نقلت «الحياة» يوماً عن مصدر قريب من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نيته اعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق. لم يكن ذلك بعيداً عن ذهنه ولو أنه خلال القمة التي جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فرساي قال ان ذلك ليس على جدول الأعمال حاليًا. فماكرون كان حتى خلال حملته الانتخابية يعتقد ان سلفه فرانسوا هولاند فشل في ديبلوماسيته في سورية وعليه ان يرسم تحركاً جديداً، خصوصاً انه يستمع الى مسؤولين سابقين يحظون باحترام كبير على الساحة الفرنسية والدولية وكانوا على خلاف مع نظرة هولاند في ما يتعلق بقطع العلاقات الديبلوماسية مع سورية. فماكرون بدأ يأخذ برأي هولاء وليست لديه خبرة في الملف السوري ولا في الديبلوماسية عموماً. إضافة الى ذلك وعلى غرار اسلافه نيكولا ساركوزي وفرانسوا ميتران وجاك شيراك يعتقد ماكرون انه سيفعل أفضل منهم في الملف السوري لإعطاء دور لفرنسا في مفاوضات الحل في سورية الى جانب روسيا، خصوصاً انه يرى ان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليست لها استراتيجية واضحة في ما يخص سورية. كما يرى ان أصدقاء فرنسا وشركاءها في دول الخليج، المعنيين بالملف السوري، منشغلون بخلافاتهم ما يجعله مقتنعاً ان بإمكانه رسم سياسة خاصة بفرنسا من دون الأخذ برأيهم. فكان تصريحه في مقابلة الى عدد من الصحف الأوروبية ان بشار الأسد ليس عدواً لفرنسا بل هو عدو الشعب السوري غير موفق. وقال: اذا رأيتم مسؤولاً شرعياً آخر مكان بشار الأسد في سورية فدلوني عليه.
واضح ان ماكرون يظن ان بالإدلاء بمثل هذا الموقف يستطيع ان يحصل على دور من الجانب الروسي. لكنه يقدم هدية لبوتين سابقة لأي تفاوض. فما الحاجة الى التنازل بهذا الشكل قبل الحصول على أي دور؟ وزاد ماكرون ان بشار الأسد ليس عدو فرنسا بل عدو الشعب السوري، في حين انه خلال حملته وفي زيارته الى لبنان قال لصحيفة «لوريان لو جور» عن بشار الأسد انه «ديكتاتور ارتكب جرائم دانتها الأمم المتحدة ولن يكون هناك سلام من دون عدالة.» فغريب الآن ان يغير رأيه الى حد القول ان هذا الديكتاتور الذي ارتكب جرائم دانتها الأمم المتحدة ليس عدواً لفرنسا. فهل هو صديق اذن؟ او رئيس كغيره سيتعامل معه؟ ماكرون يعتبر الآن اذا قرأنا موقفه ان لا علاقة للأسد بأزمة النزوح واللاجئين الى الدول المجاورة لسورية وأيضاً الى أوروبا. كما ان موقفه يعني انه لا يرى علاقة بين الإرهاب «الداعشي» الذي يضرب فرنسا وينتشر في أوروبا وسياسات بشار الأسد واستخباراته التي ابتكرت الإرهاب منذ عقود في سورية وفي لبنان.
من المؤسف ان ماكرون لا يرى ما جرى مع اسلافه مع بشار الأسد. ألم يقل احد من فريقه الديبلوماسي اللامع لهذا الرئيس الشاب ان أسلافه الرؤساء باستثناء فرانسوا هولاند حاولوا الكثير مع بشار الأسد لمساعدته دوليًا ودفعه الى الانفتاح وتغيير نهجه وكانت النتيجة معروفة مع كل من جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. وكل مرة انتهت بالقطيعة مع فرنسا. وليذكّر المحيطون بماكرون رئيسهم ان ساركوزي من قبله اعتقد ان بإمكانه لعب دور في التقارب والمصالحة مع بشار الأسد ودعاه الى فرنسا مرتين بعد كل ما حدث من اغتيالات لحسابه في لبنان، ومنها دعوة لحضور احتفالات العيد الوطني الفرنسي حيث يتم احياء قيم غريبة على الأسد وهي الحرية والمساواة والأخوة. اما حديث ماكرون عن الشرعية الوحيدة للأسد فغريب ان رئيساً لامعاً مثله ينعت بالشرعي رئيساً يقصف شعبه بالبراميل وطيران جيشه وجيش حليفه الروسي ويقتله بمساعدة حليفه الإيراني.
كان من الأفضل ان يكتفي ماكرون بالقول انه لا يجب ان يكون رحيل الأسد شرطاً مسبقاً للمفاوضات لأن ذلك اصبح مفهوم البراغماتية الغربية. فالمرجو ان يعيد ماكرون قراءة تاريخ فرنسا القريب مع عائلة الأسد ليرى ان اغتيالات لوي دولامار وميشيل سورا ورفيق الحريري وشلة أصدقاء فرنسا تناقض موقفه من علاقة فرنسا مع آل الأسد.