رد الفعل التلقائي على التعديل الوزاري الأخير، وكل ما سبقه من تعديلات وزارية على جميع الحكومات، هو قول مأثور استقر مع الوقت، مفاده أن تغيير الأشخاص لا يغير في الأداء، والمطلوب تغيير السياسات لا الأشخاص.
تردد هذا القول على ألسنة الكثيرين في وسائل الإعلام بعد التعديل على حكومة د. هاني الملقي أول من أمس. والمرجح أنه سيبقى سائدا في الأيام القليلة المقبلة، قبل أن تموت القصة في وسائل الإعلام.
أعتقد أن لهذا الرأي ما يبرره عند جمهور عريض من المواطنين، وليس النخب؛ طالما يأمل بتغييرات حكومية وتعديلات وزارية، إلا أن شيئا لم يتغير بمستوى معيشته.
لكنّ في هذا الرأي الشعبي السائد قدرا غير قليل من التعميم، لأننا وببساطة لا نحوز على أدوات تقييم لأداء الوزراء بعد التغيير أو التعديل الوزاري. أفضل فئة مجتمعية يمكن أن تعطيك تقييما موضوعيا لأداء الوزراء، هم موظفو الوزارات، هذا إذا ما استثنينا بعض الموظفين المتضررين من قرارات الوزير.
الموظفون يتعاملون عن قرب مع الوزراء، ويملكون الخبرة التي تؤهلهم لتقييم الأداء. وفي مناسبات كثيرة، نسمع منهم تقديرات مفاجئة عن أداء وزراء، قد لا يكون الرأي العام أو وسائل الإعلام تقبلانهم، فيمتدحون بالأدلة أداء وزراء لم نكن نستسيغهم، ويكشفون بالخبرة نقاط ضعف وزراء اعتقدنا أنهم “وزراء سوبر”.
وما يعنينا أساسا في التقييم معايير النزاهة وتطبيق القانون، والعدالة في معاملة الموظفين، والقدرة على اتخاذ القرار من دون تردد أو خوف.
وثمة قدر من التناقض في موقفنا من مبدأ تغيير الأشخاص “الوزراء” في الحكومات. ويصلح التعديل الأخير على حكومة الملقي مثالا على ذلك. قبل التعديل، كان رحيل بعض الوزراء بالاسم مطلبا يحظى بشبه إجماع وطني؛ الوزير الفلاني هو المسؤول عن التقصير في أحداث الكرك، ويجب أن يستقيل أو يخرج في التعديل. وذاك محافظ يقف في وجه خطط الإصلاح والتطوير. وثالت عابر للحكومات، صار وجوده الطويل يبعث فينا الملل، ولذا يجب أن يرحل.
وما إن يقع التعديل، حتى يكون أول رد فعل هو القول المأثور “المطلوب تغيير السياسات لا الأشخاص”؛ أوليس في ذلك تناقض صريح؟
صحيح أن الحكومات البرامجية القائمة على حكم الأغلبية النيابية هي الخيار الأفضل لكل البلدان. لكننا في الأردن لم ننجح بعد في إيجاد أغلبية وأقلية في البرلمان، وبالتالي لا توجد لدينا حكومات برلمانية بهذا التعريف.
للحكومة برنامج لا ننكره، لكنّ للأشخاص في مثل حالتنا دورا حاسما في إحداث فرق في الأداء. ويمكن أن نتلمس ذلك من خلال مقارنة الإنجاز لوزراء في الحكومة نفسها، أو ممن تعاقبوا على وزارة بعينها.
أما القول الثاني الذي يلازم كل تعديل وزاري في الأردن، فيمكن تلخيصه بعبارة شهيرة في وسائل الإعلام: “تعديل باهت، دون مستوى التوقعات”. قرأت هذا العنوان، لا بل وكتبته بيدي عشرات المرات خلال العشرين سنة الماضية. شعبيا، يترجم هذا بعبارة دارجة بالعامية: “شو هالتعديل هذا يا أخي، ما لقوا غيرهم وزرا؟!”.
الحاصل أن شيئا لم يتغير عندنا؛ لا تشكيلة الحكومات، ولا موقف الناس منها. وتبقى الطاحونة تدور.