مطبخ اقتصادي: ثمة فرصة/ جمانة غنيمات

الهدف الأول من التعديل الحكومي الأخير تحقق؛ إذ ساعد رئيس الوزراء د. هاني الملقي، على سحب فتيل الأزمة مع مجلس النواب الذي كان يطالب بطرح الثقة بوزير الداخلية السابق سلامة حماد. كما تحقق هدف آخر شخصي للرئيس، وهو أنه بعد أشهر من وجوده في الرئاسة، استطاع بناء أحكام بشأن بعض أعضاء فريقه، مصلحاً بالتالي خطأه.

في الوقت ذاته، فإن الوزراء الجدد الداخلين إلى الحكومة يشكلون إضافة للفريق، وسيحملون بعض الملفات الصعبة مع الرئيس. إذ يُنظر إلى الرجل الثاني في الحكومة اليوم؛ د. ممدوح العبادي، بخلفيته النيابية والنقابية والسياسية، كمكسب للحكومة، يمكن أن يساعدها في ضبط إيقاع العلاقة مع النواب.

كذلك، فإن دخول الإعلامي والسياسي أيمن الصفدي، بخبرته المتنوعة أيضا، إلى الوزارة، سيكون داعما للملقي في حمل الملفات المهمة. وأهم من ذلك إنهاء خلاف لم يعد سراً بين الرئيس ووزير خارجيته السابق ناصر جودة؛ كما إنهاء فصل من الانتقادات لطول بقاء جودة في “الخارجية”.

وبانتقاله إلى وزير للشؤون القانونية في رئاسة الوزراء، ينهي بشر الخصاونة التجربة القصيرة التي رغب فيها الملقي، وهي وجود وزارة دولة للشؤون الخارجية؛ ربما لما لهذه التجربة من ضرر كبير وقع على الوزارة نفسها، ولتعود “الخارجية” بالتالي ملفا واحدا بعهدة الصفدي.

والخصاونة قادر على تقديم إضافة في الملف القانوني، بما يمثل معالجة لإحدى نقاط الضعف في الحكومة الحالية، بحكم خبرته العلمية والعملية في هذا المجال.

التغيير الذي لا يقل وقعاً عن رحيل جودة عن “الخارجية” بعد 8 سنوات من تولي هذه الحقيبة، يتعلق بتسلم د. عمر الرزاز وزارة التربية والتعليم. وتبدو المفاجأة هنا بتسلم الخبير الاقتصادي لحقيبة التعليم، إنما من دون أن يقلل ذلك من الثقة بقدرة الليبرالي على حمل ملف شائك ثقيل.

وبحكم ما عرف به الرزاز من توازن وحكمة، فإن منصبه الجديد لا يعني ثورة غير محسوبة النتائج في هذا الملف. لكنه يؤكد أيضا توافر النوايا الصادقة لمعالجة المشكلات الكارثية التي يعاني منها التعليم العام في الأردن، وأهمها ضعف مستوى الطلبة وضحالة معرفتهم.

ومن ثم، فإن مهمة الرزاز ليست هينة، ولا سيما أن الهجوم بدأ عليه من لحظة إعلان اسمه وزيراً، على قاعدة “خير وسيلة للدفاع الهجوم”؛ فتداول ناشطون “افتراضيون” صورا عادية للوزير مع ابنته، لكن التعليقات عليها لم تخل من قلة الذوق وانتهاك خصوصية عائلية. وقد جاء هذا الهجوم -من خلال اللعب مجدداً على عواطف الناس، والضرب على وتر الدين باعتباره المستهدف بتغيير الكتب المدرسية- من التيار نفسه الذي يسعى إلى إبقاء سيطرته على ملف التعليم، رغم الإدراك التام لفشله الذريع، بدليل مخرجاته الكارثية.

الرزاز أمام معركة كبيرة، لكنها استراتيجية وحاسمة لمستقبل أبناء الأجيال المقبلة، وهم أطفالنا الجالسون على مقاعد الدراسة اليوم. لكن ذلك لا يعني عدم استثمار علم وخبرة الرزاز الاقتصاديين، مع ما يملكه أيضاً وزراء آخرون مثل وزير الطاقة والثروة المعدنية؛ بحيث لا يكتفي كل وزير بملفه، بدعوى “كفى الله المؤمنين شر القتال”.

فالمطلوب بوجود الرزاز وإبراهيم سيف وغيرهما كخبراء اقتصاد، مع وزراء سياسيين يدركون الأبعاد الاجتماعية للسياسات الاقتصادية مثل الصفدي، أن يكون هناك مطبخ اقتصادي حقيقي، يضع لنا وصفة الحل؛ فنتخلى عن الحلول المجتزأة، ونذهب نحو حل حقيقي لمشكلات الاقتصاد الهيكلية.

بالمحصلة، الوزراء الجدد إضافة للحكومة. لكنهم بالمحصلة أيضا ليسوا السبيل لإطالة عمر حكومة الملقي؛ لأن هذا الأمر مرهون بقدرة الرئيس على الابتعاد عن الطرق التقليدية في إدارة الشأن العام من “الدوار الرابع”، واتباع سياسات إبداعية تفاجئ المتابعين. فبقاء العمل وفق مبدأ “صلي على الحاضر” لا قيمة له.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات