عن علاقة «حزب الله» بـ «غزوة» تلفزيون الجديد/ حازم الأمين

تجب العودة بالسؤال عن العلاقة بين «سلاح المقاومة» في لبنان، وتوجه مئات الفتية من مناصري حركة أمل في ليلة حالكة الظلمة إلى مبنى «تلفزيون الجديد» وتحطيم واجهاته ومحاولة اقتحامه.

في لبنان، الكل يعلم أن ثمة علاقة بين «سلاح المقاومة» وفعلة الفتية. ثمة من يُنكر هذه العلاقة، لكنه يعلم أن «مجتمع المقاومة» هو من فعلها. محطة «الجديد» أيضاً تُدرك ذلك، وتنكره بدورها. فهل يعقل أن يعتدي «جمهور المقاومة» على «تلفزيون المقاومة»؟ والجواب مرة أخرى: نعم يمكن لـ «جمهور المقاومة» أن يعتدي على «محطة المقاومة». و «الجديد» نفسها اختبرت هذه الحقيقة غير مرة. فللمحطة تاريخ طويل من العلاقة «المازوشية» مع «مجتمع المقاومة»، وهي في كل مرة كانت تصوب شططاً وتعود إلى موقعها.

«ليسوا جزءاً من مجتمع المقاومة»، أجابت صحف الممانعة ووسائل إعلامها ومن بينها محطة «الجديد». إنهم فتوات الأزقة الذين استخدمتهم حركة أمل في مواجهتها مع المحطة التلفزيونية. لكن لماذا يشعر هؤلاء دون غيرهم من الجماعات الأهلية اللبنانية بأن بإمكانهم فعل ما فعلوا؟ أليس السلاح في أيديهم هو الفارق؟ أليسوا هم أنفسهم من أقدم على احتلال بيروت في 7 أيار (مايو) 2008، وأقدموا في حينه على حرق تلفزيون المستقبل؟ ألم يُحرق التلفزيون في حينه لـ «حماية المقاومة»؟

وفي مقابل ذلك، لم يُقدم أي من الجماعات اللبنانية الأخرى على فعل مشابه لفعلة «مجتمع المقاومة». محطة الجديد لها باع طويل في الخصومة مع الحريري الأب والإبن، وهي في منطقة في بيروت محاذية لمناطق النفوذ الأهلي للحريري و «المستقبل»، ولم يجرؤ أي من جماعات الحريري، وهم بدورهم ليسوا ملائكة، على الاقتراب من المحطة.

ثمة لعبة يجيدها خطاب المقاومة في لبنان، وتتمثل في رفع الفتية، غُزاة المحطة، إلى مصاف ملائكة المقاومة في لحظة توظيف أهلية لهم، وردهم إلى كونهم فتوات أزقة خارجين على القانون، في لحظات أهلية أخرى. عندما احتلوا وسط بيروت كانوا أبطال المدينة، وعندما هاجموا «الجديد» صاروا شياطينها. وهم ليسوا أنفسهم، على رغم أن الوجوه كانت هي نفسها.

هذه المقاومة هي التي تمنع قيام دولة في لبنان. ذاك أن فتية أزقة بإمكانهم الاعتداء على من يرغبون في الاعتداء عليه، طالما أنهم يشعرون بأن سلاحاً في أيديهم، وسلطة تقف خلفهم. وما يُقدمون عليه ليس «فعلاً عفوياً»، إنما هو جزء من برنامج «المقاومة» الهادف للقبض على كل شيء في البلد. وتأديب وسائل الإعلام إحدى المهام المناطة بهؤلاء الفتية. فإلى إحراقهم محطة «المستقبل»، وإجبارهم محطة «أل بي سي» على الاعتذار نتيجة بثها حلقة تناولت فيها قائد المقاومة السيد حسن نصرالله، واقتحامهم محطة «الجديد» غير مرة، ها هم يتوّجون غزواتهم بطلب اعتذار المحطة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

والحال أن المحطة وإن لم تستجب لطلبهم فهي استوعبت الدرس، والبرنامج التلفزيوني الذي تناول بري، لن يتناوله في المرة المقبلة، وهذا ما سبق أن استوعبته محطة «أل بي سي»، فمن حينه لم تتجرأ على تجسيد شخصية نصرالله.

