منذ اللحظة الأولى التي تمّ الإعلان فيها عن اختيار د. عمر الرزاز وزيراً للتربية والتعليم انطلقت حملة ممنهجة لتشويه صورته أمام الرأي العام الأردني واغتيال شخصيته، بما يتجاوز ما شهدناه في حالات سابقة لوزراء أو مسؤولين آخرين.
المفارقة أنّ الرزاز بطبعه تصالحي وتوافقي، ويميل إلى الاعتدال في مواقفه عموماً، وليس صدامياً، وهو ليس من الشخصيات التي يمكن استفزازها، فهو هادئ بطبعه ومتوازن، وهو ما لاحظته حتى بعد الهجمة الالكترونية ضده، أو الحملات الفردية التي دشّنها أصدقاؤه ومحبّوه في الأوساط السياسية والإعلامية.
بالضرورة هنالك من يتفق ويختلف مع الرزاز في أغلب مواقفه السياسية والفكرية وتوجهاته الاقتصادية والثقافية عموماً، وهي حال الجميع. لكنّ المشكلة الكبيرة لدينا عموماً، في العالم العربي، شهوة التنميط والتعليب (Labeling) للشخصيات العامة، وتسطيح عملية التصنيف، بصورة عشوائية وانطباعية ومسبقة، من دون تمحيص وتدقيق في المعلومات، ثم تداول هذه الانطباعات بوصفها حقائق من قبل الآخرين. ولعلّ الطريف في الأمر هو أنّ د. الرزاز نفسه كان قد دعا في محاضرات سابقة إلى الخروج من عقلية الاختزال والتعميم والاجتزاء التي تعاني منها الثقافة العربية!
على أيّ حال، الهجمة لم تكن عفوية، وهنالك نخب تقوم على شحنها والترويج لها، وفي مقدمة الخصوم التيار المحافظ، عموماً، الذي ينظر إلى الرزاز بوصفه “إصلاحياً” مرتبطاً بأجندة ليبرالية، وهدفاً مشروعاً لما يمتلكه من مؤيدين ومعجبين في أوساط نخبوية وجماهيرية.
على الطرف الآخر، نجد أنّ نخبة، ذات مرجعية إسلامية، متخوفة من وجود “أجندة” تغيير المناهج وراء مجيئه، وتبالغ في التوجس من خلفيته الليبرالية- العلمانية.
لكن الأخطر من كل هؤلاء، هي الفئة التي يفترض أن ينتبه لها الوزير الجديد، هي لوبيات داخل وزارة التربية والتعليم، بل هي أقرب إلى “المافيات”، كما كان يصفها الوزير السابق، د. محمد الذنيبات، التي تفككت وتضررت خلال المرحلة السابقة، وتريد أن ترهق الوزير في صراعات ومعارك جانبية وإضعافه قبل أن يستلم الوزارة، كي تستعيد مكاسبها السابقة.
لو تجاوزنا الصراع على المناهج والخلافات الأخرى التي وقعت بين الوزير السابق، د. محمد ذنيبات والتيار المعارض له، فإنّ ما لا يجوز نسيانه أن مرحلة د. ذنيبات مثّلت “نقطة تحوّل” مهمة ورئيسة في مسار التربية والتعليم في الأردن، فلم يوقف فقط القطار المتدهور في انهيار الثانوية العامة، بل كان جريئاً في الكشف عن كوارث في أوضاع التعليم، وفكك المافيات واللوبيات التي كانت قد عشعشت في تلك الفترة، وامتلك الخبرة الإدارية اللازمة للتعامل مع جزر كبيرة ومتناثرة وحجم يقارب المائة ألف من الموظفين في وزارته، ما يلقي تحدّياً كبيراً على الوزير الحالي.
وإذا تجاوزنا، كذلك، الحملة الممنهجة ضد الرزاز، من أكثر من طرف، فإنّ ما أودّ قوله للتيار المتدين، بصورة خاصة، بأنّ الحملة الحالية ظالمة وغير منصفة، فالرجل معتدل ومتوازن، وهو ديمقراطي حقيقي، يؤمن بالتعددية والتنوع، ولا يتنكر للجانب الهوياتي في المناهج، بالرغم من إيمانه بضرورة تطويرها وتحسينها، فلا داعي للانسياق لأجندات غير بريئة، وسيكون أكثر تصالحية مع نقابة المعلمين.
هنالك مبالغات متبادلة بين مؤيديه ومعارضيه، ما يضع على كتفيه عبئاً ثقيلاً من قبل أن يبدأ، من توقعات معادية أو سقف مرتفع، وهي بداية مضرّة ولا تخدمه من الجهتين معاً، فلندعه يعمل، ثم نقيّم معاً، وليس العكس!