باستثناء بعض المقالات المتفرقة، وبيان دائرة الإحصاءات العامة حول المشاركة الاقتصادية للإناث، مر اليوم العالمي للمرأة، أول من أمس، من غير أي مظهر احتفالي لافت بهذه المناسبة السنوية؛ لا من جانب الدولة ولا من جانب المجتمع، المستغرقين في هموم لا حصر لها. الأمر الذي يؤشر على عمق ثقافة التمييز والقهر والاضطهاد ضد النساء، ويشير إلى استمرار تجاهل المغزى الكامن وراء هذا اليوم، الهادف إلى تشجيع المساواة بين الجنسين، وإنهاء العنف ضد المرأة، بما في ذلك قتلها بذريعة “جريمة الشرف” ومن ثم القبول بالعذر المخفف للأحكام.
ومع أن الأمر لا يرقى إلى مستوى الطموح، وهناك الكثير من النواقص والعيوب في التشريع، فإنّ لدينا ما يدعو إلى التفاؤل بالنسبة لمستقبل المرأة في بلادنا، بالنظر إلى ما تحققه النساء من مكتسبات على مختلف الصعد، وما يُحزن عليه من اعترافات لم تكتمل بعد، بالحقوق والمساواة والمشاركة في الحياة السياسية والإدارة العامة، وفي العديد من المجالات الأخرى، قياساً بما عليه الحال في الكثير من المجتمعات العربية التي ما تزال تشريعاتها تغبن المرأة، فتقيّد حريتها الشخصية وتجور عليها، بل وتحرمها من حقها في الميراث أحياناً.
وليت الأمور تتوقف عند هذا الحد من الظلم والافتئات على المرأة في المحيط العربي، ولا سيما في البلدان التي تشهد حروباً منذ نحو ست سنوات، حيث تعرضت النساء إلى أضعاف مضاعفة من القهر الذي يتعرض له الرجال في زمن الحرب، خصوصاً التهجير والقمع والإفقار، إلى حد تبدو فيه المرأة العربية ضحية ظلم مركّب، جانب منه يتعلق بالاضطهاد الناجم عن موروث ثقافي قوامه العادات والتقاليد، والجانب الآخر يتصل بما أفرزته النزاعات من مظاهر إضافية، جعلت المرأة الضحية الأولى لهذا الانهيار.
صحيح أن النساء في العالم، ولا سيما في العالم العربي، يكابدن من القهر والتهميش ونكران الحقوق، وغير ذلك مما توارثته الأمهات الفاضلات عن الجدات العظيمات، إلا أن ما تكابد منه النساء في سورية وفي العراق وفي اليمن على سبيل المثال، أكثر مما تتعرض له بقية النساء في أي مكان على وجه الأرض؛ إذ أدت الحروب الداخلية إلى امتهان حق المرأة في الحياة، فجرى قتلها وتشريدها وأسرها واغتصابها وبيعها، والتعامل معها كأداة من أدوات إخضاع الرجال (13 ألف معتقلة في سجون نظام الأسد).
وسط هذه الصورة الكئيبة لوضع النساء في معظم أقطار العالم العربي، برزت صورة تدعو للرثاء في حالة المرأة الفلسطينية، التي تتعرض لاضطهاد مزدوج منذ عقود؛ من الاحتلال، ومن ثقافة المجتمع الذكوري. ففي يوم المرأة العالمي، قامت سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة بمصادرة هذا اليوم الذي درجت فيه المؤسسات على الاحتفال بأخوات الرجال، واعتباره يوم عطلة رسمية للقابضات على الجمر؛ أمهات وشقيقات ونساء الشهداء والأسرى، حارسات الشعلة، والشريكات في النضال من أجل الحرية والاستقلال.
وهكذا، فقد كان يوم المرأة العالمي مناسبة للحزن والاكتئاب لدى المدافعين عن حقوق المرأة، الداعين إلى إنصافها أمام القانون، وهم يرون ما يجري ضد النساء العربيات من إذلال وقهر وتشريد في غير مكان واحد. كما كان هذا اليوم المكرّس لتكريم المرأة، والإقرار بدورها في المجتمع، محطة للتذكير بما آلت إليه حال الأمهات والشقيقات والبنات في هذا الجزء من العالم، الذي تنتهك فيه حقوق الإنسان بفظاظة، خصوصاً حقوق النساء اللواتي صار عالمنا العربي بالنسبة لهن أقل أمناً وأكثر ظلماً من أي مكان آخر.
ندرك سلفاً أن الأصوات المنافحة عن حقوق النساء تقع على آذان صماء، وأنه كثيراً ما يجري الاستخفاف بالمنظمات النسوية والنشطاء، ويتم تجاهل مطالبهم العادلة في المساواة أمام القانون، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بحق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها، أسوة بالدول المتقدمة. إلا أن ذلك كله يجب ألا يحبط الهمم، أو يفت في عضد الرجال ذوي الرؤية التقدمية والخطاب المتحضر، ممن يواصلون كفاحهم الاجتماعي بصبر وأناة، كي يتم إنصاف المرأة هنا وفي كل بقعة من بقاع العالم العربي، وينال نصف المجتمع حقه الكامل في التحرر من الظلامة الفكرية المعشعشة في عقول الأوغاد.