذا التلميح أن ذلك يعني تحديدا قبول الجانب العربي بالموقف الإسرائيلي تجاه القدس الشرقية وعدم إرجاع السيادة فيها للفلسطينيين. من هنا كان اهتمام إسرائيل بتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا لعهد السعودية، باعتبار أنه، برأيها، سيدعم مثل هكذا مشروع، وبدأت بعض مراكز الفكر المؤيدة لإسرائيل في واشنطن تطرح هذه النظرية وتروج لها.
ولكن السؤال؛ هل يتبع أن هذا التعاون يمكن أن ينسحب على القضية الفلسطينية؟ بمعنى آخر، هل سيساعد في حل القضية؟
السعودية صاحبة مشروع مبادرة السلام العربية التي تنص على عودة القدس الشرقية بالكامل للسيادة الفلسطينية. ومن الواضح أن إسرائيل لن تقبل هذا لا لعيون السلام ولا لعيون علاقتها مع دول الخليج، فهل ستقبل السعودية بقيادتها الجديدة أن يتم التنازل عن القدس أو عن السيادة الفلسطينية ثمنا للتعاون ضد إيران؟
الجواب هو بالتأكيد لا، وهي صاحبة المبادرة العربية وقائدة العالم الاسلامي. لن تقبل السعودية أن يسجل عليها أن القدس العربية ستسلم للأبد للسيادة الإسرائيلية، أو انها ستقبل أي تغيير جذري في مبادرة السلام العربية. السيناريو الأقرب للواقع أنه سيستمر تجاهل القضية الفلسطينية في المرحلة القادمة، ولن تشهد المنطقة أي تقدم جاد لحل النزاع العربي الإسرائيلي، بغض النظر على المحاولات الأميركية الأخيرة، والتي لا تتسم بالجدية في رأيي.
هناك معارك عديدة أخرى على ولي العهد السعودي الجديد خوضها داخل بلده؛ لديه معركة مع القوى المحافظة الدينية والمدنية لإصلاح مجتمعي في ثقافة لا تقبل حتى بقيادة المرأة للسيارة. أما المعركة الاقتصادية التي يخوضها حاليا لتحرير النظام السعودي من ريعيته واعتماده على النفط، فستواجه تحديات حقيقية حين يكتشف أن لا مجال لإصلاح اقتصادي إلا بفتح الفضاء السياسي وإشراكه/ها بصورة أكبر في عملية صنع القرار، وهو ما أدركته القوى المحافظة في الأردن، فكان الحل لديها للأسف التضحية بالإصلاح الاقتصادي وتحميل الأجيال القادمة عبئا غير معقول حتى لا تفقد هذه الطبقة امتيازاتها الحالية.
جميع هذه المعارك طاحنة وستحتاج لمواجهات صعبة مع العديد من القوى، هذا عدا عن الحرب في اليمن التي تكلف السعودية حوالي ستة مليارات دولار شهريا، إضافة للأزمة مع قطر والمرشحة للاستمرار لوقت طويل. ضمن هذه الظروف، من المستحيل التوقع أن القيادة السعودية الجديدة ستقبل التفريط بالقدس الشرقية، وتجلب عليها معارضة داخلية وعربية وإسلامية ضخمة، وتفتح عليها جبهة جديدة هي في غنى عنها. التعاون مع إسرائيل ضد إيران لا يمكن سحبه على القضية الفلسطينية كما يتوهم نتنياهو أو يعتقد بعض من يرى في هذا التعاون فرصة لقتل الحلم الفلسطيني.