كل الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية التي نُفذّت أو ستنفذ، تطالب برحيل د. هاني الملقي وحكومته، باعتبارهما المسؤولَيْن عن القرارات والإجراءات الاقتصادية القاسية، وهي كثيرة وثقيلة بنتائجها على الناس.
لكن يغيب عن المواطنين عموماً أن الملقي حصد ولم يزرع؛ بمعنى أنه يجني أخطاء حكومات سابقة فشلت في إدارة شأننا الاقتصادي، وتراخت كثيرا في معالجة المشكلات، كما غضّت الطرف عن ملفات الفساد الصغيرة قبل الكبيرة.
الملقي، مثل رؤساء حكومات سابقين، تولى منصبه ليجد أمامه برنامجاً متفقاً عليه مع صندوق النقد الدولي، يقضي باتخاذ إجراءات صعبة اجتماعيا. وإذ لم يملك الرجل سوى الالتزام به، فإنه سعى إلى مراجعة قائمة السلع الغذائية التي ستُرفع عليها الضريبة، بغية تقليل الأثر من هذا الجانب؛ إذ كانت الحكومة السابقة وافقت على رفع أسعار 91 سلعة غذائية.
عودة إلى فكرة المقالة؛ ماذا لو رحل الملقي وجاء رئيس آخر لتحمل المسؤولية؛ هل ستنتهي المشكلات، فتتبخر أزمتنا المالية، وتتغير أحوالنا للأفضل؟ الجواب بالتأكيد هو: لا؛ فكل حكومة ستأتي مضطرة لتنفيذ ما أُقرّ مسبقاً.
ذلك لا يعني أن نستسلم، فلا نبحث عن مخارج تخفف عن الناس الذين ضاق بهم العيش، وأهم من ذلك أنهم فقدوا الأمل والثقة بالحكومات. بل مطلوب من الحكومة الحالية البحث عن بدائل لا تقترب بعد اليوم من جيوب الأردنيين، لأنه لم يعد بإمكانهم تحمل المزيد. ففي كفتي الميزان الآن حملان؛ الأول حل المشكلة المالية، والثاني جيوب الناس، ولا يمكن بأي حال تحقيق التوازن بينهما.
وفي الكفتين أيضا الاستقرار الاجتماعي والأمن الاقتصادي، مقابل مزيد من القرارات الجبائية. وهذه معادلة لا تقبل التفاوض، إذ تفرض الوقوف إلى جانب الأمن والاستقرار، ومحاولة الشعور بالمجتمع والضائقة المالية الخانقة التي يمر فيها، خصوصا أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى عكس ما تتصور الحكومات، تراجعت خلال السنوات الأربع الماضية؛ أي إن دخل الأسر لم ينمُ بشكل تصاعدي ينسجم والزيادات الحكومية للأسعار خلال تلك السنوات.
العمل المطلوب طويل ومضن؛ لأن المشاكل عميقة ومتراكمة، وحلها يحتاج، بالدرجة الأولى، إلى قرار استراتيجي من الحكومة بوقف نمو الموازنة العامة للعامين 2018 و2019 على الأقل، بتثبيت حجم الإنفاق. فهذه الخطوة فقط تحول دون اتخاذ قرارات مشابهة في الأعوام المقبلة، مع خطوات حقيقية لمعالجة التشوهات المرتبطة بهدر المال العام. أما الاكتفاء بتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي الصماء، فلن ينقذنا أبدا؛ فإن كان سيحل مشاكل المالية العامة، إلا أنه سيخلق ألف مشكلة اجتماعية قد تصعب السيطرة عليها.
كذلك، على الحكومة أن تتواصل مع المواطنين بخطاب مختلف، مقدمة مشروعا يجدد الأمل لديهم. فالنوايا الطيبة متوافرة، لكنها لا تكفي لتجاوز الحالة الصعبة.
الملقي كشخصية عامة، خدم في أكثر من موقع. وما ينقص حكومته واضح: خطة عمل تضم ثلاثة فرق؛ اقتصاديا وسياسيا وخدميا. وتكون مسؤولية الأول وضع رؤية وطنية -لا مستشرقة منفصلة عن المجتمع وأوجاعه- بعيدة عن مبدأ الجبابة. بينما الفريق السياسي دوره تصدر المشهد شارحاً للمواطنين بماذا تفكر الحكومة ورئيسها. فيما يعمل فريق الوزارات الخدمية على تحسين الخدمات المقدمة للناس ما أمكن، كل من موقعه، بما سيساعد الحكومة في تحسين المزاج العام، ولا سيما إن أدى كل وزير دوره من الميدان بدل الجلوس في القاعات المكيفة والمكاتب المرفهة، والذي لا يخدم الحكومة ولا الأردن ككل.
بكل صدق؛ المناداة بتغيير الحكومات أمر مفهوم لو كانت فاسدة. لكن استمرار هذا المطلب بشكل مطلق لن يغير واقع الحال. فمع كل حكومة تأتي وترفع الأسعار، نرفع نحن بدورنا شعار الرحيل ذاته، من دون أن نحدث فرقا ملموسا في حياتنا. فالأهم من تغيير الحكومات هو تغيير العقليات والنهج.