عروبة الإخباري – مع مرور 12 عامًا على انطلاق تحالف “قوى 14 آذار” في لبنان، يكثر الحديث عن “اضمحلاله”، حيث أصبح يقتصر على عدد من قادة الرأي والنشطاء بعد انسحاب عدد من أبرز الزعماء السياسيين، وظهور تحالفات حزبية وسياسية جديدة، بعيدًا عن فريقي “14 آذار”، بقيادة تيار المستقبل، و”8 آذار”، بقيادة حزب الله.
وتنقسم القوى السياسية في لبنان بين تيارين أساسيين، تعود تسمية كل منهما إلى تاريخ الحدث المؤسس له عام 2005، فعقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في 14 فبراير/ شباط 2005، وقرار خروج القوات السورية من لبنان، نظم التيار الأول، بقيادة حزب الله، في “8 آذار” تظاهرة شعبية بعنوان “شكرًا سوريا”، فرد التيار الآخر، في 14 مارس/ آذار، بتظاهرة مناهضة لسوريا، وسط اتهامات لسوريا وحلفائها بالمسؤولية عن اغتيال الحريري. وهو ما تنفي دمشق صحته.
انتخاب ميشال عون، أحد أبرز زعماء “8 آذار”، رئيسًا للبنان، بعد إعلان زعيمي تيار المستقبل سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أواخر العام الماضي، تأييدهما له، شكل نهاية مرحلة طويلة من الانقسام السياسي الداخلي بين تحالفي 8 و14 آذار. وجرى انتخاب عون في إطار صفقة برلمانية تضمنت تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الحالية، وهي الصفقة التي أنهت فراغًا رئاسيًا دام 29 شهرًا؛ جراء الخلاف بين الفريقين.
وصاية سورية ثم إيرانية
وقال العضو السابق للأمانة العامة لقوى “14 آذار”، الكاتب والصحافي، نوفل ضو، إن “قضية 14 آذار، التي كنا نناضل من أجلها منذ 12 عامًا، بقيت على ما هي عليه، وهي بحاجة إلى من يواكبها اليوم”.
وأضاف ضو “ففي 2005 كان لبنان خاضعًا لوصاية سورية، واليوم هناك وصاية إيرانية، كان هناك سلاح سوري واليوم يوجد سلاح حزب الله، كان عندنا نظام أمني سياسي يفرض على المؤسسات الدستورية في البلد قراراتها، بدءًا من رئاسة الجمهورية وحتى مجلس النواب، واليوم لا يزال هذا النظام مستمرًا بأسماء أخرى وبالأسلوب نفسه، الذي يتجاوز القانون والدستور، ويفرض القرارات على مؤسسات الدولة”.
وتابع “أيضًا كان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 (القاضي بسحب الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة) لم ينفذ، واليوم لا يزال القرار دون تنفيذ.. وإضافة إلى كل ذلك، كان هناك محاولة لالحاق لبنان بمحور سوري لمواجهة المجتمع العربي والدولي، واليوم هناك محاولة لإلحاقه بمحور إيراني في مواجهة الشرعية الدولية.. كل الأسباب الموجبة لقيام 14 آذار لا تزال نفسها كما كانت في 2005، وقتها تم اغتيال رجل بحجم وطن (الحريري)، واليوم هناك عملية اغتيال وطن برمته”.
وتحالف “14 آذار” هو تحالف سياسي يتكون من كبار الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري في لبنان، بعيد اغتيال الحريري، وهو ما سمي بـ”ثورة الأرز”، وقد تلقت دعمًا من دول، في مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، إضافة إلى منظمة الأمم المتحدة.
ومن أبرز قادة تحالف “14 آذار” سعد الحريري، وسمير جعجع، والرئيس اللبناني السابق، أمين الجميّل. وكان في هذا التحالف وليد جنبلاط، إلا أنه انسحب منه معلنًا حياده السياسي.
تحالفات ثنائية
ووفق القيادي السابق في “14 آذ ار”، “هناك مجموعة من النشطاء تعتبر أنه يجب أن يستمر النضال في وجه حزب الله والوصاية الإيرانية على قرارت الدولة، فيما اختارت فئات أخرى النضال عبر تحالفات ثنائية أو حزبية غير طائفية ممكن أن تحل محل تحالف 14 آذار”.
