ليس مفاجئا القول إننا في الأردن نمر بظروف استثنائية، ونواجه تحديات اقتصادية غير مسبوقة، وقريبا سننخرط بفعالية أكبر في الحرب ضد الإرهاب. أما على المستوى الخارجي فإننا إزاء تحد كبير يتمثل في مدى قدرتنا على التكيف مع المتغيرات في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، مع تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة.
لكن بالرغم من ذلك، لسنا دولة على حافة الانهيار كما يحاول البعض تصوير الأمر. لقد واجهنا ظروفا مشابهة في السابق وتمكنا من تخطيها، بتماسك الجبهة الداخلية، والقيادة الخلّاقة.
إن أكثر ما يقلق على المستوى الداخلي هو افتقارنا لليقين الوطني، والشعور الطاغي بضعف المؤسسات، وعدم الثقة بالمستقبل.
صحيح أننا نتصرف بمسؤولية وطنية عالية عندما تتعرض بلادنا للخطر، ونتوحد كما لم نتوحد من قبل. تجلى ذلك الشعور العظيم خلال المواجهة مع الإرهابيين في الكرك. فمن راقب ردود الفعل أثناء وبعد الحادث، خيل إليه أن علاقة المواطن مع مؤسساته سمن على عسل.
لكن التحدي الذي طالما أخفقنا في تجاوزه، هو إدامة حالة الإجماع الوطني، وتكريسها كصفة دائمة لعلاقة الدولة بمواطنيها.
ليس مطلوبا من المسؤولين التنفيذيين تلبية كل مطالب الموطنين، لكنهم مطالبون حكما بالاستماع إليهم دائما، وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة بمختلف الوسائل المتاحة، وإظهار التقدير والتفهم للمصاعب المعيشية التي يعانون منها.
مشكلة النخبة في دوائر السلطة التنفيذية، أنها لم تعد تشعر بالمعاناة اليومية للمواطنين، ولا تجد من واجبها التدخل الفوري للمساعدة في تخفيف هذه المعاناة. فعند هذا الحد من غياب التواصل، تتحول المعاناة إلى نقمة على الدولة.
وإليكم مثالا على ذلك؛ لأسابيع مضت، سجلت أسعار بيض المائدة ارتفاعا كبيرا، ونقلت وسائل الإعلام شكوى المواطنين من هذا الارتفاع. باستثناء التصريحات المتضاربة، وحملات التلاوم بين حلقات الإنتاج والتسويق، لم تحرك الحكومة ساكنا. لماذا؟ لأن أحدا لا يدرك معنى أن يصبح ثمن البيضة الواحدة 15 قرشا بالنسبة لمواطن يعيل أسرة ودخله لايزيد على 400 دينار.
وضع شاذ كهذا كان يكفي لكي ينتفض رئيس الوزراء في وجه وزير الصناعة والتجارة، عسى أن “يهز طوله” ويتدخل لحماية حق أصحاب الدخل المحدود في الحصول على مادة أساسية بالنسبة لأغلبية المواطنين بسعر منصف.
قد يقول البعض، هذه قضية بسيطة، لا ترقى إلى مستوى التحديات التي تواجهنا. هذا صحيح من الناحية النظرية، لكنها حاسمة جدا لعموم الناس. من المهم أن يشعر المسؤولون مواطنيهم بأنهم محل اهتمام.
لقد كان السؤال عن أسعار الخضار والفواكه بندا ثابتا على جدول أعمال رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران اليومي، رغم مشاغله الكثيرة على مختلف المستويات.
إن تغيير أسلوب العلاقة مع المواطنين، يفوق في أهميته، القرارات التقشفية التي تتخذها الحكومة؛ فالمواطن لن يهتم بسيارة المسؤول ومصاريفها، مادام يحضر فيها إلى مدرسته وقريته، ومكان عمله ليسأل عن أحواله، ومشاكله.
مشكلتنا أن بعض الوزراء يدخلون الوزارة ويخرجون منها وهم لايعرفون من يعمل في مكاتبها.