عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب – لفت انتباهي ان عدد السفارات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية عبر العالم هو اكثر مما تملك اسرائيل وحتى كثير من الدول العربية , ويبقى ان تفعل هذه البعثات والسفارات وان يكون لها قاعدة شعبية من الجاليات والتجمعات الفلسطينية في المهجر , او ممن يعملون في تلك الدول لاعطاء بعد شعبي ووطني وحضاري وثقافي يحمل فلسطين الى العالم .
واعتقد ان جولات الرئيس محمود عباس ابو مازن الاخيرة والتي شملت قارات ودول في افريقيا واسيا واوروبا , تؤكد التوجه السياسي والدبلوماسي الذي نجحت به القيادة الفلسطينية وما زالت تنجح في مقاومة اسرائيل عبر العالم وفي العمل على كسر العزلة عن القضية الفلسطينية التي اخذت وضعا جيدا عبر المحافل الدولية منذ الاختراق الاكبر حين اصبحت فلسطين دولة مراقب في الامم المتحدة وما اعقب ذلك من مواقف دولية لدول ومنظمات واتحادات ظلت مواقفها تصب الى جانب كفاح الشعب الفلسطيني وسعي قيادته الجاد لاقامة الدولة الفلسطسنية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس .
فالانتصار السياسي الفلسطيني كان ملموسا قبل عام في الامم المتحدة وفي اعتراف دول اوروبية عديدة , وفي افتتاح سفارة فلسطينية في الفاتيكان اخيرا , وفي حضور الرئيس عباس قمة منظمة الوحدة الافريقية في اديس ابابا في شهر شباط 2017, وفي الزيارات المتتابعة للباكستان وبانغلاديش واليابان لكسب المزيد من التأييد للقضية الفلسطينية , ولمؤتمر السلام الدولي الذي حركته فرنسا بمبادرتها , وفي كل هذه العواصم استقبل الرئيس عباس بالترحيب والتفهم .
لقد كان لقاء باريس بين الرئيس الفرنسي اولاند والرئيس عباس وبحضور ممثلين من مختلف انحاء العالم ( لقاء باريس ) ناجحا , ومضت زيارات الرئيس تفضح الاحتلال وتزيد من عزلة اسرائيل وكشف عدوانيتها المتمثلة في توسع الاستيطان وتهويد القدس والعمل على اسرلة الواقع المقدسي .
جولة الرئيس الناجحة تقرأ من التصريحات المصاحبة لها وهي تأتي عشية وبعد وصول الرئيس دونالد ترامب الى الادارة الامريكية , فقد كانت القيادتان الفلسطينية الاردنية اول من اجتمع , وتباحث في شأن التنسيق الثنائي العربي لكيفية التعامل مع الادارة الامريكية الجديدة التي التقاها الملك عبدالله الثاني هذا الشهر , ولصبرها بالواقع وخطورة الاقدام على اجراءات او سياسيات او متغيرات تؤثر على الواقع القائم بشكل سلبي وخاصة ما يتعلق بالدعوة الاسرائيلية لنقل السفارة الامريكية من تل ابيب للقدس .
واللقاء بين القيادتين الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس جاء ايضا عشية انعقاد القمة العربية القادمة في عمان في شهر اذار مارس القادم , وكيفية طرح الملف الفلسطيني في القمة العربية , و ماذا يمكن للنظام العربي من خلال قطرياته المختلفة او من خلال صيغة الحد الادنى للتنسيق العربي الذي يمكن ان تؤسس له عمان .. أن يفعل .
هناك محددات حقيقية للواقع العربي الصعب عشية القمة تتمثل في استمرار توسيع الاستيطان واتخاذ الكنيست قرارات تجيز وتبيح وتسرع النهبب للاراضي الفلسطينية فيما يسمى قانون ” التسويات ” الاسرائيلي الذي اقر بالقراءات الاولى والثانية في الكنيست , والذي يجب ان يحول الى ادانة واضحة لاسرائيل على المستوى الدولي بدل ان يكون من مكاسب اليمين الاسرائيلي الذي فرضه تحت طائلة الابتزاز .
القيادة الفلسطينية تعمل بجد في البناء على قرار مجلس الامن الاخير المتعلق بادانة الاحتلال والاستيطان وكل الاجراءات التي اقامها الاحتلال , وهذا القرار الذي ولد نتاج امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو كالعادة مكّن الامم المتحدة من حصد ثمار مواقفها الى جانب الشعب الفلسطيني .
في جولة الرئيس عباس مكاسب في البناء على قرار مجلس الامن و دفع بالقرار ومضمونة الى الامام , ومحاصرة اية افكار جديدة سلبية للادارة الاميركية التي تستقبل نتنياهو الذي يطمع ان ينتزع مواقف اميركية لصالح حكومته ونهجها اليميني المتطرف .
المعركة السياسية والدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس ابو مازن بعد تجديد انتخابه واللجنة المركزية لفتح هي معركة مستمرة وتتصاعد وستجد لها اسناد في القمة العربية القادمة . فالعالم الان اكثر تفهما للقضية الفلسطينية والوعي عليها وهو اكثر
ادانة لمواقف اسرائيل اليمينية والمتطرفة والتي تدينها معظم دول العالم وتجد فيها تهديدا للامن والاستقرار والسلام الدولي.
جولة الرئيس ابو مازن فيها حصاد وفير سينتقل به الى تشكيل موقف دولي لاسناد حل الدولتين الذي تستهدفه القرارات الاسرائيلية الاخيرة في قرارات الاحتلال العنصرية المسماة بقانون التسويات.
واذا كان العمل الفلسطيني ينطلق الان من بعدين الاول استكمال بناء المؤسسات الفلسطينية والاساسية في منظمة التحرير الفلسطينية وهيئاتها ومنظماتها من اجل اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومن خلال اعادة بناء المجلس الوطني الفلسطني وتجديده فإن هذا العمل تجري متابعته بعد المؤتمر السابع لفتح في رام الله وبعد تشكيل اللجنة المركزية وهو عمل يؤذن للمصالحة الوطنية واعادة وحدة القرار والقيادة الفلسطينية وانهاء الانقسام البغيض في الصف الفلسطيني والذي جرى وما زال يجري به الاتجار في الانقسام الذي تكرسه حماس في غزة.
اما البعد الثاني فهو البعد السياسي والفلسطيني الناجح والذي اعاد فلسطين الى الخارطة بقوة ومكنها من ان تلعب دورا افضل في خدمة قضيتها الوطنية واستكمال حلقات العمل ومحاصرة الاحتلال وادانته عبر المنظمات والهيئات الدولية على راسها محكمة الجنايات الدولية التي حان الوقت للتوجه اليها ودفع قراراتها للخروج لادانة اسرائيل واحتلالها ونشوبها.
لقد نجحت القيادة الفلسطينية على المستوى السياسي وهي بحاجة الى المزيد من النجاحات وما يجري من الجانب الاسرائيلي هو الاستفزاز بقوة وبشكل مبكر لثني الفلسطينيين عن المتابعة في هذا المجال واظهارهم كما لو انهم يرفضون التعامل مع العالم بالاسلوب الحضاري.. اذ ان اسرائيل تشجع العنف وتدفع اليه لتهريب وتصدير ازماتها الدولية المتمثلة في استمرار احتلالها وتوسيع استيطانها . القيادة الفلسطينية منتبهة الى هذه المعادلة وهي تجريد اسرائيل من ذرائعها وتمكين المجتمع الدولي من ادانتها وهذه معركة صعبة وطويلة ودونها عقبات كثيرة تحاول اسرائيل استغلالها واحيانا بأدوات فلسطينية تطيل الانقسام وتستثمر فيه.