بصدور تشكيلة المجلس الأعلى للمركز الوطني لتطوير المناهج، تبدأ المهمة المنشودة لإصلاح المناهج والكتب المدرسية، ومعالجة التشوهات القائمة فيها بما يجعلها مواكبة لتطورات العصر في قطاع التعليم.
ثمة رسائل معينة تم بثها في ثنايا التشكيلة، ومن الضرورة التوقف عندها، وأهمها أن رئيس وزراء جاء رئيسا للمجلس، ما يعكس الدرجة الكبيرة من الاهتمام بهذا الملف، كما أن رئيس المجلس نفسه يعد خبيرا، ولديه وجهة نظر في ماهية الإصلاح المطلوب.
أما الرسالة الثانية، فمرتبطة بالتشكيلة التي تضم مجموعة من الخبراء المشهود لهم بالمعرفة والخبرة النظرية والعملية في فهم التعليم ورسالته وغايته، كما أنهم أسماء مطمئنة لكل من يشكك في غايات الإصلاح والتطوير.
إضافة إلى ذلك، فإن عضوية نقابة المعلمين في المجلس تعد تعبيرا عن الاعتراف بالشراكة الحقيقية مع النقابة التي تمثّل المعلمين، وذلك لضمان عدم تهميشها وتحييد دورها في إصلاح المناهج، وكذلك من أجل ضمان أن تلعب النقابة دورا إيجابيا وفاعلا في هذا السياق.
أما العضوية التي تعكس رسالة أخرى مهمة، فهي وجود مفتي المملكة ضمن الأعضاء، بحسب ما تنص عليه المادة 6 من نظام المركز، ما يعني أن المؤسسة الدينية حاضرة أيضا في مخرجات هذه العملية المهمة، ووجودها يردّ على كل من ادعى أن الغاية من تعديل المناهج هي تهميش الدين أو حذفه من المناهج والكتب المدرسية.
وجود وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي، يفترض أن يفضي إلى مهمة التشبيك بين التعليمين؛ العام والعالي، من أجل أن تكون هناك انسيابية ووضوح في تنفيذ التوصيات، ما ينقل نظام التعليم إلى مرحلة جديدة ترسم مخرجاتها بشكل يقود إلى انتشال التعليم من المستنقع الذي سقط فيه لعقود طويلة.
بالمحصلة؛ جاءت التشكيلة ذكية ومتنوعة إلى درجة نفترض معها أن يلاقيها الجميع بقبول وترحيب، خصوصا أولئك الذين على تماسّ مباشر مع العملية التعليمية من مؤسسات مختلفة، وأيضا بما يشمل المجتمع والأسرة.
بحسب الإرادة الملكية فقد تم تحديد مدة المجلس الحالي بثلاث سنوات، ما يعني أن أمام الفريق مهمة وطنية نبيلة عليه إنجازها خلال المدة المقررة، بحيث نبدأ رحلة الألف ميل التي تحتاج جيلا كاملا حتى نجني أهدافها. بيد أن المهم أنْ نبدأ، وأنْ لا مزيد من التأخير على رحلتنا نحو تحديث العملية التعليمية، والأهم أن لا نبدأ “مسلسل” المناكفات من جديد، لكي لا تضيع علينا الفرصة مرة أخرى.. وربما إلى وقت طويل.. أو إلى الأبد، خصوصا أننا دفعنا ثمنا باهظا جراء المناكفات التي لم تحمل لنا معها إلا تعطيل التحديث، خصوصا مع اعترافنا أن تأخرنا الطويل كان بسبب أطراف رأت في المناهج وإصلاحها “معركة حاسمة” عليها أن تخوضها بكل قوتها.
صدور الإرادة الملكية بهذه التشكيلة يعد ترجمة حقيقية لما جاء في الورقة الملكية السابعة التي تمحورت حول إصلاح التعليم من أجل إعداد أجيال مسلحة بالعلم والمعرفة، ترفع من تنافسية الأردن، وتستعيد ماضيا كان فيه التعليم الأردني أنموذجا يحتذى، قبل أن تصيبنا النكسة ونتراجع إلى ما نحن فيه.
هذا المجلس عليه مهمة صعبة ونبيلة تتمثل في وضع استراتيجية واضحة المعالم والأهداف لإصلاح التعليم بمدخلاته ومخرجاته، وهو مصلحة وطنية عليا، ومصلحة شخصية لكل أردني، ما يتوجب معه أن يكون الجميع شركاء في هذه العملية، وأن لا نضيّع الوقت والفرصة في مناكفات وادعاءات يسدد الأردنيون جميعهم فاتورتها الباهظة.