صادف الإربعاء في 8/3/2017 اليوم العالمي للمرأة. وهو اليوم الذي أعطته الأمم المتحدة شعار “ النساء في عالم العمل المتغير 50 إلى 50 في عام 2030”. وحقيقة الأمر إن موضوع المرأة و هو موضوع المجتمع بأسره، يتضمن مسائل عديدة لعل أهمها 4 رئيسية هي: التعليم، والمشاركة الاقتصادية، والحرية، والقيم الانسانية. والتركيز لدى الأمم المتحدة على “العمل” لهذا العام، يعني ضرورة إعطاء الاهتمام للمشاركة الاقتصادية المتعادلة مع الرجل، و مدخلها فرص العمل المتكافئة. وإذا وصل العالم عام 2030 إلى أن تكون 50% من الأيدي العاملة من النساء فهذا انجاز ضخم ،و ذو قيمة اقتصادية و اجتماعية و إنسانية عالية ،وخاصة في الدول النامية ذات الاقتصادات الضعيفة الإنتاج ، وفي مقدمتها الأقطار العربية، ونحن على رأس القائمة . فلا تزال ومنذ أكثر من 25 سنة مساهمة المرأة الأردنية في قوى العمل تتأرجح بين 13% إلى 14.5% وهي من أدنى المساهمات في العالم . أما الدول الصناعية والدول الناهضة، فإن مشاركة المرأة في سوق العمل تتعدى 40% كما هو في الصين واليابان مثلاً ،و 44.3% في ماليزيا وفي بعض الدول تتعدى50% لتصل 58.6%في سنغافورة و 62% في سويسرا . وهذا يعني أن مشاركة المرأة في بلادنا في النشاط الاقتصادي تقف عند حدود منخفضة لا تصل إلى 15% من مجمل الناتج المحلي الاجمالي، بينما تصل مساهمة المرأة الأمريكية إلى 33% من الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي أو ما يعادل 5500 مليار دولار. إن مشاركة المرأة في العمل الانتاجي و في جميع أوجه الإبداع والابتكار و الفكر والعلم و الثقافة و الفن و التكنولوجيا، والريادية والمشاريع ،و في صنع الثروة ، هذه المشاركة هي التي تصنع الفرق بين معيشة الكفاف في المجتمع ، وبين تكوين الثروة البشرية و الاقتصادية التي يقود استثمارها إلى الرفاهية و الازدهار.
أما في مجال التعليم ، فإن الأردن حقق انجاز متميزاً حين أصبحت نسبة تعليم الإناث في الجامعات أكثر من الذكور أي ما نسبته 52% إلى 48% ، و إن كانت نسبة الأمية لدى الإناث لا تزال 10% مقابل 5% للذكور. وهي حالة من التناقض الاقتصادي الاجتماعي اللافت للنظر: حيث لدينا الاستعداد للاستثمار في التعليم وعدم الاستعداد لاستثمار وتوظيف مخرجات التعليم بما يكفي . وهكذا فالمجتمع الأردني لا يعمل بكامل امكاناته، بل بما يقرب من 64% من امكاناته نظرياً. وعند مقارنة الأردن بدولة مثل سويسرا حيث مشاركة المرأة في قوى العمل هناك تتعدى 60% والعاملون في الإدارة الحكومية هناك 12% مقابل 40% في الأردن والبطالة 3.5% في سويسرا مقابل 14.5% لدينا ، نجد أن “قوى العمل المنتجة” خارج الحكومة لدينا هي بالكاد 1 مليون شخص مقابل 4.15 مليون في سويسرا. أي أن فرص الإنتاج هناك، اربعة أضعاف مما هي لدينا على الرغم من تقارب عدد السكان و دون احتساب الكفاءة و التكنولوجيا و القيمة المضافة . الأمر الذي يعكس أهمية الشعار الذي طرحته الأمم المتحدة ليوم المرأة لهذا العام بالنسبة لنا كمجتمع وللمرأة الأردنية . بمعنى أن جزءاً من البرنامج الاقتصادي الاجتماعي للدولة الأردنية يجب أن يكون ايصال مساهمة المرأة في العمل إلى 50% خلال السنوات العشر القادمة, من خلال التوسع الفوري في بناء المشاريع الإنتاجية و خاصة في المحافظات. وهذا من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في دخل الأسرة وفي الناتج المحلي الاجمالي للدولة و في السلوك الإحتماعي .
و لا بد من الاعتراف بأن مكانة المرأة قد أصابها في العقود الثلاثة الماضية حالة من الخلخلة و التشتت نتيجة للتعثرات الاقتصادية ،و الأفكار التزمتية السلفية الماضوية، و ضعف الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و المؤسسات التشريعية، و تعثر التحول الديموقراطي في المنطقة، إضافة إلى عدم التركيز على تطوير الثقافة المجتمعية في الاتجاه الصحيح. ولذا نلاحظ أن الفجوة الجندرية ( أي مقياس الفروق بين الرجل والمرأة) لا تزال مرتفعة في المنطقة العربية وتصل في بلدنا إلى 59.7% وترتيبنا بين دول العالم 134، في حين أنها أفضل قليلاً في مصر وسوريا ولبنان. و هذه مسألة اجتماعية ثقافية و تشريعية بالدرجة الأولى. صحيح أن صدور قانون “العمل المرن” من شأنه أن يساعد في تضييق الفجوة إذا تم التعامل معه بشكل صحيح ،إلا أن برنامجا وطنيا لا بد منه لتغيير موقف مؤسسات العمل من مشاركة المرأة. ومن شأن اتساع الفجوة الجندرية أن يبعد المجتمع عن حالة التوازن الداخلي في مكوناته وأدائه، وأن ينعكس اختلال التوازن المجتمعي سلباً على مخرجات العلم و الفكر و الثقافة و التعليم. هذا على الرغم من أن المرأة الأردنية تلعب دوراً بارزاً و حيويا في التعليم وخاصة الأساسي ، واثبتت تميزاً بل و تفوقا إبداعيا لافتا للنظر.
و تؤكد الدراسات إن المساهمة الراسخة للمرأة في قوى العمل تمثل ركنا رئيسيا في تنمية المواهب و جذبها و تفعيلها و المحافظة عليها، و تهيئتها للمساهمة في تطوير واستدامة المشاريع والأعمال الجديدة ، الأمر الذي يرفع من جاذبية البلد للاستثمار وبالتالي تمكينه من خلق فرص عمل جديدة.
و أخيرا فإن الخطوات الواجب اتخاذها تجاه المرأة في المنطقة العربية عموماً، ولدينا بشكل خاص، عديدة، وتتناول التشريعات التي تضمن حماية المرأة و حريتها و حقوقها كاملة، وكذلك تكافؤ الفرص وانفتاح الثقافة المجتمعية، والتوجه نحو تصنيع الاقتصاد . وإذا نظرنا باتجاه المستقبل فلا بد من وضع “برنامج وطني بالشراكة الكاملة بين القطاعات الرسمي والخاص والأهلي والأكاديمي والقوى السياسية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني بهدف واضح ومحدد و هو:”الوصول الى مشاركة المرأة بنسبة 50% في قوى العمل و بنسبة 25% في المواقع القيادية بحلول عام 2030”.