عروبة الإخباري – يختار الشاعر الفلسطيني وليد الشيخ (1968) لمجموعته الجديدة الصادرة عن دار “الأهلية” في عمّان، عنوان “شجار في السابعة صباحاً”، ذريعة للوقوف عند تلك الأسئلة التي تفتتح صباحاته على الخسارات وتذكّر لحظات مسروقة من العمر، ولا ينتظر أجوبة عنها بقدر رغبته في توصيف ذلك الشريط الممّل والمعاد لما عاشه العالم من تحوّلات في السنين القليلة الماضية.
ربما ليس أوضح من الحبّ وتقلّباته طريقاً لفهم تلك التغيّرات الكونية، ولذلك لا نقع على حبّ في المجموعة لا يحيل إلى الخيبة والانكسارات أو للإشارة إلى تناقضه مع الواقع، فيكتب في قصيدة “يقظة”:
“أمس،
عند الساعة 11:59 دقيقة
وضعت الأفعال المضارعة في الخزانة
أيضاً ثلاثة أفعال من الماضي
عن
الحب، والحرب، والحرية
ظلّت الملابس يقظة طوال العتمة”.
يواصل الشاعر استحضار التفاصيل والأشياء التي اعتدنا مجاورتها والتساكن معها، وهي تؤشّر دوماً على فداحة ما نعيشه من وقائع وما نعرفه عنا وعن أنفسنا وعن مآلاتنا، فيسجّل في قصيدة “معرفة”:
“أعرف طريقاً فرعياً تجاه الحب
سيغلق عما قريب بسبب حبّات الكوليسترول
وأعرف درباً هامشية نحو البيت
لن تنجو طويلاً أمام الجدار الفاصل
أعرف أن الحرب تحت النافذة
وأن معركة “أُحُد” ليست كما جاء في فيلم الرسالة”.
لن تحيد تلك المراجعات عبر أفعال التذكّر والتأمل والتأسي عن تشكّيلها مفارقات تشير إلى ذلك العمر المهدور والمستنزف والذاهب على مهل إلى نهاياته؛ اللغة تذهب إلى المعنى ولا تراوغه بحثاً عن بلاغة زائفة، ويتراءى كل شيء بالأبيض والأسود حيث أحلامنا بحياة ملوّنة ذهبت سدى، وكذلك بتلك الثورات البعيدة.
تتداعى الصور في كتابة تاريخ شخصي بكلّ قلقه وهواجسه ورغبته في الكشف عما هو كامن في “العابر” و”العادي” و”المتداول”، وبأنه لم يعد بمقدور الأوهام التي نسجت مواقفنا السياسية ورؤانا الاجتماعية وحتى نظرتنا إلى الحب لزمن طويل أن تغطّي وتحجب كل هذا الخراب والعدم، فيكتب في قصيدة “فجأة في السوبرماركت”:
“كاحتمال أن أرتطم بالحب الأول في السوبرماركت
وهي تدفع حساب سنوات عمر كامل
(إضافة لفاتورة الدجاج والحليب خال من الدسم)
لأنها تذكرت أن قبلاتنا الطائشة على الدرج أهم بكثير من ليلة الدخلة”.
كلّ ما تقوله قصائد المجموعة عن أحداث وذكريات معلومة البداية والنهاية، كان توقّع الفشل والإخفاق فيها محقّقاً، لكنها عندما هبطت من الذاكرة أصابتنا رعشة وتفاجأنا بها من جديد.
يُذكر أن وليد الشيخ وُلد في مخيم الدهيشة قرب مدينة بيت لحم. صدر له: “حيث لا شجر” (شعر، 1999)، “الضحك متروك على المصاطب” (شعر، 2003) “أن تكون صغيراً ولا تصدّق ذلك” (شعر، 2007) “العجوز يفكّر بأشياء صغيرة” (رواية، 2012)، “أندم كل مرة” (شعر، 2015).