يتنفس كثير من العرب الصعداء مع التصعيد الحالي في خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفريقه الجديد، ضد إيران؛ إذ يتحدثان بسلبية شديدة عن خطر النفوذ الإقليمي الإيراني، ودور إيران في دعم الإرهاب، ويلوّحان بالعقوبات وبالوقوف في وجه إيران في المرحلة المقبلة.
ثمّة شكوك عميقة وحقيقية بشأن جديّة الفريق الجديد في خلق “معارك” جديدة مع الإيرانيين الذين بدأوا بدورهم مبادلة الإدارة الأميركية التصريحات العدائية والتهديدات والوعيد. وإذا ألقينا نظرة معمقّة إلى ما يحدث في المنطقة، سنجد أنّ ترجمة المواقف الأميركية السياسية على أرض الميدان ستكون معقّدة بالنسبة للأميركيين أنفسهم، سواء تحدثنا عن العراق أو حتى سورية؛ بعد أن تمكّنت إيران من بناء شبكة متماسكة وقوية من التحالفات المحلية؛ مع القوى العراقية ومليشياتها في سورية، وإقليميا مع أنظمة وأحزاب في المنطقة، ودوليا مع الروس ودول أخرى.
في المقابل، فإنّ الخشية أنّ هذا الكلام الأميركي، بما يدغدغ المشاعر العربية، سينعكس فقط سلبيا على القضية الفلسطينية، وستستفيد منه إسرائيل حصريا، وهي التي تجد فرصة مواتية مع الإدارة الأميركية الجديدة للحصول على مكاسب جديدة على حساب الفلسطينيين، سواء على صعيد نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، أو حتى التصريحات الغامضة حول التخلي عن “حل الدولتين” بوصفه إطارا مرجعيا للتسوية السلمية.
بالرغم من أنّ المجهود الدبلوماسي الأردني نجح في تأجيل قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كما كان قد وعد ترامب، فإنّه لا توجد ضمانات بعدم تنفيذ ذلك؛ إذ من الواضح أن الإدارة لم تتخلّ عن القرار، بقدر ما تدرس صيغته والتداعيات المرتبطة به. لكن المقلق أكثر من المواقف الأميركية تجاه القضية الفلسطينية هو أنّها تأتي في السياق العربي الراهن الذي لا يقتصر على التفكك والضعف، بل وتسوده أجواء غير منطقية وغير واقعية بالترحيب بالإدارة الأميركية الجديدة وبخطابها المعادي لإيران، ما سيكون –على الأغلب- على حساب القضية الفلسطينية، بخاصة مع وصول دول عربية عديدة إلى قناعة بتفوق “الخطر الإيراني” على “الخطر الإسرائيلي”.
بالطبع، لن نخرج من هذه “الضجة الأميركية” ضد إيران، ولا حتى بخفّي حنين؛ إذ إنّ موازين القوة هي التي تحكم في نهاية اليوم السياسات الأميركية، وإيران ليست “قطعة من الحلوى” مثلنا، يسهل التهامها، بل سندفع نحن العرب مرّة أخرى ثمناً كبيراً باهظاً لحساباتنا الخاطئة!
هذه الحيثيات تمثل اليوم هاجساً حقيقياً لدى “مطبخ القرار” في عمّان. وعلى الرغم من أنّه سيحاول توظيف قمّة عمّان العربية الوشيكة من أجل النهوض بموقف عربي قوي تجاه القضية الفلسطينية والتسوية، وضد نقل السفارة، فإنّه يدرك في الوقت نفسه صعوبة المهمة، وضعف العزيمة العربية لإسناد الموقف الأردني الذي يبدو وحيداً في الساحة الدبلوماسية مع إسرائيل.
ينظر مسؤولون إلى البيان الأردني-المصري المشترك عن القضية الفلسطينية، في الشهر الماضي، بوصفه تأكيداً على التزام مصر بموقف صلب مع الأردن في الشأن الفلسطيني. إلا أنّ انشغال القاهرة بالأزمة الداخلية، أمنيا وسياسيا واقتصاديا، منعكس بوضوح على فعالية سياستها الخارجية وأولوياتها في علاقتها مع الغرب وإسرائيل والقضية الفلسطينية.
الخشية هي أن تكون صفقة ترامب، المنتظرة وغير المعلنة، مع إسرائيل ودول عربية، ظاهرياً على حساب إيران، لكنها واقعياً للعودة إلى السياسات الواقعية في دعم الأنظمة الاستبدادية ضد توق الشعوب للديمقراطية أولاً! وعلى حساب القضية الفلسطينية ثانياً، ما ينسجم مع الثورة المضادة العربية، وبما يعني على المدى البعيد تجذيرا وتعزيزا لشروط إنتاج الانفجارات الداخلية الشعبية!