وفي ظل مستجدات داخلية وخارجية، بدأت تتبلور في لبنان تحالفات ثنائية، بدلًا من التحالفات متعددة الأطراف، فتحالف التيار الوطني الحر (8 آذار) مثلًا مع حزب الله لم يمنعه من إقامة تحالف ثنائي مع حزب القوات اللبنانية (14 آذار)، فضلًا عن العمل على إعادة تنظيم العلاقة مع “تيار المستقبل” (14 آذار).
وفيما لم يحسم الحزب التقدمي الاشتراكي، بزعامة جنبلاط، خياراته التحالفية بعد، يسعى “تيار المستقبل”، وفق خبراء لبنانيين، إلى إعادة ترتيب أوضاعه، لا سيما في ظل المناقشات المتواصلة بشأن صياغة قانون انتخابي جديد تجرى وفقًا له الانتخابات البرلمانية، في مايو/ آيار المقبل.
وعن غياب أي دعم دولي لتحرك جديد لـ”14 آذار” في مواجهة جديدة كما كان في 2005، أجاب ضو بأنه “غير صحيح أنه كان هناك جو دولي داعم في ذلك الوقت، بل كان العالم يدعو إلى تسوية مع قوى 8 آذار (حليفة إيران والنظام السوري)، والجو الدولي لزم لبنان لسوريا 15 عامًا، ورغم ذلك حصلت 14 آذار”.
وشدد على أن “النشطاء اليوم هم في مواجهة مع حزب الله، وليس مع الأحزاب والقيادات اللبنانية، التي شكلت 14 آذار.. المواجهة ليست مع اللعبة الديمقراطية، وإنما مع سيطرة السلاح وفرض قراراته على الحياة السياسية في لبنان”.
ولفت ضو إلى أن “لقاء موسعًا سيعقد ظهر اليوم الثلاثاء في البيت المركزي لحزب الوطنيين الأحرار، وهو يضم عشرات من قادة الرأي والمثقفين والنشطاء المستقلين وحتى الحزبيين بصفتهم الشخصية، وعلى جدول أعماله بيان سياسي وشؤون تنظيمية إدارية وإعلامية”.
لحظة الانفجار الشعبي
بدوره، قال عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل، العضو السابق في الأمانة العامة لقوى “14 آذار”، الكاتب والصحافي، راشد فايد، إن “14 آذار هي انتماء سياسي فكري لا يرتبط بلحظة ولو حمل تسمية تأتت من تحدي هيمنة نظام بشار الأسد رئيس النظام السوري، وللتذكير هذا اليوم التاريخي (14 مارس/آذار 2005) صنعته إرادة الناس لا خطط الأحزاب ولا القوى المنظمة، فهذه الأحزاب والقوى التحقت بالموجة البشرية الغاضبة، وليس هي من أملى المواقف الشعبية القاطعة”.
وأضاف “لذا ستبقى عصبية 14 آذار قائمة؛ لأن جذورها مستقرة في القلب والفكر، وإذا كان الاحتلال الأسدي أطلقها بعد هيمنة ظنها أبدية، فإن لها مواضيع أخرى سيأتي أوانها يوم تختمر لحظة الانفجار الشعبي في وجه التفتت الداخلي، وإلغاء سلطة الدولة”.
وترتبط القوى المشاركة في تحالف “14 آذار” بعلاقات وثيقة مع السعودية ومصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول عربية وخليجية أخرى.
وتمثلت أبرز أهداف التحالف في إقامة محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري، وتطبيق القرار الدولي رقم 1559، وقيام دولة لبنانية تعتمد على المؤسسات والقانون، فضلًا عن تحقيق نهضة اقتصادية والابتعاد عن لعبة المحاور الإقليمية.
ويواجه التحالف معارضة شديدة من طرف قوى “8 آذار”، بقيادة حزب الله والتيار الوطني الحر، بزعامة عون، كما يخيم العداء على علاقاته مع سوريا، التي يتهمها بتصفية رموزه.
وفي عام 2010 بدأت علاقات أحزاب مؤسسة لتحالف “14 آذار”، تتحسن مع سوريا، بعد زيارة جنبلاط والحريري لدمشق.
لكن مع اندلاع الثورة الشعبية في الجارة سوريا على الأسد، في مارس/ آذار 2011، انقسمت الساحة اللبنانية بين داعم لنظام الأسد، على رأسهم تحالف “8 آذار”، ومؤيد للمعارضة السورية، في مقدمتهم “14 آذار”، ثم تسبب قتال قوات حزب الله بجانب قوات النظام السوري، منذ عام 2013، في تعميق هذا الانقسام.