عروبة الاخباري _ كتب سلطان الحطاب _ بيّن الرئيس الملقي عذره وهو يتحدث عن اجراءات الحكومة حتى لايبين تقصيره , وقد وجدته صادقا من عيونه وعلى لسانه , خاطب الامة بلغة فيها هدوء وقول ” لا يكلف الله نفساً الا وسعها ” وها هو يسعى وقد رأيته مملوءاً بالرغبة في العمل وقبول التحديات , بدأ بنفسه أي بحكومته ” ومن ساواك بنفسه فما ظلم ” حين وضع اجراءات تقول بذلك وقطع ذريعة اولئك الذين ظلّوا يقولون ” إن الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار ” , فالجميع اليوم معني بالاجراءات الجديدة وسيأتي اليوم الذي أراده الملقي حين نرى الوزير يجلس في الدرجة السياحية في الطائرة التي يملأها في مقاعد رجال الاعمال غير الوزراء وغير الموظفين ممن يدفعون من جيوبهم .
يسحب الرئيس ذرائع كثيرة من الشارع تتعلق بالكادر الحكومي حيث ما زال خطاب الجمهور يشتعل بالقول إن لأعضاء الحكومة امتيازات , وها هو الرئيس يشير اليها واحدة تلو الاخرى , الى ان يأتي يوم ( إن استمر النهج ) قد لا يكون أحد مندفعاً لتولي المنصب كما كان الامر من قبل .
كانت مقابلة الرئيس ناجحة وناضجة وواقعية ابتعد عن المبالغة ورسم صورة للواقع , خففت من روع الموظفين وقلقهم من الاشاعات التي تتزاحم حول الوضع الاقتصادي الداخلي ومنعة الدنيار , وحول وصف الكثيرين اللوحة الاجتماعية بالسواد .
لم ينكر الرئيس الملقي صعوبة المرحلة ووعورة الطريق وضرورة التزود بالثقة والايمان , وحين تحدث عن اجراءات رفع الدعم وزيادة الضريبة او اعادة موضعتها قبل ان تكون لحساب ” زيد أو عبيد ” لم يبدأ من اخر العلاج وهو الكي , بل اعطى اوقات و مهل حتى يستوي الناس ويعتدلوا في سعيهم وصفوفهم , وحتى يبلغوا الامر وقد أعدوا له عدته .
فزمن الاعفاءات الارتجالية ولّى ويأتي زمن كما نأمل لا ارتجال فيه , ولا كرم على حساب العامة والجمهور حتى وان وصفوا الرئيس بالبخل وقالوا ما ليس فيه .
اليوم يلقي الملقي بعصاه على شكل قرارات تسعى في محاولة لكنس الزوائد و الأدران , وبتنظيف البيت بأمر من راعيه ويعيد تصحيح العديد من المفاهيم , ويجيب على سؤال كيف يصل الدعم الى مستحقيه ! وهي العبارة التي ظلت حكومات عديدة تلوكها وتتغطى بها دون أن يسري تيار الوصل في الاجسام , و دون ان يفرح بالدعم اولئك الذين ظلوا ينتظرونه .
نعم كان الدعم وما زال الى اللحظه يذهب لجيوب القادرين ويدفع ثمنه غير القادرين من فقراء والمعوزين , ولما لم تكن الوسائل جاهزة والطريقة مختبره فقد اعطى الملقي سنة لتكون البطاقة الذكية هي اشارة المرور في تنظيم واقع جديد يتكيف فيه المواطن مع المعطيات الجديدة ويتجنب مخاطرها .
انتهت الاعفاءات غير المبررة وستبقى المبررة وسيتخلص الملقي من الثوب الممزق الذي ظل يغطي القليل من الجسم , فقد وصلت بعض الخروق والمزق ما يزيد عن كلفة دعم الخبز , وهو الامر الذي بقينا نشكو منه دون ان نراه حتى جاء الرئيس ووصفه , وها نحن ندرك الان معنى الحديث عن الاعفاءات ومفهوم ” محمد يرث ومحمد لا يرث ” .
أما حديثه عن العمالة الاجنبية و الوافدة واجتياحها لمساحات العمل المفترضة للشباب الاردنيين فقد رأى رؤية صائبة و وضع الية موصلة أرجو ان تطبق وان تنجح اذ ان رسوم اذون العمل قد تحدث توازنا في الاجور حين تتراكم وقد تحدث ايضا مناخا مناسبا يستطيع الاردنيون التنافس فيه فكلفة معيشة الاردني هي اعلى من كلفة معيشة الوافد ولا بد لهذه الكلفة التي تتطلبها حياة الاردني من اسناد وتسديد .. لحماية فرص العمل وجعل طريق الوافدين اليها ليس سهلا.
قرارات الملقي ليست سهلة حتى يجري تجرعها مرة واحدة وفي لحظة واحدة ولذا لا بد من قراءتها والتأمل فيها ليس من جانب الحكومة فقط وانما من جانب الجمهور الذي سيعيش أثارها ومن هنا كان انتباه الرئيس الى ضرورة ان يشارك الاردنييون جميعا في تحمل الاجراءات لتكون محمولة على كل الاكتاف حتى لا يتهم طرفا طرفا اخر ويخلي نفسه من المسؤولية .. فالشفافية هي الاصل , ومعرفة معنى ” الضرورات تبيح المحظورات ” في سياقها الوطني العام لأن الحمل ان تجمعت الارادة العامة لرفعه يسهل ذلك.
اذن نحن بحاجة الى اعادة صياغة الوعي على الضرورات لنعرف لماذا جرى توسيع خطوط المحظورات. وعلينا ان نشارك جميعا في صياغة حالة افضل او اكثر تقبلا للوصفة التي تحدث عنها الرئيس الملقي.
لا يجوز ان يبقى بعض اعلامنا شامت او متفرج او ناذر نفسه لانتظار الفشل فالحقيقة كما قال الرئيس أهم من السقوف العالية .. والسقوف العالية لا تضمن الامان ان لم تكن القواعد راسخة ومتينة ويجري التأكد من الوقوف المتوازن فوقها.
اذن لنتوقف عند ما قاله الرئيس الملقي في مسيرة المراجعة التي يبدأها ومفهومه للاصلاح وتمثله للورقة النقاشية الملكية السادسة , فنحن كما يقول لا نبدأ الاصلاح من العدم فقد بدأنا قبل الربيع العربي وان كانت المسيرة بطيئة ومترددة وبعض الحكومات السابقة كانت تمارس ” حرث الجمال ” .
وكما الطبيب الماهر فإن الملقي لم يهون من المرض ولكنه وعد المريض بعملية هادئة ناجحة لها تشخيص كاف واجراءات لا بد منها.
لم يقل الملقي كما كان البعض من المسؤوليين ممن اختبئوا وراء ذرائع تسهيل مبرراتهم لم يقل ان الاقتصاد في غرفة الانعاش .. بل طمن المواطنين واصفا بعض الدواء وضرورة ان يبدأ العلاج.
ولأنه يؤمن أنه ” ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع امرك ” فإنه لم يفرغ لومه وغضبه على جار او شقيق بل شكر من اعطى وقدم مدركا ان هناك فضل للاشقاء وانهم دعموا وما زالوا يدعمون ولأنه ” لأن شكرتم لأزيدنكم ” وادرك انه لوكان فظا غليظ القلب لانفضوا , وانه لا بد ان تجد لأخيك عذرا وانه ايضا ” خذ قول اخيك على احسنه ” ولذا ندرك ان الملقي بريء مما ظن به الاخرون ممن زايدوا او ناقصواعلى الشقيق العربي دون اطلاع وقد اخذتهم الحمية بالخطأ والعزة بالاثم.
ولم يكونوا مخلصين في مراعاة المصلحة الوطنية وضرورة المحافظة عليها.
ثمة حاجة الى تعشيب حقلنا الداخلي والى اقتلاع الهالوك من زرعنا فقد اكل الكثير من الحاجات .. نعم لا بد من اجراءات استعد الملقي ان يبدأها وهي ليست شعبية وتحتاج الى مهارة الجراح حتى يبقى الجسم سليما قادرا.
نحن الان في مرحلة الترشيد واعادة انتاج انفسنا بشد الحزام على البطون المتحملة في سبيل وطن اكثر استقرارا ومنعة واقدر على المواجهة .. نعم بيّن الرئيس عذره وفي ذلك حتى لا نتهمه بالتقصير عن فعل ذلك كما فعل الذين اشبعونا كلاما عن الاصلاح وتركوا لنا مديونية خيالية .!