وخلاصة الدرس أن «سلاح المقاومة» صار جزءاً من المعادلة الأهلية اللبنانية، وعلامة تفوق جماعة على جماعة، وهو أمر يمكن رصده على مختلف الأصعدة اليومية. فبث محطة «الجديد» في مناطق انتشار هذا السلاح تم وقفه، وسبق أن عوقبت محطة «المستقبل» بالسلاح نفسه عبر وقف بثها في هذه المناطق. ولا يقتصر الأمر على البث التلفزيوني، إنما يشمل مستويات العيش المختلفة. وهنا يتحول أهل السلاح إلى ضحية له أيضاً، ذاك أن عدم قدرة الدولة على إنفاذ القانون في الضاحية الجنوبية لبيروت أتاح إمكان تفشي المخدرات والخوات ومظاهر الفتوة.

ولسوء حظ رئيس الجمهورية اللبنانية الذي كان لتوه خارجاً من مطالعة يشرح فيها للقادة العرب ضرورة هذا السلاح للبنان في مواجهة الأخطار الإسرائيلية، جاءه الجواب على نحو سريع ما إن حطت طائرته في مطار بيروت. وهذا دأب المقاومة مع الرئيس، ففي يوم انتخابه أجرت عرضاً عسكرياً في بلدة القصير السورية، وقالت له عبر هذا العرض إن السيادة في قبضتنا. فالسلاح ليس على الحدود مع إسرائيل، إنما هنا في بيروت، ومثلما تقتضي مهمة حمايته التوجه لقتال السوريين في سورية، تقتضي حمايته تأديب «تلفزيون الجديد».

وثمة وجه آخر للقبول اللبناني بسلاحٍ فوق القانون، وهو أن هذا السلاح يتولى شطب وجوه أهله قبل شطب وجوه الآخرين. فالطوائف خبيثة في علاقاتها وتبادلاتها، وقد تبتسم محطة تلفزيونية معادية لـ «سلاح المقاومة» حين يُهاجم هذا السلاح محطة حليفة له، تماماً مثلما يشعر ابن منطقة أخرى بأنه أقل عرضة لخطر هذا السلاح من مواطنه المقيم في الضاحية، على رغم أن السلاح علامة تفوق الثاني على الأول. وهذه المشاعر المركّبة تتولى مهمة تعويضية، فالجماعات «المهزومة» تُعوض ما تخلفه الهزائم فيها، بترفع وتعالٍ يصورهما سياسيوها رغبة في قيام الدولة ورذلاً أصلياً للسلاح خارجها.

ويمكن تطوير هذه المشاعر وسحبها إلى مستويات شعورية أخرى. فالعونيون، الحلفاء الجدد لهذا السلاح، يكنون له مشاعر مركّبة، فهو من ناحية علامة قوة الحلفاء الذين يتم الاستنجاد بهم، ومن ناحية أخرى أمارة على تخلف أصحابه، ولا بأس ببقائه في أيديهم طالما أنه يؤدي هاتين الوظيفتين. وهذا يُشبه أيضاً ويوازي ما أقدمت عليه محطة تلفزيونية أخرى عندما رفضت أن تتضامن مع «الجديد» على رغم الخصومة التي تربطها بالجماعة المهاجمة.

كشفت واقعة «محطة الجديد» مرة أخرى أن أي كلام عن دولة وعن قانون في ظل سلاح «حزب الله» لا قيمة له، فليست الحدود وحدها هي ما ينتهكه هذا السلاح، وليس القانون والحقوق والحريات، إنما أيضاً وجوه أهله ممن يؤمنون به، ولم يسبق لهم تعرضوا له بكلمة أو تحفظ.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات